الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: مدرج المتن
قال الذهبي: " هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن، لا يبين للسامع إلا أنه من صلب الحديث، ويدل دليل على أنها من لفظ راو، بأن يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة لا تفصل هذا من هذا "(1).
طريق معرفة الإدراج:
يعرف الإدراج في المتن بأمور:
أولها: وجود قرينة في السياق تدل على أن الجملة مدرجة، كاستحالة إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مثل ما وقع في رواية البخاري (2) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك ".
فقوله: " والذي نفسي بيده " إلى آخره، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بقرينة قوله:" وبر أمي "، فإن أمَّه صلى الله عليه وسلم ماتت عنه وهو صغير.
وهذه الصورة من الإدراج متميزة دون حاجة إلى دليل خارجي، مع أن مسلماً حين أخرج الحديث (3) قال في روايته:" والذي نفس أبي هريرة بيده. . " فذكره.
وثانيها: تصريح الصحابي راوي الحديث بأن تلك الجملة من كلامه.
وذلك كحديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار "، وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة (4).
(1) الموقظة (ص: 53 _ 54).
(2)
في " صحيحه "(رقم: 2410).
(3)
في " صحيحه "(رقم: 1665).
(4)
أخرجه البخاري (رقم: 1181، 4227، 6305) .......
قلت: وهذا الإدراج لا يخفى.
وثالثها: تصريح بعض رواة الحديث بفصلها عن أصل الحديث.
ومثاله ما وقع من بعض الرواة لحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة ".
فأدرج فيه بعضهم سياق الأسماء، كما أخرجه الترمذي (1) وغيره، من طريق الوليد بن مسلم، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مرفوعاً، زاد بعد قوله صلى الله عليه وسلم:" دخل الجنة ": " هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك. . " إلى آخرها، لم تفصل فيه هذه الزيادة عن الحديث، مما ظنه بعض الناس في جملة الحديث.
وهو عند البخاري (2) وغيره، عن أبي اليمان عن شعيب، دون ذكرها، وكذلك رواه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، دونها (3)، ومن غير وجه عن أبي هريرة بدونها أيضاً.
ولك أن تقول: زادها ثقة، والزيادة وغير المخالفة من الثقة مقبولة.
ونقول: نعم، على التحقيق، هي كذلك، لو كان بعض الرواة لم يذكرها وبعضهم ذكرها، وليس في مجرد ذلك دليل على الإدراج، ولكنا وجدنا ما بين أنها مدرجة:
فأخرج الحديث عثمان بن سعيد الدارمي بإسناد آخر للوليد بن مسلم،
(1) في " جامعه "(رقم: 3507)، وقال:" غريب "، وقال:" لا نعلم في كبير شيء من الروايات ذِكر الأسماء إلا في هذا الحديث ".
(2)
في " الصحيح "(رقم: 2585، 6957).
(3)
مُتفق عليه: أخرجه البُخاري (رقم: 6047) ومسلم (رقم: 2677).
قال عثمان: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لله تسعة وتسعين (1) اسماً، من أحصاها كلها دخل الجنة ".
زاد بعده: قال هشام (يعني ابن عمار): وحدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، مثل ذلك، وقال: كلها في القرآن، هو الله الذي لا إله إلا هو، فساق الأسماء (2).
فدل هذا على أن الوليد كان يحدث بالحديث المرفوع بإسنادين، وكان يدرج فيه الأسماء مما أخذه عن سعيد بن عبد العزيز قوله.
لكن يجب أن تعلم أن كشف مثل هذه العلة ليس مما يتهيأ بيسر، بل هو صورة من الصور الخفية لعلل الحديث.
قال الذهبي: " هذا طريق ظني، فإن ضعف توقفنا، أو رجحنا أنها من المتن "(3).
واعلم أن الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري كان ممن عرف بالإدراج في المتون، يدرج اللفظ يفسر فيه اللفظ، ونحو ذلك، وليس بالكثير في حديثه.
والتأصيل في الجملة: أنه لا يصح ادعاء الإدراج في إسناد أو متن إلا إذا قام برهان بين على وجوده، وإذا ثبت فإن كان من مدرج المتن حكم لذلك القدر المدرج بكونه ليس من الخبر، ولا يقدح هذا في سائر الخبر ويكون ذلك القدر من الجملة الحديث الضعيف رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) كذا، والجادة:(وتسمعون).
(2)
انظر: النقض على المريسي، لعُثمان الدارمي (1/ 180 _ 183) .......
(3)
الموقظة (ص: 54).
وإن كان من مدرج الإسناد فإنه قد يستدل به على لين الرواي أو ضعفه، وإن كان من الثقات المتقنين فبيان إدراجه فيها مزيل لأثر محذورها، ولا يقدح صنيع ذلك فيه، إنما يقدح فيما نتج عن إدراجه من أثر، وحديثه دون الإدراج صحيح.
وللحافظ أبي بكر الخطيب كتاب " الفصل للوصل المدرج في النقل "، وهو كتاب ثري نافع في بابه.
* * *