المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صلاحية الراوي - تحرير علوم الحديث - جـ ٢

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثالنقد الخفي

- ‌الفصل الأولالمراد بالنقد الخفِيِّ وبيانمنزلته وتعيينُ محلَّه

- ‌المبحث الأول:معنى النقد الخفي

- ‌طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة):

- ‌المبحث الثاني:منزلة هذا العلم والطريق إليه

- ‌المبرّزون من أئمة الحديث في معرفة علله:

- ‌هل انتهى الزمن الذي يمكن فيه تمييز العلل الخفية للأحاديث

- ‌المبحث الثالث:تحديد إطار النقد الخفيِّ

- ‌الصورة الأولى: ما أطلق عليه مسمى (العلة) وليس من هذا الباب

- ‌الصورة الثانية: ما أطلق عليه مسمى (العلة) ولا أثر له على ثبوت الحديث

- ‌الصورة الثالثة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو من العلل الظاهرة

- ‌الصورة الرابعة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو صواب

- ‌الفصل الثانيأسباب التَّعليل من خلالمنهج النُّقَّاد

- ‌المبحث الأول:التعليل بالتَّفرُّد

- ‌مسألتان متممتان لمبحث التفرد:

- ‌المبحث الثاني:التعليل بالزيادة

- ‌الأصل الأول: محل وقوع زيادات الثقات

- ‌أولاً: وصل المرسل

- ‌ثانياً: رفع الموقوف

- ‌ثالثاً: الزيادة خلال الإسناد

- ‌الصورة الأولى: زيادة راوٍ خلال الإسناد في موضع عنعنة

- ‌الصورة الثانية: المزيد في متصل الأسانيد

- ‌الصورة الثالثة: زيادة ذكر التحديث والسماع بدل العنعنة

- ‌رابعاً: الزيادة في متن الحديث

- ‌خامساً: الإدراج

- ‌الأصل الثاني: الحكم في زيادة الثقة

- ‌القسم الأول: زيادة الثقة في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: زِيادة الثقة في المتن

- ‌المبحث الثالث:التعليل بالمخالفة

- ‌النوع الأول: الشذوذ

- ‌النوع الثاني: مُخالفة القرآن

- ‌النوع الثالث: مخالفة المعروف من السنن النبوية

- ‌النوع الرابع: مخالفة المحسوس

- ‌النوع الخامس: مخالفة العقل

- ‌خلاصة هذا المبحث:

- ‌المبحث الرابع:التعليل بالاختلاف

- ‌معنى الاختلاف على الراوي:

- ‌القسم الأول: اختلاف غير قادح

- ‌القسم الثاني: اختلاف قادح

- ‌الصورة الثانية: الاضطراب

- ‌المبحث الخامس:التعليل بالغلط

- ‌الصورة الأولى: دخول حديث في حديث

- ‌الصورة الثانية: التصحيف في الأسانيد والمتون

- ‌الصورة الثالثة: القلب:

- ‌المبحث السادس:التعليل بالتدليس

- ‌الفصل الثالثقوانين ضبط عمليةتعليل الأحاديث

- ‌المبحث الأولعلم التخريج

- ‌تفسير علم التخريج:

- ‌التخريج بمعنى جمع الطرق والألفاظ:

- ‌من القواعد الواجب اعتبارها في علم التخريج

- ‌أولاً: ملاحظة ألفاظ الإحالة ودلالاتها

- ‌ثالثاً: الأخذ من نسخة مروية بإسناد واحد

- ‌المبحث الثاني:علامات لكشف العلة من منهج المتقدمين

- ‌أولاً: أن يأتي أحد وجهي الرواية على الجادة، والآخر خارجاً عنها

- ‌رابعاً: أن يأتي الحديث موافقاً للمنقول عن أهل الكتاب

- ‌خامساً: أن يكون الثقة يرجع إلى أصول، ولا يوجد ذلك الحديث في أصوله

- ‌سادساً: أن يثبت عن راوي الحديث ترك عمله به، أو ذهابه إلى خلافه

- ‌المبحث الثالث:مقدمات أساسية لكشف العلة الخفية

- ‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

- ‌المقدمة الثانية: حفظ الأسانيد المعروفة الصحة، والأسانيد المعللة

- ‌المقدمة الثالثة: تمييز المراسيل، ومن كان معروفاً بالإرسال

- ‌المقدمة الرابعة: تمييز ما يدخل على أحاديث بعض الثقات، وهماً أو تعمداً

- ‌المقدمة الخامسة: تمييز التدليس، ومعرفة ما يقع من بعض الثقات من تدليس الأسماء

- ‌المقدمة السادسة: تمييز بلدان الرواة، ومعرفة ما يتفردون به من السنن

- ‌المقدمة السابعة: تمييز المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المقدمة الثامنة: تمييز المقلين من الرواة والمكثرين

- ‌المقدمة التاسعة: تمييز أصح ما يروى في الباب

- ‌المقدمة العاشرة: تمييز الأبواب التي لا يثبت فيها حديث

- ‌المقدمة الحادية عشرة: تفقد صيغ التحمل والأداء

- ‌المقدمة الثانية عشرة: تمييز الإدراج للألفاظ في سياقات المتون

- ‌القسم الثانيأصناف الحديثمن جهة القبول والرد

- ‌الباب الأولالحديث المقبول

- ‌الفصل الأولالحديث الصحيح

- ‌المبحث الأولتعريف الحديث الصحيح

- ‌المراد بشروط صحة الحديث على سبيل الإجمال:

- ‌الشرط الأول: اتصال السند

- ‌الشرط الثاني: عدالة الرواة

- ‌الشرط الثالث: ضبط الرواة

- ‌الشرط الرابع: السلامة من العلل المؤثرة

- ‌المبحث الثاني:تطبيق لإظهار تحقق شروط الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث:نقد تعريفات الصحيح

- ‌المبحث الرابع:الحديث الصحيح في اصطلاح الترمذي

- ‌الفصل الثانيالحديث الحسن

- ‌المبحث الأول:تعريف الحديث الحسن

- ‌الترمذي و (الحديث الحسن):

- ‌المبحث الثاني:تاريخ هذا (المصطلح)

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:تطبيق لتحقيق شروط حسن الحديث

- ‌تطبيق للحديث الحسن لذاته:

- ‌تطبيق للحديث الحسن لغيره:

- ‌الفصل الثالثمباحث في الصحيح والحسن

- ‌المبحث الأول:الكتب في الحديث الصحيح

- ‌ طريقة الشيخين في تخريج حديث من تكلم فيه من الرواة

- ‌المبحث الثاني:ذكر المصنفات المسماة بـ (الصحاح)غير كتابي الشيخين

- ‌1 _ صحيح ابن خزيمة

- ‌2_ صحيح ابن حبان

- ‌3 _ المستدرك على الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:الأحاديث المعلقات في " صحيح البخاري

- ‌إطلاق مصطلح (المعلق):

- ‌سبب تعليق الحديث:

- ‌تنبيهان:

- ‌تتمة في مسائل تتصل بالمعلقات:

- ‌المبحث الرابع:السنن الأربعة والمسندأعظم دواوين السنة بعد الصحيحين

- ‌شرط أبي داود في (سننه):

- ‌شرط الترمذي في " سننه

- ‌شرط النسائي في " سننه

- ‌شرط ابن ماجة في " سننه

- ‌شرط أحمد في " المسند

- ‌المبحث الخامس:المستخرجات على " الصحيحين

- ‌فوائد المستخرجات:

- ‌من أمثلة المستخرجات على " الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث السادس:أين يوجد الحديث الصحيح في غيرالكتب الموسومة بالصحة

- ‌المبحث السابع:تصحيح الحديث على شرط الصحيح

- ‌ شرط البخاري

- ‌شرط مسلم

- ‌الواجب اعتباره لفهم شرط الشيخين فيما انتقياه

- ‌المبحث الثامن:مسائل في الحديث الصحيح والحسن

- ‌المسألة الأولى: الحديث الصحيح والحسن كلاهما حجة

- ‌المسألة الثانية: درجات الصحة تتفاوت في القوة بحسب القرائن

- ‌المسألة الثالثة: هل صحة الإسناد توجب صحة الحديث

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الحديث: (رجاله ثقات) هل يعني الصحة

- ‌المسألة الخامسة: عدد الحديث الصحيح

- ‌المسألة السادسة: قولهم: (أصح شيء في الباب)

- ‌المسألة السابعة: أصح الأسانيد

- ‌المسألة الثامنة: قولهم: (حديث جيد)

- ‌المسألة التاسعة: أين يوجد الحديث الحسن

- ‌المسألة العاشرة: أوصاف للحديث تفيد القبول

- ‌المسألة الحادية عشرة: استدلال العالم بحديث، هل يعني تصحيحه له

- ‌الباب الثانيالحديث المردود

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولألقاب الحديث الضعيفبسبب عدم الاتصال

- ‌المبحث الأولالحديث المنقطع

- ‌الصورة الثانية: أن يكون بدل السقط إبهام لراو

- ‌سبب إبهام الراوي:

- ‌كيف يثبت الانقطاع

- ‌المبحث الثاني:الحديث المعضل

- ‌طريق معرفة المعضل:

- ‌المبحث الثالث:الحديث المرسل

- ‌نقد تعريفات المرسل:

- ‌مثال المرسل:

- ‌طريق تمييز المرسل:

- ‌المبحث الرابع:مسائل في الانقطاع والإرسال

- ‌المسألة الأولى: تداخلُ استعمال مصطلح (المنقطع) في (المرسل) عند السلف:

- ‌المسألة الثانية: المفاضلة بين المراسيل

- ‌القول في مراسيل سعيد بن المسيب:

- ‌قولهم في مراسيل عروة بن الزبير:

- ‌قولهم في مراسيل الحسن البصري:

- ‌قولهم في مراسيل جماعة آخرين:

- ‌المسألة الثالثة: حكم الحديث المرسل:

- ‌المسألة الرابعة: رواية الصحابي ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدلس

- ‌النوع الأول: تدليس الوصل

- ‌القسم الأول: تدليس الإسناد

- ‌القسم الثاني: تدليس التسوية

- ‌سبب وقوع التدليس في الإسناد:

- ‌النوع الثاني: تدليس الأسماء

- ‌تحرير الفرق بين (التدليس) و (الإرسال الخفي):

- ‌تاريخ التدليس:

- ‌مذاهب أهل العلم في خبر المدلس:

- ‌الترجيح:

- ‌تنبيه:التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم

- ‌كيف يعرف التدليس

- ‌طبقات المدلسين:

- ‌فائدة في الرواة الوارد عليهم مظنة التدليس:

- ‌الصيغة التي يندفع بها التدليس عن الموصوف به:

- ‌تتمة في مسائل في التدليس:

- ‌الفصل الثانيألقاب الحديث الضعيفبسبب جرح الراوي

- ‌المبحث الأول:حديث المجهول

- ‌المبحث الثاني:الحديث اللين

- ‌المبحث الثالث:الحديث المقلوب

- ‌الصورة الأولى: قلب في الإسناد

- ‌الصورة الثانية: قلب في المتن

- ‌الصورة الثالثة: التحول من حديث إلى حديث

- ‌المبحث الرابع:الحديث المصحف

- ‌طريق معرفة التصحيف أو التحريف في الرواية:

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدرج

- ‌القسم الأول: مدرج الإسناد

- ‌القسم الثاني: مدرج المتن

- ‌طريق معرفة الإدراج:

- ‌المبحث السادس:الحديث الشاذ

- ‌ زيادات الثقات

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد

- ‌المبحث السابع:الحديث المعلل

- ‌المبحث الثامن:الحديث المضطرب

- ‌المبحث التاسع:الحديث المنكر

- ‌تفسير مصطلح (المنكر) في كلام المتقدمين:

- ‌المبحث العاشر:الحديث الموضوع

- ‌بداية ظهور الكذب في الحديث:

- ‌أسباب تعمد وضع الحديث:

- ‌السبب الأول: الطعن على الإسلام، والتشكيك فيه

- ‌السبب الثاني: نصرة الأهواء:

- ‌السبب الثالث: الترغيب في الأعمال الصالحة

- ‌السبب الرابع: الرغبة في استمالة السامعين

- ‌مصادر المتون الموضوعة:

- ‌مسائل في الموضوع:

- ‌المسألة الأولى: مصطلح (حديث لا أصل له)

- ‌المسألة الثالثة: الكتب المؤلفة في تمييز الأحاديث الموضوعة

- ‌المسألة الرابعة: مما يساعد على تمييز الموضوع في الحديث: معرفة أبواب مخصوصة

- ‌الفصل الثالثحكم الاعتباربالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:تفسير الاعتبار

- ‌المبحث الثاني:تمييز ما يصلح للاعتبار

- ‌ صلاحية الراوي

- ‌ صلاحية نفس الحديث

- ‌تنبيه:الاعتبار بالطرق المرجوحة التي دل النظر على أنها خطأ، لا يصح

- ‌المبحث الثالث:تقوية الحديث بتعدد الطرق

- ‌الشرط الأول: أن يكون حديثاً له نفس درجة المجبور به من جهة من يضاف إليه

- ‌الشرط الثاني: أن يكون في أدنى درجاته مما يصلح الاعتبار به

- ‌مناقشة قول الشافعي فيما يتقوى به المرسل:

- ‌الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه

- ‌الفصل الرابعاستعمالالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف

- ‌المبحث الثاني:الحديث الضعيف في فضائل الأعمال

الفصل: ‌ صلاحية الراوي

‌المبحث الثاني:

تمييز ما يصلح للاعتبار

عماد مسألة ما يصلح للاعتبار وما لا يصلح يقوم على أساسين:

الأول:‌

‌ صلاحية الراوي

.

وذلك أن يكون الراوي محل الاعتبار لم يبلغ حديثه في الضعف درجة السقوط.

وللناقد الخبير أبي عبد الله الذهبي تصوير دقيق لمنازل الرواة يقرب فهم هذه المسألة، قال: " منهم هو العدل الحجة، كالشاب القوي المعافى.

ومنهم من هو ثقة صدوق، كالشاب الصحيح المتوسط في القوة.

ومنهم من هو صدوق، أو لا بأس به، كالكهل المعافى.

ومنهم الصدوق الذي فيه لين، كمن هو في عافية، لكن يوجعه رأسه أو به دمل.

ومنهم الضعيف الذي تحامل، ويشهد الجماعة محموماً، ولا يرمي جنبه.

ومنهم الضعيف الواهي، كالرجل المريض في الفراش، وبالتطبيب ترجى عافيته.

ص: 1075

ومنهم الساقط المتروك، كصاحب المرض الحاد الخطر.

وآخر، حاله كحال من سقطت قوته، وأشرف على التلف.

وآخر، من الهالكين، كالممحتضر الذي ينازع.

وآخر، من الكذابين الدجالين " (1).

قلت: فهذا توضيح لصفة أحوال الرواة، فإذا استثنيت الصدوق ومن فوقه، وجدت سائر الأوصاف تعود في جملتها إلى قسمين:

الأول: من يمكن أن يعالج حديثه من الرواة تبعاً لحاله في المرض.

والثاني: ما لا سبيل إلى علاجه؛ لتمكن المرض، أو لبلوغه مبلغ الهلاك.

والصالح للاعتبار من هؤلاء: من أمكن علاج علته، وهذا ما كان ضعفه ناتجاً عن سوء حفظه، وكثرة خطئه، أو ورود مظنة ذلك عليه كالمجهول.

فبالنظر للأنواع المتقدمة للحديث الضعيف، نجد ما يمكن علاجه مما يعود ضعفه إلى ضعف راويه، ما يلي:

أولاً: حديث المجهول والمستور.

وينبغي أن يلاحظ فيه التسهيل في الاعتبار بمجاهيل التابعين، ومزيد الاحتياط فيمن بعدهم.

وذلك أن الكذب في التابعين كان قليلاً نادراً؛ لقرب العهد من نور النبوة، ولعدم ظهور الشره في الحديث الذي أصاب من بعدهم مما حمل كثيرين على الكذب ووضع الحديث.

(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (ص: 171).

ص: 1076

قيل لزيد بن أسلم (وهو من صغار التابعين): عمن يا أبا أسامة؟ قال: " ما كنا نجالس السفهاء، ولا نحمل عنهم "(1).

كذلك مما يوجب التشديد في الاعتبار بحديث المجهول في الطبقات المتأخرة، خصوصاً مجهول العين: ما عرف من طائفة من الرواة من تدليس الأسماء، فربما كان ذلك المجهول شيخاً واهياً لم يتعين أمره للتدليس.

ولا شك أن تمييز من يفعل ذلك من المدلسين طريق لتوقي حديث مثل هؤلاء المجهولين.

غير أن الشأن في الجملة: صحة الاعتبار برواية المجهول، وإن كان مجهول العين، كشأن الاعتبار بالحديث المنقطع، من جهة الجهالة بعين الساقط.

قال الدارقطني: " من لم يرو عنه إلا رجل واحد، انفرد بخبر، وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره "(2).

وإذا صح الاعتبار برواية مجهول العين، صح بالأولى الاعتبار برواية مجهول الحال والمستور، خصوصاً أن الأخيرين ربما صرنا إلى الحكم بقبول حديثهما لذاته، وذلك عند استيفاء شروط الحسن.

ثانياً: حديث سيء الحفظ، وهو راوي الحديث الذي يضعف بسبب لينه، لا من يبلغ الترك لغلبة خطئه.

وهذا من أكثر ما اعتنى أئمة الحديث بالاعتبار به، وأكثر ما جرى عليه الترمذي فيما حسنه من الحديث لغيره إنما كان من روايات هذا الصنف، والمعنى فيه ظاهر فإن الصدق في الجملة ثابت للراوي، وسوء حفظه لم يغلب الخطأ على حديثه، فحيث نجد ما يشده فإن قبول حديثه متعين؛ لزوال الشبهة.

(1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه "(1/ 441) وإسناده حسن .......

(2)

سنن الدارقطني (3/ 174) .......

ص: 1077

ويندرج في جملته: حديث الثقة المختلط الذي عرف أنه حدث به بعد اختلاطه، وحديث من عرف بقبول التلقين.

ثالثاً: من وقع الاضطراب في حديثه؛ لكون ذلك واقعاً بسبب سوء الحفظ، والاضطراب تكافؤ في الوجوه، فإذا وجد المرجح تعين المصير إليه، والمرجح قد يكون إلى جانب القبول.

رابعاً: من وقع في حديثه الاختلاف، فرد لأجله، فإن لم يتعين في ذلك الاختلاف الخطأ، ووجد المرجح إلى جهة القبول وجب المصير إليه والاعتداد بذلك الراوي، إذ ما خشيناه من مظنة خطئه قد زال.

وما لا يمكن علاجه منها، ما يلي:

أولاً: الراوي الموصوف بكونه (منكر الحديث)، أو (متروك الحديث)، أو (شديد الضعف)، أو بأي عبارة تقتضي الوهاء.

ثانياً: الراوي المتهم بالكذب، أو سرقة الحديث، وأولى منه من يثبت ذلك عليه.

فإن قلت: ربما روى الواحد من هذا الصنف أو الذي قبله ما يرويه الثقات، فهل يعتبر بما يوافق فيه الثقات أم لا؟

قلت: وجدنا من الناس من المتأخرين من يغتر بتلك الموافقات، والتحقيق: منع الاعتبار بروايات هذين الصنفين، وإن وقعت موافقة لروايات الثقات، والعلة في ذلك: ما يقع في رواياتهم من التحديث بما ليس من حديثهم المسموع لهم، سرقة، أو تشبيهاً عليهم، أو تلقيناً لهم، أو دسا في كتبهم.

فالواجب النظر إلى روايات هؤلاء بمنزلة المعدوم في هذا الباب.

ومن كلام الأئمة في توكيد هذا الأصل في التمييز بين من يعتبر به ومن لا يعتبر به، ما يلي:

قال الترمذي بعد ذكر (محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى)

ص: 1078

و (مجالد بن سعيد): " إذا تفرد أحد من هؤلاء بحديث ولم يتابع عليه، لم يحتج به، كما قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى لا يحتج به، إنما عنى إذا تفرد بالشيء "(1).

قلت: فهذا دال على أن حديث هذا الصنف صالح عند عدم التفرد.

وقال أحمد بن حنبل: " ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به، ويقوي بعضه بعضاً "(2).

فإن كان من أحاديث متهم أو متروك أو منكر الحديث، ممن هو شديد الضعف، فهذا لا يعتبر بحديثه عندهم.

قال أحمد بن حنبل في الفرق بين النوعين: " الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر "(3).

وبين ذلك بأكثر من هذا في روية أخرى، قيل له: فهذه الفوائد التي فيها المناكير، ترى أن يكتب الحديث المنكر؟ قال:" المنكر أبداً منكر "، قيل له: فالضعفاء؟ قال: " قد يحتاج إليهم في وقت " كأنه لم ير بالكتاب عنهم بأساً (4).

قلت: وجه ترك كتبة المنكرات، عدم صحة الاعتبار بها؛ لأن الاعتبار لا يكون بما ليس له أصل، والمنكرات لا أصول لها.

أما أحاديث الضعفاء التي يوجد ما يشدها فهذه تكتب؛ لأن لها أصلاً.

وكذلك صنع أحمد في " مسنده " فإن أكثره من رواية الثقات المتقنين، وفيه روايات الضعفاء الذين تعرف أحاديثهم أو معانيها من وجوه أخرى، إلا

(1) كتاب (العلل) في آخر " الجامع "(6/ 239).

(2)

أخرجه الخطيب في " الجامع "(رقم: 1583) وإسناده صحيح.

(3)

العلل، رواية أبي بكر المروذي (النص: 287).

(4)

مسائل الإمام أحمد، رواية ابن هانئ (2/ 167) .......

ص: 1079

قليلاً جداً مما يمكن وصفه بالنكارة، ولم يجر من أحمد على سبيل القصد مع تبينه لنكارته.

قال الجوزجاني في (سعيد بن سنان أبي مهدي الحمصي): " كان أبو اليمان يثني عليه في فضله وعبادته، قال: كنا نستمطر به. فنظرت في حديثه فإذا أحاديثه معضلة، فأخبرت أبا اليمان بذلك، فقال: أما إن يحيى بن معين لم يكتب منها شيئاً، فلما رجعت إلى العراق ذكرت أبا المهدي ليحيى بن معين، وقلت: ما منعك يا أبا زكريا أن تكتبها؟ قال: من يكتب تلك الأحاديث؟ من أين وقع عليها؟ لعلك كتبت منها يا أبا إسحاق؟ قلت: كتبت منها شيئاً يسيراً لأعتبر به، قال: تلك لا يعتبر بها، هي بواطيل "(1).

قلت: وعند بعض النقاد لا يترك حديث الراوي حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، وعلى هذا فمن لم يتفق على ترك حديثه فهو عند هذه الطائفة صالح للاعتبار.

وهذه طريقة أحمد بن صالح المصري.

قال يعقوب بن سفيان: سمعت أحمد بن صالح، وذكر مسلمة بن علي، قال:" لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، قد يقال: (فلان ضعيف)، فأما أن يقال: (فلان متروك) فلا، إلا أن يجتمع الجميع على ترك حديثه "(2).

وكذلك جاء عن أحمد بن شعيب النسائي، أنه لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه (3).

لكن هذا يجب أن يكون مشروطاً بعدم ظهور وجه الجرح الذي يسقط

(1) أحوال الرجال، للجوزجاني (النص: 301) والكامل، لابن عدي (4/ 399). واسم أبي اليمان: الحكم بن نافع.

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 191) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 181).

(3)

النكت على ابن الصلاح، لابن حجر (1/ 482) .......

ص: 1080