الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأطلق بعض العلماء على كتاب أبي داود اسم (الصحيح)، كالحاكم النيسابوري (1)، وما تقدم بيانه يرد هذا الإطلاق.
شرط الترمذي في " سننه
":
خرج الترمذي في " سننه " التي سماها " الجامع " الحديث بمختلف درجاته، لكنه كان في غاية الاعتناء بتميز درجات الحديث، ونقده.
وفي كتابه: الصحيح، والحسن، والضعيف بأنواع الضعف المختلفة، والمنكر والواهي والموضوع، وإن كان هذا النوع الأخير قليلاً، ويبينه.
قال ابن رجب: " الغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه، ولا أعلمه خرج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه حديثاً بإسنادٍ منفرد، إلا أنه قد يخرج حديثاً مروياً من طرق، أو مختلفاً في إسناده وفي بعض طرقه متهم، وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي، نعم قد يخرج عن سيء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه "(2).
أي: أنه لم يخرج حديث من هو كهذين المتروكين الهالكين يريد اعتماده، وإنما يخرجه فيبينه، ويبين ما الأصح أو المحفوظ من طريق سواهم (3).
وأكثر ما في (جامع) الترمذي فهو من الصحيح والحسن، وأكثر رواته
(1) النُّكت على ابن الصلاح، لابن حجر (1/ 481).
(2)
شرح علل الترمذي (1/ 395 _ 397) .......
(3)
لم يُخرج للمصلوب إلا حديثاً واحداً في كتاب (الدعوات)(رقم: 3549) وبين وهاءَه، كما خرَّج بعده ما هو أصح من حديثه. وكذلك الكلبي، إنما خرَّج له حديثاً واحداً في كتاب (التفسير) (رقم: 3059) وقال: " حديث غريب، وليس إسناده بصحيح "، وذكر وهاء الكلبي.
الثقات الضابطون، وفيهم من يهم قليلاً، ومن يهم كثيراً، ومن يغلب على حديثه الوهم، لكنه لا يكاد يخرج حديث هذا الصنف على قلته إلا ويبين ذلك.
والترمذي غير متساهل في التحقيق، خلافاً لما أطلقه بعض متأخري العلماء، وجرى عليه بعض المنتسبين إلى هذا العلم من أهل زماننا.
والعلة عند هؤلاء ما لخصه ابن القيم بقوله: " الترمذي يصحح أحاديث لم يتابعه غيره على تصحيحها، بل يصحح ما يضعفه غيره أو ينكره، فإنه صحح حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف " وبين كلام الأئمة في شدة ضعفه، وقال:" ويصحح أيضاً حديث محمد بن إسحاق، وهو أعذر من تصحيحه حديث كثير هذا، ويصحح أيضاً للحجاج بن أرطأة مع اشتهار ضعفه، ويصحح حديث عمرو بن شعيب، وأحسن كل الإحسان في ذلك، والمقصود أنه يصحح ما لا يصححه غيره وما يخالف في تصحيحه "(1).
قلت: وهذا يقابله أنه يعلل أحاديث يصححها غيره.
والوجه في ذلك كله أنه إمام مجتهد في هذه الصنعة كغيره من أئمة هذا الشأن، واختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف لحديث هو من نفس باب اختلافهم في التعديل والتخريج لراو، فاحتمال هذا احتمال لذاك.
والترمذي جرى في هذا العلم على خطى شيخه البخاري في منهاجه، كما أظهر ذلك جلياً في كتابه، نعم، كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
والأئمة بعد الترمذي لم يزالوا يعتمدون تصحيحه للحديث أو تحسينه له، حتى يتبين خطأ قوله فيه، وهذا هو الأليق بخريج مدرسة البخاري والدارمي وأبي زرعة الرازي.
(1) الفروسية (ص: 63) .......