الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمحجوم، وحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه "، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفاً (1).
تنبيه:
الاعتبار بالطرق المرجوحة التي دل النظر على أنها خطأ، لا يصح
كما تقدم، وهو مما يغفل عنه كثير من المشتغلين بهذا العلم، يغر أحدهم ظاهر ورود طريق أخرى للحديث، فيقوي بها، دون ملاحظة شذوذها في الإسناد مثلاً، أو رجوعها إلى نفس طريق الحديث الأولى التي أراد تقويتها.
وإليك مثالين توضيحاً لذلك:
المثال الأول: روى منصور بن المعتمر، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا سمر إلا لأحد رجلين: لمصل أو مسافر ".
هذا الحديث رواه عن منصور الثقات من أصحابه: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وجرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة الوضاح اليشكري، وعمرو بن أبي قيس، جميعاً هكذا، لكن منهم من يذكر واسطة مبهمة بين خيثمة وابن مسعود، ومنهم من لا يذكر وعلى كلا الحالين فإنه منقطع، خيثمة لم يدرك ابن مسعود، والواسطة مبهمة.
خالف الجماعة عن منصور: إبراهيم بن يوسف الصيرفي، فرواه عن سفيان بن عيينة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زياد بن حدير، عن ابن مسعود.
فحسب بعض الناس هذه طريقاً أخرى للحديث، وما فطنوا إلى أن
(1) نصب الراية (1/ 359 _ 360) .......
الصيرفي هذا وهم في إسناده على ابن عيينة، من أجل المحفوظ عن منصور، فمن يعتمد قوله في النقلة كالنسائي قال في (الصيرفي):" ليس بالقوي " وهو من شيوخه، والرجل حسن الحديث ما أتى بما هو موافق لرواية الثقات، أما أن يأتي بمثل هذا الإسناد فهذا مقام إعمال قول الناقد (ليس بالقوي).
فإذا تبين أن رواية الصيرفي وهم، والحديث كما رواه جماعة الثقات عن منصور، فيسقط الاعتداد بطريق الصيرفي لتقويته؛ لأنه رواية خطأ (1).
والمثال الثاني: ما رواه الضحاك بن نبراس، عن ثابت البناني، عن أنس من مالك، عن زيد بن ثابت، قال:
أقيمت الصلاة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا معه، فقارب في الخطا، ثم قال لي:" أتدري لم فعلت هذا؟ لتكثر عدد خطانا في طلب الصلاة "(2).
(1) خرَّجت الحديث وبيَّنتُ علَّته في تعليقي على كتاب " تَسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نعيم الفضْل بن دُكين " لأبي نعيم الأصبهاني (رقم: 55).
كذلك انْظر ما بيَّنته لتطبيق ما يُشبه هذه الصورة في مثالٍ آخر، وهو بياني لعلَّة حديث " من حسْن إسلام المرءِ ترْكه ما لا يعنيه "، في تعليقي على كتاب " الرسالة المغنية في السكوت ولُزوم البيوت " لابن البنَّاء الحنبلي (رقم: 35).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في " مُسنده "(كما في " المطالب العالية " 2/ 390 رقم: 566، و " إتحاف الخيرة " رقم: 1419) وعبْد بن حميد (رقم: 256) وأبو يعلى (كما في " المطالب " رقم: 567) والطبراني في " الكبير "(5/ 126 رقم: 4798) وابنُ عدي في " الكامل "(5/ 153) من طريق عبيْد الله بنُ موسى. والبخاري في " الأدب المفرد "(رقم: 458) حدثنا موسى (وهوَ ابن إسماعيل). والطبراني أيضاً (رقم: 4799) من طريق حرَمي بن عمارة، والعُقيلي في " الضعفاء "(2/ 219) من طريق مُسلم بن إبراهيم، أربعتهم قالوا: حدثنا الضَّحَّاك، به، ولفظ حرمَي مَعناه.
وأخرجه الطبراني (رقم: 4797) من طريق مُسلمِ بن إبراهيم، أيضاً لكن من مُسند أنسٍ، لم يذْكر زيْداً.
فهذا تابع الضحاك عليه: محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، به مرفوعاً (1).
والضحاك لين الحديث، ومحمد بن ثابت ليس بالقوي، وكلاهما يعتبر به، ولو سلم حديثهما هذا من المخالفة لكان حديثاً حسناً، غير أن حماد بن سلمة والسري بن يحيى وجعفر بن سليمان الضبعي رووه عن ثابت البناني عن أنس عن زيد موقوفاً من فعل زيد وقوله (2).
وقال العقيلي: " حديث حماد أولى "
قلت: كيف لا، وأثبت الناس في ثابت حماد بن سلمة؟ ومتابعة السري ثقة، وجعفر صدوق، ولا يقاوم الضحاك ومحمد بن ثابت مجتمعين جعفراً وحده فكيف بمن فوقه، كحماد؟ بل كيف بهم مجتمعين؟
لذا قال أبو حاتم الرازي: " روى هذا الحديث جماعة عن ثابت البناني، فلم يوصله أحد إلا الضحاك بن نبراس، والضحاك لين الحديث، وهو ذا يتابعه محمد بن ثابت، ومحمد أيضاً ليس بقوي، والصحيح موقوف "(3).
فهذا مما يبين لك أن ما يعتبر به من طرق الحديث: ما سلم من المعارض الراجح، إذ قيام المعارض الراجح خطأ، فيتعذر حينئذ دفع الضر عنه.
(1) أخرجه أبو داود الطيالسي في " مُسنده "(كما في " إتحاف الخِيرة " رقم: 1418) ومن طريقه: الطبراني في " الكبير "(5/ 127 رقم: 4800) والبيهقي في " الشعب "(3/ 60 رقم: 2868) قال: حدثنا مُحمد بن ثابت، به.
ووقعَ في رواية البيهقي فيما يَبدوا اختِصارٌ أوْهم أنَّ الرواية من هذا الوَجهِ موقوفةٌ.
(2)
أخرجه العُقيلي (2/ 219) والبيهقي في " الشعب "(3/ 60 رقم: 2869) من طريق حماد، والطبراني في " الكبير " (5/ 126 رقم: 4796) من طريق السري. وعبد الرزاق في " المصنف "(1/ 517 رقم: 1983) ولم يذكر البيهقي في روايته زيْداً .......
(3)
علل الحديث (رقم: 548) .......