الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتبين ذلك بتميز شرط كل منها، وهذا بيانه:
شرط أبي داود في (سننه):
بين أبو داود في " رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه " منهجه وخطته، والذي يعنينا في هذا المبحث معرفة شرطه، وتوضيحه من عباراته كما يلي:
1 _
قال: " ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه "(1).
2 _
لم يتحاش تخريج المراسيل، لكن باحتراز، حيث قال:" إذا لم يكن مسند متصل ضد المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة "(2).
وقال: " وإن من الأحاديث في كتاب السنن ما ليس بمتصل، وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح "، قال:" ما في كتاب السنن من هذا النحو قليل ".
وقال: " وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من المراسيل، منها ما لا يصح، ومنها ما هو مسند عند غيري وهو متصل صحيح ".
3 _
وقال: " ليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء ".
4 _
وقال: " وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره ".
(1) نقل هذا النص الحازمي في " شروط الأئمة الخمسة "(ص: 169) من رواية ابن داسة عن أبي داود، وليس في جملة الرسالة المفردة المطبوعة في وَصف السنن .......
(2)
رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه (ص: 33)، وكذا سائر ما سيأتي ذكْره من النصوص عن أبي داود حتى الفقرة (8) فهو من هذه الرسالة، من (ص: 31) حتى (ص: 51) .......
5 _
وقال: " إذا ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته، فاعلم أنه حديث واه، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر، فإني لم أخرج الطرق؛ لأنه يكثر على المتعلم ".
قلت: يشير إلى أنه اجتهد في استقصاء أبواب السنن، وحكمه بالوهاء على ما لم يخرجه من الحديث مما يثبت سنة لم يذكرها، لا يسلم له بهذا الإطلاق، وإنما العبرة بثبوت الرواية بتلك السنة، وفوق كل ذي علم عليم، والسنن يومئذ لم ينته من استقصائها في كتاب.
وكان قال قبل ذلك: " لم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح؛ فإنه يكثر، وإنما أردت قرب منفعته ".
6 _
وقال: " وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده ".
7 _
وقال: " وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض ".
قول أبي داود في شأن ما سكت عنه فهو صالح، ما معناه؟
الحديث يكون صالحاً للاحتجاج، أو للاعتبار، وكلاهما مراد لأبي داود، فالأحاديث التي سكت عنها في كتابه، هي أكثر ما فيه، وهي منقسمة إلى أقسام:
أولها: الصحيح المحتج به، وهو الأكثر.
وثانيها: الحسن، وهو من مظانه.
وثالثها: ما يتقوى من الروايات اللينة.
ورابعها: ما هو رواية الضعفاء الذين لم يجتمع على ترك حديثهم.
8 _
وقال: " الأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير. . فإنه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم ".
قلت: هذا الوصف قوة لكتابه، ولكن الغريب الصحيح حجة، وعند أبي داود كثير من أفراد الثقات، بل فيه من أفراد الضعفاء كذلك.
وقارن ابن رجب بين أبي داود والترمذي في التخريج لبعض الرواة المتكلم فيهم، وقال في أبي داود:" هو أشد انتقاداً للرجال منه "(1) أي من الترمذي.
وقال الذهبي بعد ذكره لما بينه أبو داود من شرطه في " سننه ":
" قد وفى رحمه الله بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه شديد ووهنه غير محتمل، وكاسر عما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته والحالة هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذباً بين الضعف والحسن.
فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت: ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب.
ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخر.
ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيداً سالماً من علة وشذوذ.
(1) شرح علل الترمذي (1/ 398).
ثم يليه ما كان إسناده صالحاً، وقبله العلماء؛ لمجيئه من وجهين لينين فصاعداً، يعضد كل إسناد منهما الآخر.
ثم يليه ما ضعف إسناده؛ لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالباً.
ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالباً وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته " (1).
وقال الذهبي: " من أجمع على اطراحه وتركه لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهماً، فيندر أن يخرج لهم أحمد والنسائي، ويورد لهم أبو عيسى فيبينه بحسب اجتهاده، لكنه قليل ويورد لهم ابن ماجة أحاديث قليلة، ولا يبين، والله أعلم، وقل ما يورد منها أبو داود فإن أورد بينه في غالب الأوقات "(2).
قلت: وبهذا التفصيل الدقيق الحسن من الناقد الذهبي يتبين خطأ من رأى فيما يسكت عنه أبو داود أو يدخله في " سننه " مطلقاً الصحة.
كما قال الساجي في (الوضين بن عطاء): عنده حديث واحد منكر غير محفوظ، عن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ، عن علي، حديث: العينان وكاء السه (3). قال الساجي: " رأيت أبا داود أدخل هذا الحديث في كتاب السنن، ولا أراه ذكره فيه إلا وهو عنده صحيح "(4).
(1) سير أعلام النبلاء (13/ 214 _ 215) .......
(2)
سير أعلام النبلاء (12/ 576).
(3)
السه، قال ابن الأثير:" حلْقة الدبر .. ومعنى الحديث: أن الإنسان مَهْما كان مستيقظاً كان استه كالمشدودة المَوْكيِّ عليها، فإذا نام انْحلَّ وكاؤُها، كنى بهذا اللفظ عن الحديث وخروج الريح "(النهاية: 2/ 429 _ 430).
(4)
نقله ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(4/ 310).