المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترمذي و (الحديث الحسن): - تحرير علوم الحديث - جـ ٢

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثالنقد الخفي

- ‌الفصل الأولالمراد بالنقد الخفِيِّ وبيانمنزلته وتعيينُ محلَّه

- ‌المبحث الأول:معنى النقد الخفي

- ‌طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة):

- ‌المبحث الثاني:منزلة هذا العلم والطريق إليه

- ‌المبرّزون من أئمة الحديث في معرفة علله:

- ‌هل انتهى الزمن الذي يمكن فيه تمييز العلل الخفية للأحاديث

- ‌المبحث الثالث:تحديد إطار النقد الخفيِّ

- ‌الصورة الأولى: ما أطلق عليه مسمى (العلة) وليس من هذا الباب

- ‌الصورة الثانية: ما أطلق عليه مسمى (العلة) ولا أثر له على ثبوت الحديث

- ‌الصورة الثالثة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو من العلل الظاهرة

- ‌الصورة الرابعة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو صواب

- ‌الفصل الثانيأسباب التَّعليل من خلالمنهج النُّقَّاد

- ‌المبحث الأول:التعليل بالتَّفرُّد

- ‌مسألتان متممتان لمبحث التفرد:

- ‌المبحث الثاني:التعليل بالزيادة

- ‌الأصل الأول: محل وقوع زيادات الثقات

- ‌أولاً: وصل المرسل

- ‌ثانياً: رفع الموقوف

- ‌ثالثاً: الزيادة خلال الإسناد

- ‌الصورة الأولى: زيادة راوٍ خلال الإسناد في موضع عنعنة

- ‌الصورة الثانية: المزيد في متصل الأسانيد

- ‌الصورة الثالثة: زيادة ذكر التحديث والسماع بدل العنعنة

- ‌رابعاً: الزيادة في متن الحديث

- ‌خامساً: الإدراج

- ‌الأصل الثاني: الحكم في زيادة الثقة

- ‌القسم الأول: زيادة الثقة في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: زِيادة الثقة في المتن

- ‌المبحث الثالث:التعليل بالمخالفة

- ‌النوع الأول: الشذوذ

- ‌النوع الثاني: مُخالفة القرآن

- ‌النوع الثالث: مخالفة المعروف من السنن النبوية

- ‌النوع الرابع: مخالفة المحسوس

- ‌النوع الخامس: مخالفة العقل

- ‌خلاصة هذا المبحث:

- ‌المبحث الرابع:التعليل بالاختلاف

- ‌معنى الاختلاف على الراوي:

- ‌القسم الأول: اختلاف غير قادح

- ‌القسم الثاني: اختلاف قادح

- ‌الصورة الثانية: الاضطراب

- ‌المبحث الخامس:التعليل بالغلط

- ‌الصورة الأولى: دخول حديث في حديث

- ‌الصورة الثانية: التصحيف في الأسانيد والمتون

- ‌الصورة الثالثة: القلب:

- ‌المبحث السادس:التعليل بالتدليس

- ‌الفصل الثالثقوانين ضبط عمليةتعليل الأحاديث

- ‌المبحث الأولعلم التخريج

- ‌تفسير علم التخريج:

- ‌التخريج بمعنى جمع الطرق والألفاظ:

- ‌من القواعد الواجب اعتبارها في علم التخريج

- ‌أولاً: ملاحظة ألفاظ الإحالة ودلالاتها

- ‌ثالثاً: الأخذ من نسخة مروية بإسناد واحد

- ‌المبحث الثاني:علامات لكشف العلة من منهج المتقدمين

- ‌أولاً: أن يأتي أحد وجهي الرواية على الجادة، والآخر خارجاً عنها

- ‌رابعاً: أن يأتي الحديث موافقاً للمنقول عن أهل الكتاب

- ‌خامساً: أن يكون الثقة يرجع إلى أصول، ولا يوجد ذلك الحديث في أصوله

- ‌سادساً: أن يثبت عن راوي الحديث ترك عمله به، أو ذهابه إلى خلافه

- ‌المبحث الثالث:مقدمات أساسية لكشف العلة الخفية

- ‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

- ‌المقدمة الثانية: حفظ الأسانيد المعروفة الصحة، والأسانيد المعللة

- ‌المقدمة الثالثة: تمييز المراسيل، ومن كان معروفاً بالإرسال

- ‌المقدمة الرابعة: تمييز ما يدخل على أحاديث بعض الثقات، وهماً أو تعمداً

- ‌المقدمة الخامسة: تمييز التدليس، ومعرفة ما يقع من بعض الثقات من تدليس الأسماء

- ‌المقدمة السادسة: تمييز بلدان الرواة، ومعرفة ما يتفردون به من السنن

- ‌المقدمة السابعة: تمييز المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المقدمة الثامنة: تمييز المقلين من الرواة والمكثرين

- ‌المقدمة التاسعة: تمييز أصح ما يروى في الباب

- ‌المقدمة العاشرة: تمييز الأبواب التي لا يثبت فيها حديث

- ‌المقدمة الحادية عشرة: تفقد صيغ التحمل والأداء

- ‌المقدمة الثانية عشرة: تمييز الإدراج للألفاظ في سياقات المتون

- ‌القسم الثانيأصناف الحديثمن جهة القبول والرد

- ‌الباب الأولالحديث المقبول

- ‌الفصل الأولالحديث الصحيح

- ‌المبحث الأولتعريف الحديث الصحيح

- ‌المراد بشروط صحة الحديث على سبيل الإجمال:

- ‌الشرط الأول: اتصال السند

- ‌الشرط الثاني: عدالة الرواة

- ‌الشرط الثالث: ضبط الرواة

- ‌الشرط الرابع: السلامة من العلل المؤثرة

- ‌المبحث الثاني:تطبيق لإظهار تحقق شروط الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث:نقد تعريفات الصحيح

- ‌المبحث الرابع:الحديث الصحيح في اصطلاح الترمذي

- ‌الفصل الثانيالحديث الحسن

- ‌المبحث الأول:تعريف الحديث الحسن

- ‌الترمذي و (الحديث الحسن):

- ‌المبحث الثاني:تاريخ هذا (المصطلح)

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:تطبيق لتحقيق شروط حسن الحديث

- ‌تطبيق للحديث الحسن لذاته:

- ‌تطبيق للحديث الحسن لغيره:

- ‌الفصل الثالثمباحث في الصحيح والحسن

- ‌المبحث الأول:الكتب في الحديث الصحيح

- ‌ طريقة الشيخين في تخريج حديث من تكلم فيه من الرواة

- ‌المبحث الثاني:ذكر المصنفات المسماة بـ (الصحاح)غير كتابي الشيخين

- ‌1 _ صحيح ابن خزيمة

- ‌2_ صحيح ابن حبان

- ‌3 _ المستدرك على الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:الأحاديث المعلقات في " صحيح البخاري

- ‌إطلاق مصطلح (المعلق):

- ‌سبب تعليق الحديث:

- ‌تنبيهان:

- ‌تتمة في مسائل تتصل بالمعلقات:

- ‌المبحث الرابع:السنن الأربعة والمسندأعظم دواوين السنة بعد الصحيحين

- ‌شرط أبي داود في (سننه):

- ‌شرط الترمذي في " سننه

- ‌شرط النسائي في " سننه

- ‌شرط ابن ماجة في " سننه

- ‌شرط أحمد في " المسند

- ‌المبحث الخامس:المستخرجات على " الصحيحين

- ‌فوائد المستخرجات:

- ‌من أمثلة المستخرجات على " الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث السادس:أين يوجد الحديث الصحيح في غيرالكتب الموسومة بالصحة

- ‌المبحث السابع:تصحيح الحديث على شرط الصحيح

- ‌ شرط البخاري

- ‌شرط مسلم

- ‌الواجب اعتباره لفهم شرط الشيخين فيما انتقياه

- ‌المبحث الثامن:مسائل في الحديث الصحيح والحسن

- ‌المسألة الأولى: الحديث الصحيح والحسن كلاهما حجة

- ‌المسألة الثانية: درجات الصحة تتفاوت في القوة بحسب القرائن

- ‌المسألة الثالثة: هل صحة الإسناد توجب صحة الحديث

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الحديث: (رجاله ثقات) هل يعني الصحة

- ‌المسألة الخامسة: عدد الحديث الصحيح

- ‌المسألة السادسة: قولهم: (أصح شيء في الباب)

- ‌المسألة السابعة: أصح الأسانيد

- ‌المسألة الثامنة: قولهم: (حديث جيد)

- ‌المسألة التاسعة: أين يوجد الحديث الحسن

- ‌المسألة العاشرة: أوصاف للحديث تفيد القبول

- ‌المسألة الحادية عشرة: استدلال العالم بحديث، هل يعني تصحيحه له

- ‌الباب الثانيالحديث المردود

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولألقاب الحديث الضعيفبسبب عدم الاتصال

- ‌المبحث الأولالحديث المنقطع

- ‌الصورة الثانية: أن يكون بدل السقط إبهام لراو

- ‌سبب إبهام الراوي:

- ‌كيف يثبت الانقطاع

- ‌المبحث الثاني:الحديث المعضل

- ‌طريق معرفة المعضل:

- ‌المبحث الثالث:الحديث المرسل

- ‌نقد تعريفات المرسل:

- ‌مثال المرسل:

- ‌طريق تمييز المرسل:

- ‌المبحث الرابع:مسائل في الانقطاع والإرسال

- ‌المسألة الأولى: تداخلُ استعمال مصطلح (المنقطع) في (المرسل) عند السلف:

- ‌المسألة الثانية: المفاضلة بين المراسيل

- ‌القول في مراسيل سعيد بن المسيب:

- ‌قولهم في مراسيل عروة بن الزبير:

- ‌قولهم في مراسيل الحسن البصري:

- ‌قولهم في مراسيل جماعة آخرين:

- ‌المسألة الثالثة: حكم الحديث المرسل:

- ‌المسألة الرابعة: رواية الصحابي ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدلس

- ‌النوع الأول: تدليس الوصل

- ‌القسم الأول: تدليس الإسناد

- ‌القسم الثاني: تدليس التسوية

- ‌سبب وقوع التدليس في الإسناد:

- ‌النوع الثاني: تدليس الأسماء

- ‌تحرير الفرق بين (التدليس) و (الإرسال الخفي):

- ‌تاريخ التدليس:

- ‌مذاهب أهل العلم في خبر المدلس:

- ‌الترجيح:

- ‌تنبيه:التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم

- ‌كيف يعرف التدليس

- ‌طبقات المدلسين:

- ‌فائدة في الرواة الوارد عليهم مظنة التدليس:

- ‌الصيغة التي يندفع بها التدليس عن الموصوف به:

- ‌تتمة في مسائل في التدليس:

- ‌الفصل الثانيألقاب الحديث الضعيفبسبب جرح الراوي

- ‌المبحث الأول:حديث المجهول

- ‌المبحث الثاني:الحديث اللين

- ‌المبحث الثالث:الحديث المقلوب

- ‌الصورة الأولى: قلب في الإسناد

- ‌الصورة الثانية: قلب في المتن

- ‌الصورة الثالثة: التحول من حديث إلى حديث

- ‌المبحث الرابع:الحديث المصحف

- ‌طريق معرفة التصحيف أو التحريف في الرواية:

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدرج

- ‌القسم الأول: مدرج الإسناد

- ‌القسم الثاني: مدرج المتن

- ‌طريق معرفة الإدراج:

- ‌المبحث السادس:الحديث الشاذ

- ‌ زيادات الثقات

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد

- ‌المبحث السابع:الحديث المعلل

- ‌المبحث الثامن:الحديث المضطرب

- ‌المبحث التاسع:الحديث المنكر

- ‌تفسير مصطلح (المنكر) في كلام المتقدمين:

- ‌المبحث العاشر:الحديث الموضوع

- ‌بداية ظهور الكذب في الحديث:

- ‌أسباب تعمد وضع الحديث:

- ‌السبب الأول: الطعن على الإسلام، والتشكيك فيه

- ‌السبب الثاني: نصرة الأهواء:

- ‌السبب الثالث: الترغيب في الأعمال الصالحة

- ‌السبب الرابع: الرغبة في استمالة السامعين

- ‌مصادر المتون الموضوعة:

- ‌مسائل في الموضوع:

- ‌المسألة الأولى: مصطلح (حديث لا أصل له)

- ‌المسألة الثالثة: الكتب المؤلفة في تمييز الأحاديث الموضوعة

- ‌المسألة الرابعة: مما يساعد على تمييز الموضوع في الحديث: معرفة أبواب مخصوصة

- ‌الفصل الثالثحكم الاعتباربالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:تفسير الاعتبار

- ‌المبحث الثاني:تمييز ما يصلح للاعتبار

- ‌ صلاحية الراوي

- ‌ صلاحية نفس الحديث

- ‌تنبيه:الاعتبار بالطرق المرجوحة التي دل النظر على أنها خطأ، لا يصح

- ‌المبحث الثالث:تقوية الحديث بتعدد الطرق

- ‌الشرط الأول: أن يكون حديثاً له نفس درجة المجبور به من جهة من يضاف إليه

- ‌الشرط الثاني: أن يكون في أدنى درجاته مما يصلح الاعتبار به

- ‌مناقشة قول الشافعي فيما يتقوى به المرسل:

- ‌الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه

- ‌الفصل الرابعاستعمالالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف

- ‌المبحث الثاني:الحديث الضعيف في فضائل الأعمال

الفصل: ‌الترمذي و (الحديث الحسن):

الأول: زيادة التحري لتحقيق شرط السلامة من العلل المؤثرة.

والثاني: البحث عن وجود ما يوافق روايته، فلو تفرد بمضمونها؛ كأن يأتي بحكم لم يأتي به غيره، ولا يعرف في قرآن أو سنة صحيحة كان الحديث بذلك من (قسم المردود).

ولهذا يعبر بعض أهل الحديث عن الراوي الذي خف ضبطه أو لم يتبين إتقانه بعبارة: (يكتب حديثه وينظر فيه)، وهذا الشرط ليس مطلوباً في حديث الثقة تام الضبط راوي الحديث الصحيح.

والصورة الثانية: الحديث يكون ناقصاً في شرط الاتصال، أو نازلاً في شرط الضبط عن حد من يقبل منفرداً، فيأتي معناه من وجه آخر صالح للاعتبار به، في نفس منزلته أو يقرب منها، بحيث إذا نظرت إلى كل من الوجهين منفرداً رددته، لكنك إذا جمعتهما قوى أحدهما الآخر، حيث سد كل منهما نقص الآخر.

وهذا هو الحديث (الحسن لغيره).

وهو في التحقيق: الضعيف المنجبر.

‌الترمذي و (الحديث الحسن):

أول من جاء عنه تعريف (الحديث الحسن) هو الإمام الترمذي، ومعلوم أن له في كتابه " الجامع " مصطلحات مبتكرة، اضطرب العلماء بعده في تفسيرها، وهذا محل بيان (الحديث الحسن) عنده (1).

قال الترمذي: " ما ذكرنا في هذا الكتاب (حديث حسن)، فإنما أردنا به حُسن إسناده عندنا. كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم

(1) وسائر استعمالاته في محالِّها من هذا الكتاب، كقوله:(حديث حسنٌ صحيحٌ) و (حديثٌ غريب)، وقد ذكر ابنُ رجب ما تأوَّله المتأولون لتفسير المراد بتلك الاصْطلاحات، انظر: شرح العلل (388 _ 394).

ص: 814

بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك. فهو عندنا حديث حسن " (1).

وهذا يبينه ابن رجب بقوله: " الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم، إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن، بشرط أن لا يكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة "(2).

وكونه جعل الشرط فيه: رواية معناه من غير وجه، فإذا قال:(حديث حسن غريب) فيعني غرابة لفظه من ذلك الوجه، وحسنه لمجيء معناه من وجه آخر (3).

قلت: وهذا التعريف من الترمذي يمكن إجراء هـ على صورة (الحسن لغيره)، إذ مجيء معنى الحديث من وجه آخر لا يطلب في رواية من ثبت حفظه بثبوت السلامة من الوهم، وإن كان في حفظه لين إنما تُطلب فيه السلامة من التفرد بما لا أصل له، وفرق بين الصورتين لا يخفى.

ولذا كان (الحسن لذاته) مندرجاً عند أكثر الأئمة تحت (الصحيح)؛ لاعتبار النظر عندهم إلى ذات الإسناد وذات المتن، وأنه نفس ما اعتبروه للحديث الصحيح لذاته.

والحديث الحسن بتعريف الترمذي هو الضعيف الصالح عند من تقدمه من أهل العلم.

قال ابن رجب: " كان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن "(4).

(1) كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 251).

(2)

شرح العلل (1/ 384 _ 385).

(3)

بيَّنه ابنُ رجب كذلك (1/ 386) .......

(4)

شرح علل الترمذي (1/ 344).

ص: 815

قلت: وهذا نسبه كذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى طريقة أحمد وغيره من الأئمة المتقدمين:

فقال ابن تيمية: " والترمذي أول من قسم الأحاديث إلى صحيح وحسن وغريب وضعيف، ولم يعرف قبله هذا التقسيم عن أحد، لكن كانوا يقسمون الأحاديث إلى صحيح وضعيف، كما يقسمون الرجال إلى ضعيف وغير ضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف لا يحتج به، وهو الضعيف في اصطلاح الترمذي، والثاني: ضعيف يحتج به، وهو الحسن في اصطلاح الترمذي،. . ولهذا يوجد في كلام أحمد وغيره من الفقهاء أنهم يحتجون بالحديث الضعيف، كحديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهجري وغيرهما، فإن ذلك الذي سماه أولئك ضعيفاً هو أرفع من كثير من الحسن، بل هو مما يجعله كثير من الناس صحيحاً "(1).

وقال ابن القيم وهو يبين أصول مذهب أحمد: " الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس.

وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس " (2).

(1) مجموع الفتاوى (18/ 140 _ 141 _ وفاء)، ونحوه في: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 163) .......

(2)

إعلام الموقعين (1/ 31 _ 32)، معنى هذا أيضاً في كتاب " الفروسية " (ص: 67).

ص: 816

قلت: ومن هذا القبيل ما حكاه ابن أبي حاتم الرازي في ترجمة (مخلد بن خفاف الغفاري)، قال: سئل أبي عنه؟ فقال: " لم يرو عنه غير ابن أبي ذئب، وليس هذا إسناد تقوم به الحجة " يعني الحديث الذي يروي مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الخراج بالضمان، " غير أني أقول به؛ لأنه أصلح من آراء الرجال "(1).

وهذا الحديث يتقوى بالطرق عند جماعة من العلماء، والعلة في هذا الإسناد من جهة عدم شهرة مخلد، فمثله يحسن حديثه في غير الأحكام، أما في الأحكام كهذا الحديث فيحتاج إلى عاضد، وقد جاء ما يشده ويدفع عن مخلد فيه التفرد (2).

وهذا النوع من الحديث كان الأئمة من السلف يصيرون إليه عند فقدهم ما هو أولى منه، وبينت في (المرسل) أن احتجاج من احتج به من أكثرهم كان من هذه الجهة، لا من جهة اعتقاد ثبوته في لفظه وروايته.

وحاصل ما تقدم أن (الحسن) يندرج تحته نوعان:

الأول: الحسن بتعريفه الذي صدرت به، وهو ما عاد الفارق بينه وبين (الصحيح) إلى قدر الإتقان فيمن ترجح حفظه ولم يتفرد بأصل.

وهذا هو (الحسن لذاته).

والثاني: المروي من وجه لين أو ضعيف لم يبلغ السقوط، جاء معناه من وجه آخر صالح للاعتبار به، فتقوى به.

وهذا هو (الحسن لغيره)، وهو رواية الضعيف المنجبرة.

وكيف يتقوى الحديث الضعيف بتعدد الطرق حتى يلحق بالمقبول من الحديث؟ بيانه في (الفصل الثالث) من (الباب الثاني).

(1) الجرح والتعديل (4/ 1 / 347).

(2)

بما تحريره في كتابي (نُصوص المعاملات الماليَّة) يسَّر الله إتمامه .......

ص: 817

وقد قال السخاوي: " قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة، فمجموعها يقوي بعضها بعضاً، ويصير الحديث حسناً، ويحتج به، وسبقه البيهقي في تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة، وظاهر كلام أبي الحسن ابن القطان يرشد إليه، فإنه قال: هذا القسم لا يحتج به كله، بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه، أو عضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن، واستحسنه شيخنا " يعني ابن حجر، وأشار إلى أنَّ مذهب ابن دقيق العيد التوقف (1).

قلت: واعلم أنه لم يذهب أحد من متقدمي أئمة الحديث، ولا متأخري المحققين منهم إلى أن قبول مثل هذا الحديث هو من جهة اشتمال الإسناد على شروط القبول، وإنما بإقرار جميع من تعرض إلى هذا النوع: هو حديث ضعيف لذاته، لكنهم وجدوا الضعف مما أشار إليه تعريف الترمذي للحديث الحسن بقوله:" لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك "، فيطلبون فيه وجود ما ذكره الترمذي على التحقيق.

وبعض المتأخرين توسعوا، وأهملوا اعتبار هذه الأوصاف، فقووا أحاديث بممجرد تعدد الطرق، وتسهلوا في درجات الرواة، كما وقع لمثل السيوطي رحمه الله وغيره.

واعلم أنه لا حاجة بك أن تقول فيما يتقوى عندك بهذا الطريق بعد اعتبار شروطه: (حديث حسن لغيره) كما لا حاجة للقول في الصورة الأولى: (حديث حسن لذاته)، وإنما جرى عمل المتقدمين وأكثر المتأخرين على إطلاق القول:(حديث حسن).

* * *

(1) فتح المغيث (1/ 69) .......

ص: 818