الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث بأحسن إسناد عنده محتجا به، ثم يذكر بعده ما وقع من الاختلاف، كأنه يقول بذلك: قد اطلعت على الاختلاف في الرواية وعلمته، ولكن لا أثر له.
شرط مسلم
في كتابه:
أما مسلم فقد اجتهد في استيفاء شروط الصحة فيما خرجه في " صحيحه " كما وقع من شيخه البخاري، وإن كان خالف في شيء غير مؤثر في تقدم كتابه.
وكتابه مختصر أيضاً في الحديث الصحيح، فإنه قال:" صنفت هذا المسند " يعني صحيحه " من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة "(1).
وسئل عن حديث أبي هريرة في القراءة وراء الإمام، فقال:" هو عندي صحيح " فقال السائل: لم لم تضعْه هنا (2)؟ فقال: " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه "(3).
وفسر ابن الصلاح قوله: (ما أجمعوا عليه) من وجهين، فقال:" الأول: أنه أراد أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط المجتمع عليه، وأنه لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم. والثاني: أنه أراد أنه ما وضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متناً أو إسناداً، ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته ، وهذا هو الظاهر من كلامه "(4).
(1) أخرجه الحاكم في " تاريخه "(كما في " السير " 16/ 288 _ 289) والخطيب في " تاريخه "(13/ 101) وإسناده صحيح.
(2)
يعني داخِلَ صحيح.
(3)
صحيح مسلم (1/ 304) .......
(4)
صيانة صحيح مسلم (ص: 75).
وبين مسلم شرطه في " مقدمة صحيحه " فقال: " نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس "(1).
قال: " فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم.
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم، فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم، من حمال الآثار ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين، فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة وخصلة سنية، ألا ترى أنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم عطاء ويزيد وليثاً، بمنصور بن المعتمر وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد، في إتقان الحديث والاستقامة فيه، وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك؛ للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وإسماعيل وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث.
وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون وأيوب السختياني، مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحمراني، وهما صاحبا الحسن
(1) مُقدمة صحيح مُسلم (ص: 4) .......
وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما، إلا أن البون بينهما وبين هذين بعيد في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم " (1).
قلت: لم ينص مسلم على سوى القسم الأول من الثلاثة، لكنه في التحقيق ضمن القسمين الثاني والثالث بيانه الذي ذكر لمراتب الرواة، فإن مقتضى بيانه للنقلة الذين خرج لهم في كتابه أنهم على ثلاثة أقسام:
الأول: الحفاظ المتقنون، مثل: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن عون، وأيوب السختياني.
وهذا القسم هو الأصل في التقديم عنده، وهو الذي يقوم عليه بناء (صحيحه).
والثاني: ثقات دونهم، مثل: عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وأشعث بن عبد الملك الحمراني.
وهذا القسم يخرج حديثهم في كتابه كما يخرج الأول، ويحتج بهم، وإن كانوا دونهم.
والثالث: صدوقون في الأثل، ليسوا بالمتقنين، من جهة ما عرفوا به من سوء الحفظ، مثل: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم.
فهذا القسم قد يخرج لهم في المتابعات، حيث وافقوا فيما رووا أهل القسمين السابقين، وإن كان قد أقل من هذا جداً (2).
(1) مقدمة صحيح مسلم (ص: 5 _ 6) .......
(2)
فهو هنا قد مثل بثلاثة: عطاء بن السائب، ولم يُخرج له شيئا أصلاً، ويزيد بن أبي زياد، وليس له عنده سوى موضع واحد مُتابعةً (3/ 1637) من رواية ابن عيينة عنه، وليثٌ كذلك له في موضع واحد مقروناً بأبي إسحاق الشيباني (3/ 1636).
وللحاكم في هذه الأقسام قول لم أجد له فيه مستنداً، قال:" لما فرغ من هذا القسم الأول أدركته المنية رحمه الله وهو في حد الكهولة "(1).
كما نص مسلم أنه لا يخرج في كتابه لصنفين من الرواة:
الأول: المتهمون عند عامة أهل الحديث، أو عند أكثرهم، مثل: عمرو بن خالد، ومحمد بن سعيد المصلوب، وأبي داود النخعي.
والثاني: من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط.، مثل: يحيى بن أبي أنيسة، وعباد بن كثير، وعمر بن صهبان.
قال الحازمي فيما يكون بياناً لشرط الشيخين جميعاً في انتقاء أحاديث الثقات: " مذهب من خرج الصحيح: أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه وفيمن روى عنهم، وهم ثقات أيضاً، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصلح إخراجه، إلا في الشواهد والمتابعات، وهذا باب فيه غموض، وطريقه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم "(2).
قلت: ثم مثل بمثال حاصله: تخريج حديث الزهري، فهو على مراتب بحسب طبقات أصحاب الذين حملوا عنه (3):
فالأولى: الثقة المتقن المقدم كمالك وابن عيينة ومعمر، فحديث هذه الطبقة أعلى حديث الزهري وأصحه.
والثانية: طبقة مثل الليث بن سعد والأوزاعي، وحديثهم عنه ليس
(1) المدخل إلى كتاب الإكليل (ص: 34)، وممن ردَّ مقالة الحاكم: القاضي عياض في " إكمال المُعلم "(1/ 86) والذهبي في " السير "(12/ 575).
(2)
شروط الأئمة الخمسة (ص: 150).
(3)
تقدم أن ذكرتُ هذه الطبقات لأصحاب الزهري بأبْسط مما هنا في (المبحث الثالث) من (الفصل الثالث) من (النقد الخفي) .......
بالمردود، ولكنه ليس الأمثل؛ لأنهم لم تكن لهم من الملازمة للزهري ما مكنهم من إتقان حديثه، فيخرج في أدنى درجات الصحيح.
والثالثة: طبقة سفيان بن حسين وجعفر بن برقان، لزموا الزهري لكنهم لم يتقنوا عنه حديثه، فتفردوا وأخطأوا، وحديثهم صالح في الشواهد والمتابعات.
والرابعة: طبقة الضعفاء، كزمعة بن صالح، والمثنى بن الصباح، لزموا، لكنهم عرفوا بالضعف أصلا ً.
والخامسة: طبقة المتروكين، كإسحاق بن أبي فروة، وعبد القدوس بن حبيب.
وقال الحافظ ابن حجر: " وأكثر ما يخرج البخاري حديث الطبقة الثانية تعليقاً، وربما أخرج اليسير من حديث الطبقة الثالثة تعليقاً أيضاً، وهذا المثال هو في حق المكثرين، فيقاس على هذا أصحاب نافع وأصحاب الأعمش وأصحاب قتادة وغيرهم.
فأما غير المكثرين، فإنما اعتمد الشيخان في تخريج أحاديثهم على الثقة والعدالة وقلة الخطأ، لكن منهم من قوي الاعتماد عليه فأخرجا ما تفرد به، كيحيى بن سعيد الأنصاري، ومنهم من لم يقو الاعتماد عليه فأخرجا له ما شاركه فيه غيره، وهو الأكثر " (1)،
وقال محمد بن طاهر المقدسي: " شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن، وإن لم يكن له إلا راو واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه، إلا أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري
(1) هدي الساري (ص: 10).