الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعاً: تفرد المجروح، كان تفرداً مطلقاً أو نسبياً، فهو منكر، وليس من باب علل الحديث؛ لظهور نكارته بجرح راويه (1).
مسألتان متممتان لمبحث التفرد:
المسألة الأولى: بين الترمذي عن أهل الحديث الأسباب التي يعود إليها وصف الحديث بالغرابة، في الصور التالية، ومنها يستفاد ما يأتي في استعمال الترمذي للفظ (الغريب) في كثير من الأحاديث في " جامعه ":
(1) وللحافظ محمد بن طاهر المقدسي قسمة تأتي في السياق التوضيحي كذلك للأفراد، فقال في " أطراف الغرائب والأفراد " (ق: 9 / ب): " اعلم أن الغرائب والأفراد على خمسة أنواع:
النوع الأول: غرائب وأفراد صحيحة.
وهو أن يكون الصحابي مشهوراً براوية جماعة من التابعين عنه، ثم ينفرد بحديث عنه أحد الرواة الثقات لم يروه عنه غيره، ويرويه عن التابعي رجل واحد من الأتباع ثقة، وكلهم من أهل الشهرة والعدالة.
وهذا حدُّ في معرفة الغريب والفرد الصحيح، وقد أخرج له نظائر في الكتابين (يعني الصحيحين).
والنوع الثاني من الأفراد: أحاديث يرويها جماعة من التابعين عن الصحابي، ويرويها عن كل واحد منهم جماعة، ينفرد عن بعض رُواتها بالرواية عنه رجل واحد، لم يرو ذلك الحديث عن ذلك الرجل غيره من طريق يصحُّ، وإن كان قد رواه عن الطبقة المتقدمة عن شيخه، إلا أنه من رواية بعد المتفرد عن شيخه لم يروه عنه [غيره].
والنوع الثالث من الإفراد: أحاديث تفرد بزيادة ألفاظ فيها واحد عن شيخه، لم يرو تلك الزيادة غيره عن ذلك الشيخ، ينسب إليه التفرد بها، وينظر في حاله.
والنوع الرابع: متون اشتهرت عن جماعة من الصحابة، أو عن واحد منهم، فروي ذلك المتن عن غيره من الصحابة ممن لا يعرف به، إلا من طريق هذا الواحد، ولم يُتابعه عليه غيره.
النوع الخامس من التفرد: أسانيد ومُتون يتفرد بها أهل بلد، لا توجد إلا من روايتهم، وسننٌ يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يُعمل بها في غير مِصرهم ".
قلت: وهذا الذي ذكر ابن طاهر صحيح، لكنه لم يُراع فيه ما نحن بصدده من بيان ما يتصل منه بباب علل الحديث، وما لا يتأثر بذلك، وهو مَقصودنا بهذه المسألة.
كما أني وجدت لغيره، كأبي يعلى الخليلي في " الإرشاد "(1/ 167 _ 172) اعتبارات أخرى في تقسيم الأفراد، قد أتيت بقسمتي على جميعها فيما يتصل بالمقبول والمردود من الأفراد، وزيادة لا توجد في شيء منها.
1 -
الحديث لا يروى إلا من وجه واحد، وهو الغريب المطلق، كما يسمى الفرد المطلق.
مثل: ما حدث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أما تكون الذَّكاةُ إلا في الحلق واللَّبَّةِ؟ فقال:" لو طعنت في فخذها أجزأ عنك ".
قال الترمذي: " فهذا حديث تفرد به حماد بن سلمة عن أبي العشراء، ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه إلا هذا الحديث، وإن كان هذا الحديث مشهوراً عند أهل العلم، وإنما اشتهر من حديث حماد بن سلمة، لا نعرفه إلا من حديثه "(1).
2 -
الرجل من الأئمة يحدث بالحديث، لا يعرف إلا من حديثه، لكن يشتهر الحديث لكثرة من روى عنه.
مثل: ما روى عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
قال الترمذي: " لا يعرف إلا من حديث عبد الله بن دينار. رواه عنه عبيد الله بن عمر وشعبة وسفيان الثوري ومالك بن أنس وابن عيينة وغير واحد من الأئِمة "، وبين وهم من رواه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (2).
3 -
الحديث يستغرب لزيادة تكون فيه.
ومثل له الترمذي بزيادة مالك: " من المسلمين "، في حديث زكاة الفطر، وإن كان التحقيق أن مالكاً لم يتفرد بها (3).
(1) كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 251 _ 252).
(2)
كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 252).
(3)
والتفرد بالزيادة يأتي له مزيد بيان في المبحث التالي.
4 -
الحديث يروي من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لحال الإسناد.
مثل: ما رواه شبابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدُّباء والمز فَّت.
أسنده الترمذي، وقال: " هذا حديث غريب من قبل إسناده، لا نعلم أحد حدث به عن شعبة غير شبابة. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة: أنه نهى أن ينتبذ في الدُّبَاءِ والمُزَفَّتْ.
وحديث شبابة إنما يستغرب لأنه تفرد عن شعبة.
وقد روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الحج عرفة. فهذا الحديث المعروف أصح عند أهل الحديث بهذا
…
الإسناد " (1).
والمسألة الثانية: وقوع التفرد من الثقات المكثرين بعد انتشار التدوين، قليل بالنظر إلى مجموع ما يرويه أحدهم.
قال الذهبي بعد ذكره طبقات كبار الحفاظ إلى زمانه: " فهؤلاء الحفاظ الثقات إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح، وإن كان من الأتباع قيل: صحيح غريب، وإن كان من أصحاب الأتباع قيل: غريب فرد، ويندر تفردهم، فتجد الإمام منهم عنده مِئَتا ألف حديث، لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة "(2).
* * *
(1) كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 254 _ 255).
(2)
الموقظة (ص: 77).