المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات - تحرير علوم الحديث - جـ ٢

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثالنقد الخفي

- ‌الفصل الأولالمراد بالنقد الخفِيِّ وبيانمنزلته وتعيينُ محلَّه

- ‌المبحث الأول:معنى النقد الخفي

- ‌طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة):

- ‌المبحث الثاني:منزلة هذا العلم والطريق إليه

- ‌المبرّزون من أئمة الحديث في معرفة علله:

- ‌هل انتهى الزمن الذي يمكن فيه تمييز العلل الخفية للأحاديث

- ‌المبحث الثالث:تحديد إطار النقد الخفيِّ

- ‌الصورة الأولى: ما أطلق عليه مسمى (العلة) وليس من هذا الباب

- ‌الصورة الثانية: ما أطلق عليه مسمى (العلة) ولا أثر له على ثبوت الحديث

- ‌الصورة الثالثة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو من العلل الظاهرة

- ‌الصورة الرابعة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو صواب

- ‌الفصل الثانيأسباب التَّعليل من خلالمنهج النُّقَّاد

- ‌المبحث الأول:التعليل بالتَّفرُّد

- ‌مسألتان متممتان لمبحث التفرد:

- ‌المبحث الثاني:التعليل بالزيادة

- ‌الأصل الأول: محل وقوع زيادات الثقات

- ‌أولاً: وصل المرسل

- ‌ثانياً: رفع الموقوف

- ‌ثالثاً: الزيادة خلال الإسناد

- ‌الصورة الأولى: زيادة راوٍ خلال الإسناد في موضع عنعنة

- ‌الصورة الثانية: المزيد في متصل الأسانيد

- ‌الصورة الثالثة: زيادة ذكر التحديث والسماع بدل العنعنة

- ‌رابعاً: الزيادة في متن الحديث

- ‌خامساً: الإدراج

- ‌الأصل الثاني: الحكم في زيادة الثقة

- ‌القسم الأول: زيادة الثقة في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: زِيادة الثقة في المتن

- ‌المبحث الثالث:التعليل بالمخالفة

- ‌النوع الأول: الشذوذ

- ‌النوع الثاني: مُخالفة القرآن

- ‌النوع الثالث: مخالفة المعروف من السنن النبوية

- ‌النوع الرابع: مخالفة المحسوس

- ‌النوع الخامس: مخالفة العقل

- ‌خلاصة هذا المبحث:

- ‌المبحث الرابع:التعليل بالاختلاف

- ‌معنى الاختلاف على الراوي:

- ‌القسم الأول: اختلاف غير قادح

- ‌القسم الثاني: اختلاف قادح

- ‌الصورة الثانية: الاضطراب

- ‌المبحث الخامس:التعليل بالغلط

- ‌الصورة الأولى: دخول حديث في حديث

- ‌الصورة الثانية: التصحيف في الأسانيد والمتون

- ‌الصورة الثالثة: القلب:

- ‌المبحث السادس:التعليل بالتدليس

- ‌الفصل الثالثقوانين ضبط عمليةتعليل الأحاديث

- ‌المبحث الأولعلم التخريج

- ‌تفسير علم التخريج:

- ‌التخريج بمعنى جمع الطرق والألفاظ:

- ‌من القواعد الواجب اعتبارها في علم التخريج

- ‌أولاً: ملاحظة ألفاظ الإحالة ودلالاتها

- ‌ثالثاً: الأخذ من نسخة مروية بإسناد واحد

- ‌المبحث الثاني:علامات لكشف العلة من منهج المتقدمين

- ‌أولاً: أن يأتي أحد وجهي الرواية على الجادة، والآخر خارجاً عنها

- ‌رابعاً: أن يأتي الحديث موافقاً للمنقول عن أهل الكتاب

- ‌خامساً: أن يكون الثقة يرجع إلى أصول، ولا يوجد ذلك الحديث في أصوله

- ‌سادساً: أن يثبت عن راوي الحديث ترك عمله به، أو ذهابه إلى خلافه

- ‌المبحث الثالث:مقدمات أساسية لكشف العلة الخفية

- ‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

- ‌المقدمة الثانية: حفظ الأسانيد المعروفة الصحة، والأسانيد المعللة

- ‌المقدمة الثالثة: تمييز المراسيل، ومن كان معروفاً بالإرسال

- ‌المقدمة الرابعة: تمييز ما يدخل على أحاديث بعض الثقات، وهماً أو تعمداً

- ‌المقدمة الخامسة: تمييز التدليس، ومعرفة ما يقع من بعض الثقات من تدليس الأسماء

- ‌المقدمة السادسة: تمييز بلدان الرواة، ومعرفة ما يتفردون به من السنن

- ‌المقدمة السابعة: تمييز المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المقدمة الثامنة: تمييز المقلين من الرواة والمكثرين

- ‌المقدمة التاسعة: تمييز أصح ما يروى في الباب

- ‌المقدمة العاشرة: تمييز الأبواب التي لا يثبت فيها حديث

- ‌المقدمة الحادية عشرة: تفقد صيغ التحمل والأداء

- ‌المقدمة الثانية عشرة: تمييز الإدراج للألفاظ في سياقات المتون

- ‌القسم الثانيأصناف الحديثمن جهة القبول والرد

- ‌الباب الأولالحديث المقبول

- ‌الفصل الأولالحديث الصحيح

- ‌المبحث الأولتعريف الحديث الصحيح

- ‌المراد بشروط صحة الحديث على سبيل الإجمال:

- ‌الشرط الأول: اتصال السند

- ‌الشرط الثاني: عدالة الرواة

- ‌الشرط الثالث: ضبط الرواة

- ‌الشرط الرابع: السلامة من العلل المؤثرة

- ‌المبحث الثاني:تطبيق لإظهار تحقق شروط الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث:نقد تعريفات الصحيح

- ‌المبحث الرابع:الحديث الصحيح في اصطلاح الترمذي

- ‌الفصل الثانيالحديث الحسن

- ‌المبحث الأول:تعريف الحديث الحسن

- ‌الترمذي و (الحديث الحسن):

- ‌المبحث الثاني:تاريخ هذا (المصطلح)

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:تطبيق لتحقيق شروط حسن الحديث

- ‌تطبيق للحديث الحسن لذاته:

- ‌تطبيق للحديث الحسن لغيره:

- ‌الفصل الثالثمباحث في الصحيح والحسن

- ‌المبحث الأول:الكتب في الحديث الصحيح

- ‌ طريقة الشيخين في تخريج حديث من تكلم فيه من الرواة

- ‌المبحث الثاني:ذكر المصنفات المسماة بـ (الصحاح)غير كتابي الشيخين

- ‌1 _ صحيح ابن خزيمة

- ‌2_ صحيح ابن حبان

- ‌3 _ المستدرك على الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:الأحاديث المعلقات في " صحيح البخاري

- ‌إطلاق مصطلح (المعلق):

- ‌سبب تعليق الحديث:

- ‌تنبيهان:

- ‌تتمة في مسائل تتصل بالمعلقات:

- ‌المبحث الرابع:السنن الأربعة والمسندأعظم دواوين السنة بعد الصحيحين

- ‌شرط أبي داود في (سننه):

- ‌شرط الترمذي في " سننه

- ‌شرط النسائي في " سننه

- ‌شرط ابن ماجة في " سننه

- ‌شرط أحمد في " المسند

- ‌المبحث الخامس:المستخرجات على " الصحيحين

- ‌فوائد المستخرجات:

- ‌من أمثلة المستخرجات على " الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث السادس:أين يوجد الحديث الصحيح في غيرالكتب الموسومة بالصحة

- ‌المبحث السابع:تصحيح الحديث على شرط الصحيح

- ‌ شرط البخاري

- ‌شرط مسلم

- ‌الواجب اعتباره لفهم شرط الشيخين فيما انتقياه

- ‌المبحث الثامن:مسائل في الحديث الصحيح والحسن

- ‌المسألة الأولى: الحديث الصحيح والحسن كلاهما حجة

- ‌المسألة الثانية: درجات الصحة تتفاوت في القوة بحسب القرائن

- ‌المسألة الثالثة: هل صحة الإسناد توجب صحة الحديث

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الحديث: (رجاله ثقات) هل يعني الصحة

- ‌المسألة الخامسة: عدد الحديث الصحيح

- ‌المسألة السادسة: قولهم: (أصح شيء في الباب)

- ‌المسألة السابعة: أصح الأسانيد

- ‌المسألة الثامنة: قولهم: (حديث جيد)

- ‌المسألة التاسعة: أين يوجد الحديث الحسن

- ‌المسألة العاشرة: أوصاف للحديث تفيد القبول

- ‌المسألة الحادية عشرة: استدلال العالم بحديث، هل يعني تصحيحه له

- ‌الباب الثانيالحديث المردود

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولألقاب الحديث الضعيفبسبب عدم الاتصال

- ‌المبحث الأولالحديث المنقطع

- ‌الصورة الثانية: أن يكون بدل السقط إبهام لراو

- ‌سبب إبهام الراوي:

- ‌كيف يثبت الانقطاع

- ‌المبحث الثاني:الحديث المعضل

- ‌طريق معرفة المعضل:

- ‌المبحث الثالث:الحديث المرسل

- ‌نقد تعريفات المرسل:

- ‌مثال المرسل:

- ‌طريق تمييز المرسل:

- ‌المبحث الرابع:مسائل في الانقطاع والإرسال

- ‌المسألة الأولى: تداخلُ استعمال مصطلح (المنقطع) في (المرسل) عند السلف:

- ‌المسألة الثانية: المفاضلة بين المراسيل

- ‌القول في مراسيل سعيد بن المسيب:

- ‌قولهم في مراسيل عروة بن الزبير:

- ‌قولهم في مراسيل الحسن البصري:

- ‌قولهم في مراسيل جماعة آخرين:

- ‌المسألة الثالثة: حكم الحديث المرسل:

- ‌المسألة الرابعة: رواية الصحابي ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدلس

- ‌النوع الأول: تدليس الوصل

- ‌القسم الأول: تدليس الإسناد

- ‌القسم الثاني: تدليس التسوية

- ‌سبب وقوع التدليس في الإسناد:

- ‌النوع الثاني: تدليس الأسماء

- ‌تحرير الفرق بين (التدليس) و (الإرسال الخفي):

- ‌تاريخ التدليس:

- ‌مذاهب أهل العلم في خبر المدلس:

- ‌الترجيح:

- ‌تنبيه:التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم

- ‌كيف يعرف التدليس

- ‌طبقات المدلسين:

- ‌فائدة في الرواة الوارد عليهم مظنة التدليس:

- ‌الصيغة التي يندفع بها التدليس عن الموصوف به:

- ‌تتمة في مسائل في التدليس:

- ‌الفصل الثانيألقاب الحديث الضعيفبسبب جرح الراوي

- ‌المبحث الأول:حديث المجهول

- ‌المبحث الثاني:الحديث اللين

- ‌المبحث الثالث:الحديث المقلوب

- ‌الصورة الأولى: قلب في الإسناد

- ‌الصورة الثانية: قلب في المتن

- ‌الصورة الثالثة: التحول من حديث إلى حديث

- ‌المبحث الرابع:الحديث المصحف

- ‌طريق معرفة التصحيف أو التحريف في الرواية:

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدرج

- ‌القسم الأول: مدرج الإسناد

- ‌القسم الثاني: مدرج المتن

- ‌طريق معرفة الإدراج:

- ‌المبحث السادس:الحديث الشاذ

- ‌ زيادات الثقات

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد

- ‌المبحث السابع:الحديث المعلل

- ‌المبحث الثامن:الحديث المضطرب

- ‌المبحث التاسع:الحديث المنكر

- ‌تفسير مصطلح (المنكر) في كلام المتقدمين:

- ‌المبحث العاشر:الحديث الموضوع

- ‌بداية ظهور الكذب في الحديث:

- ‌أسباب تعمد وضع الحديث:

- ‌السبب الأول: الطعن على الإسلام، والتشكيك فيه

- ‌السبب الثاني: نصرة الأهواء:

- ‌السبب الثالث: الترغيب في الأعمال الصالحة

- ‌السبب الرابع: الرغبة في استمالة السامعين

- ‌مصادر المتون الموضوعة:

- ‌مسائل في الموضوع:

- ‌المسألة الأولى: مصطلح (حديث لا أصل له)

- ‌المسألة الثالثة: الكتب المؤلفة في تمييز الأحاديث الموضوعة

- ‌المسألة الرابعة: مما يساعد على تمييز الموضوع في الحديث: معرفة أبواب مخصوصة

- ‌الفصل الثالثحكم الاعتباربالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:تفسير الاعتبار

- ‌المبحث الثاني:تمييز ما يصلح للاعتبار

- ‌ صلاحية الراوي

- ‌ صلاحية نفس الحديث

- ‌تنبيه:الاعتبار بالطرق المرجوحة التي دل النظر على أنها خطأ، لا يصح

- ‌المبحث الثالث:تقوية الحديث بتعدد الطرق

- ‌الشرط الأول: أن يكون حديثاً له نفس درجة المجبور به من جهة من يضاف إليه

- ‌الشرط الثاني: أن يكون في أدنى درجاته مما يصلح الاعتبار به

- ‌مناقشة قول الشافعي فيما يتقوى به المرسل:

- ‌الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه

- ‌الفصل الرابعاستعمالالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف

- ‌المبحث الثاني:الحديث الضعيف في فضائل الأعمال

الفصل: ‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

‌المبحث الثالث:

مقدمات أساسية لكشف العلة الخفية

هذا مبحث معقود لبيان أصول لا بد من مراعاتها قبل تقحم علم تعليل الحديث، إليك بيانها:

‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

.

وهذه أعظم المقدمات، وبيانها في نوعين:

النوع الأول: معرفة مراتب الثقات الذين تدور عليهم الأحاديث الصحيحة وكيف الترجيح بينهم عند اختلافهم.

وذلك كتمييز أصحاب أبي هريرة، وأصحاب عبد الله بن عمر، وأصحاب نافع مولاه، وأصحاب قتادة عن أنس، وأصحاب ثابت البناني عن أنس، وأصحاب الزهري، وأصحاب الحسن البصري، ، وهكذا.

وهذا طريق معتمد عند أئمة النقاد في علم (علل الحديث) يرجحون بتفاوت حفظ الثقات عمن عليهم مدار الحديث.

وذلك التفاوت على صور:

الأولى: المقارنة بين الثقتين في الرواية عن الشيخ الواحد المعين، كالترجيح بين أصحاب الأعمش إذا اختلفوا عليه.

ص: 761

وذلك كقول عثمان الدارمي: " سألت يحيى بن معين عن أصحاب الأعمش، قلت: سفيان أحب إليك في الأعمش، أو شعبة؟ فقال: سفيان أحب إلي في الأعمش. قلت: فزهير أحب إليك أم زائدة؟ فقال: كلاهما، يعني: ثبت. قلت: فأبو معاوية أحب إليك فيه أم وكيع؟ فقال: أبو معاوية أعلم به، ووكيع ثقة. قلت: فجرير أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال: كلاهما ، قلت: وابن إدريس أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال كلاهما ثقتان، إلا أن ابن إدريس أرفع، وهو ثقة في كل شيء. قلت: فأبو عوانة أحب فيه أو عبد الواحد؟ فقال: أبو عوانة أحب إلي، وعبد الواحد ثقة، قلت: وأبو شهاب أحب إليك فيه أو أبو بكر بن عياش؟ فقال: أبو شهاب أحب إلي من أبي بكر في كل شيء. قلت: فأبو بكر أحب إليك فيه أو أبو الأحوص؟ فقال: ما أقربهما "(1).

والثانية: بين الثقات مطلقاً في الرواية عن الشيخ الواحد المعين.

كقول طائفة من النقاد: " حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني "(2).

وكقول أحمد بن حنبل: " كان عبد الملك بن أبي سليمان من الحفاظ، إلا أنه يخالف ابن جريج في أشياء. قال: وابن جريج أثبت عندنا منه. قال: عمرو بن دينار وابن جريج أثبت الناس في عطاء "(3).

والثالثة: بين الثقتين في جملة شيوخهما.

(1) تاريخ الدارمي (النص: 47 _ 54).

(2)

قال ذلك أحمد بن حنبل (العلل، النص: 1783، 5189)، ويحيى بن معين (سؤالات ابن الجنيد، النص: 172، رواية الدوري النص: 4299، 4483)، وعليُّ بن المديني (الجرح والتعديل 1/ 2 / 142)، ومسلم بن الحجاج (التمييز، ص: 217)، وأبو حاتم الرازي (علل الحديث، رقم 1211، 1212) وغيرهم، بل حكى مُسلم إجماعَ أئمة الحديث على ذلك.

(3)

تاريخ بغداد (10/ 406).

ص: 762

كقول أحمد بن حنبل في (عاصم بن بهدلة): " ثقة، رجل صالح خير ثقة، والأعمش أحفظ منه "(1). وسأله ابنه عبد الله عن أبي أسامة حماد بن أسامة، وأبي عاصم الضحاك بن مخلد: من أثبتهما في الحديث؟ فقال: " أبو أسامة أثبت من مئة مثل أبي عاصم "(2).

ومن هذا الترجيح بين الثقتين في الرواية عن أهل بلدهما، كمنصور بن المعتمر والأعمش في الرواية عن الكوفيين، حيث ذهب كبار النقاد إلى ترجيح منصور، وتنازعوا في روايتهما عن إبراهيم النخعي خاصة، وعلة تقديم منصور كما قال أبو حاتم الرازي: الأعمش حافظ يخلط ويدلس، ومنصوراً أتقن لا يدلس ولا يخلط " (3).

واعلم كذلك أن نقاد المحدثين قد يختلفون في تلك المقارنات النسبية بين الثقات.

قال أحمد بن حنبل: " كنت أنا وعلي بن المديني، فذكرنا أثبت من يروي عن الزهري، فقال علي: سفيان بن عيينة، وقلت أنا: مالك بن أنس، وقلت: مالك أقل خطأ عن الزهري، وابن عيينة يخطئ في نحو من عشرين حديثاً عن الزهري، في حديث كذا، وحديث كذا، فذكرت منها ثمانية عشر حديثاً، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك، فجاء بحديثين أو ثلاثة، فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة، فإذا هي أكثر من عشرين حديثاً "(4).

قلت: فهذه الحكاية تبين طريقة النظر في ترجيح الثقات بعضهم على بعض.

(1) العلل ومعرفة الرجال (النص: 918).

(2)

العلل ومعرفة الرجال (النص: 5980).

(3)

الجرح والتعديل (4/ 1 / 179).

(4)

العلل ومعرفة الرجال (النص: 2543).

ص: 763

قال مسلم بن الحجاج: " أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد، ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد، وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أئمة أهل العلم "(1).

قلت: ومثاله تمييز طبقات أصحاب الزهري، ولأئمة الحديث فيهم مقارنات ضرورية الأخذ بالاعتبار، لتمييز المحفوظ من حديث الزهري من غيره.

وقد قسم أبو بكر الحازمي أصحاب الزهري بالنظر إلى جملتهم إلى خمس طبقات (2)، وتبعه على قسمته غير واحد، منهم ابن رجب الحنبلي (3)، إليكها بمزيد تهذيب وزيادة:

الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه، والضبط له، كمالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وعبيد الله بن عمر العمري، محمد بن الوليد الزبيدي، وإبراهيم بن سعد، وصالح بن كيسان، وغيرهم.

والطبقة الثانية: أهل حفظ وإتقان، لكن لم تطل صحبتهم للزهري،

(1) التمييز (ص: 172).

(2)

وذلك في " شروط الأئمة الخمسة "(ص: 151 _ 155).

(3)

في " شرح علل الترمذي "(1/ 399 _ 400).

ص: 764

وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في إتقان دون الطبقة الأولى، كالأوزاعي، والليث بن سعد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وسليمان بن موسى، ونحوهم.

والطبقة الثالثة: لازموا الزهري وصحبوه ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم، كسفيان بن حسين، وابن أخي الزهري محمد بن عبد الله بن مسلم، ومحمد بن إسحاق، وأبي أويس عبد الله بن عبد الله المدني، وصالح بن أبي الأخضر، وزمعة بن صالح، ومحمد بن أبي حفصة، وعبد الرحمن بن أبي نمر، وسليمان بن كثير العبدي، وأسامة بن زيد، وجعفر بن برقان، وعبد الله بن عمر العمري، والنعمان بن راشد، ونحوهم.

والطبقة الرابعة: قوم رووا عن الزهري من غير ملازمة ولا طول صحبة، وهم متكلم فيهم مطلقاً، مثل: إسحاق بن يحيى الكلبي، ومعاوية بن يحيى الصدفي، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وإبراهيم بن يزيد المكي، والمثنى بن الصباح، ونحوهم.

والطبقة الخامسة: قوم من المتروكين والمجهولين، كالحكم بن عبد الله الأيلي، وبحر بن كنيز السقاء، وعبد القدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب، ونحوهم (1).

ومن مثاله في أصحاب قتادة عن أنس، قول أبي بكر البرديجي: " إذا ورد عليك حديث لسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مروفوعاً، وخالفه هشام وشعبة (2)، حكم لشعبة وهشام على سعيد، وإذا روى حماد بن سلمة

(1) وانظر عبارات الأئمة في المقارنة بين أصحاب الزهري فيما جمعه ابن رجب في " شرح العلل "(2/ 478 _ 486).

(2)

هشامُ، هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وشعبة هوَ ابن الحجاج.

ص: 765

وهمام وأبان (1) ونحوهم من الشيوخ عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً وخالف سعيد أو هشام أو شعبة، كان القول قول هشام وسعيد وشعبة على الانفراد، فإذا اتفقوا هؤلاء الأولون، وهم: همام بن يحيى وأبان وحماد بن سلمة، على حديث مرفوع، وخالفهم شعبة وهشام وسعيد، أو شعبة وحده، أو هشام وحده، أو سعيد وحده، توقف عن الحديث؛ لأن هؤلاء الثلاثة: شعبة وسعيد وهشام (2) أثبت من همام وأبان وحماد " (3).

النوع الثاني: معرفة من هو ثقة في حال فيقبل حديثه، مجروح في حال فيرد حديثه.

وهم أقسام ثلاثة (4):

أولها: من ضعف حديثه في بعض الأوقات دون بعض.

كالمختلطين للكبر، كسعيد بن أبي عروبة، وسعيد بن إياس الجريري، وعطاء بن السائب.

ومن تغير حفظه بأخرة، كأبي حمزة محمد بن ميمون السكري، بعدما ذهب بصره.

ومن ساء حفظه لكنه صحيح الكتاب، كعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وشريك بن عبد الله النخعي.

وثانيها: من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض، وهو ثلاثة أصناف:

الأول: من حدث في مكان ليس معه فيه كتابه فخلط، وحدث في مكان آخر فضبط.

(1) همام هو ابن يحيى، وأبان هو ابن يزيد العطَّار.

(2)

القياس في العبارة النصب، لكن أهمِلتْ (سعيد) من ألف النصب، فضبطْت الجميع بالرفع على تقدير المبتدأ.

(3)

أخرجه الخطيب في " الجامع "(رقم: 1904) وإسناده صحيح.

(4)

هذه القسمة لابن رجب في " شرح العلل "(2/ 522 وما يليها) ولخَّصتها في التالي.

ص: 766

مثل معمر بن راشد في لين حديثه بالبصرة، وقوته باليمن.

والثاني: من حدث عن أهل بلد اعتنى بحديثه عنهم فأتقنه، وعن آخرين فلم يضبطه.

كإسماعيل بن عياش الشامي، فإنه ثقة إذا روى عن أهل بلده، ضعيف في غيرهم.

والثالث: من حدث عنه أهل بلد فضبطوا، وأهل بلد آخر فلم يضبطوا.

كزهير بن محمد التميمي، فإنه ثقة إذا حدث عنه أهل العراق، ضعيف إذا حدث عنه أهل الشام.

وثالثها: من كان ثقة في بعض شيوخه، ضعيفاً في آخرين.

كجعفر بن برقان في روايته عن الزهري خاصة، فهي ضعيفة، وهو ثقة في غيره.

وسماك بن حرب عن عكرمة خاصة ضعيف، ثقة في غيره.

وجرير بن حازم عن قتادة ويحيى الأنصاري في حديثه عنهما خطأ ولين، ثقة حجة عن غيرهما.

ومما يشبه هذا صور:

أولها: من كان رأسا في الحفظ، لكن في حفظ حديث الكبار، فإذا نزل للرواية عن الصغار والأقران لم يتقن.

كالأعمش، إذا روى عن مثل الحكم بن عتيبة وحبيب بن أبي ثابت وأبي إسحاق السبيعي.

ثانيها: من كان إذا جمع رواياته عن الشيوخ لم يتقن، وإذا أفردها أتقنها.

كعطاء بن السائب.

ص: 767