الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب وقوع التدليس في الإسناد:
نقل الذهبي قول أبي الحسن بن القطان في (بقية بن الوليد): " بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته "(1)، ثم تعقبه بقوله:" نعم، والله! صح هذا عنه أنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد، وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس أنه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يعتذر به عنهم "(2).
ومن اجتهادهم: إحسان الظن بمن أسقطوه، وإن كان مجروحاً عند غيرهم، وأسقطوه تمشية لروايته.
ومن ذلك: صغر سن الشيخ المدلس عن سن المدلس.
ومن ذلك: كراهة ذكره، لسوء حاله من جهة أمر لا يعود إلى نفس حديثه.
مثل ما وقع للوليد بن مسلم، حدث بحديث عن شيبان بن عبد الرحمن، عن علي بن عبد الله بن عباس، فبين أبو حاتم الرازي أن الوليد ترك من الإسناد (سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس)، بين ذلك وعلله فقال:" الذي أرى أن الوليد بن مسلم ترك (سليمان) من الإسناد على العمد؛ لأن سليمان أسرف في القتل والنكاية فيهم، فكان يكره أن يكون ذكره في الحديث "(3).
النوع الثاني: تدليس الأسماء
.
ويقال: تدليس الشيوخ.
(1) انظر: بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، لابن القطان (النص: 1633).
(2)
ميزان الاعتدال (1/ 339).
(3)
علل الحديث، لابن أبي حاتم (رقم: 978) .......
تعريفه: " أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثاً، فغير اسمه، أو كنيته، أو نسبه، أو حاله المشهور من أمره؛ لئلا يعرف "(1).
وذلك يفعل لأسباب، منها:
1 _
كون الشيخ مجروحاً.
2 _
كون المدلس قد شورك في الرواية عن ذلك الشيخ من قبل من هم دونه في السن أو العلم أو غير ذلك.
3 _
كون ذلك الشيخ أصغر سنا من الراوي عنه.
كما وقع لسفيان بن عيينة، فيما أخبر به أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان بن عيينة يوما ً عن زيد بن أسلم، عن علي بن الحسين، قال:" يجزئ الجنب أن ينغمس في الماء "، قلنا: من دون زيد بن أسلم؟ قال: معمر، قلنا: من دون معمر؟ قال: ذاك الصنعاني عبد الرزاق (2).
4 _
كثرة ما عند ذلك الراوي عن الشيخ، فيغير في اسمه دفعاً للتكرار (3).
ومن أمثلة هذا النوع من التدليس:
عطية بن سعد العوفي، كان روى عن أبي سعيد الخدري، روى التفسير عن محمد بن السائب الكلبي، فكنى هذا الأخبار (أبا سعيد)(4)،
(1) الكفاية (ص: 520) ونحوه (ص: 59).
(2)
أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد "(1/ 31) وإسناده صحيح. وفي " مصنف عبد الرزاق "(1/ 264 رقم: 1014) عن معمر، عن زيد بن أسلم في الرجل يغسل رأسه بالخِطْمي وهو جنب ثم يتركه حتى يجف، قال: سمعت علي بن الحسين يقول: ما مَسَّ الماءَ منك وأنت جُنبٌ فقد طهر ذلك المكان.
(3)
ذكر هذه الأسباب الأربعة الخطيب في " الكفاية "(ص: 520).
(4)
العلل، للإمام أحمد (النص: 1306، 1307)، المجروحين، لابن حبان (2/ 253)، الكفاية، للخطيب (ص: 512).
والكلبي متهم بالكذب، فما يرويه في التفسير عن أبي سعيد فالمظنة أن يكون الكلبي، ما لم يقل:(الخدري).
ومنهم زهير بن معاوية، فقد روى عن أبي يحيى القتات، أحد الضعفاء، وكان يقول:(أبو يحيى الكناسي) ينسبه إلى كناسة الكوفة (1)، وهو غير مشهور بذلك.
ومنهم: الوليد بن مسلم الدمشقي، ومن أمثلة فعله ذلك، أنه كان يروي عن (عبد الرحمن بن يزيد بن تميم) فيقول:" قال أبو عمرو "، و " حدثنا أبو عمرو عن الزهري " يوهم أنه الأوزاعي، وإنما ابن تميم، وكلاهما رويا عن الزهري (2)، وابن تميم هذا منكر الحديث ليس بثقة.
ومنهم: بقية بن الوليد الشامي، ومن أمثلة صنيعه: أنه كان يقول: " حدثنا الزبيدي "، فيذهب الظن إلى أنه عنى (محمد بن الوليد الزبيدي)، الثقة، وإنما هو (زرعة بن عبد الله، أو عمرو الزبيدي)(3) أحد المجهولين الضعفاء.
بل ذكر بهذا التدليس سفيان الثوري على جلالته، فقد كان يروي عن الكلبي، فيقول:" حدثنا أبو النضر " فيظن أنه أراد به (سعيد بن أبي عروبة) أو (جرير بن حازم)(4)، فالجميع يكنون بهذه الكنية، وكلهم يروي عنهم الثوري، والكلبي متهم بالكذب، والآخران ثقتان.
وكان يحدث عن عبيدة بن معتب الضبي، قال يعقوب بن سفيان:" حديثه لا يسوى شيئاً، وكان الثوري إذا حدث عنه كناه، قال: أبو عبد الكريم، ولا يكاد سفيان يكني رجلاً إلا وفيه ضعف، يكره أن يظهر اسمه فينفر منه الناس "(5).
(1) العلل ومعرفة الرجال، لأحمد (النص: 1523).
(2)
المجروحين (1/ 91، و 2/ 55).
(3)
المجروحين (1/ 91) .......
(4)
المجروحين (1/ 91).
(5)
المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سُفيان الفسوي (3/ 145 _ 146).
وذكر ابن حبان في ترجمة (محمد بن سالم الكوفي) أن الثوري كان يحدث عنه ويكنيه، يقول:(حدثني أبو سهل)، قال ابن حبان:" كان هذا مذهباً للثوري: إذا حدث عن الضعفاء كناهم حتى لا يعرفوا، كان إذا حدث عن عبيدة بن معتب قال: حدثنا أبو عبد الكريم، وإذا حدث عن سليمان بن أرقم قال: حدثنا أبو معاذ، وإذا حدث عن بحر السقاء قال: حدثنا أبو الفضل، وإذا حدث عن الكلبي قال: حدثنا أبو النظر، وإذا حدث عن الصلت بن دينار قال: حدثنا أبو شعيب، ومن يشبه هؤلاء من الضعفاء ممن يكثر عددهم "(1).
ومنهم: قيس بن الربيع، فقد روى عن عمرو بن خالد الواسطي أحد المتروكين، فسماه مرة:(عمرو بن عبد الله مولى عنبسة)، ومرة:(عميراً مولى عنبسة)(2).
ومنهم: مروان بن معاوية الفزاري، قال يحيى بن معين:" كان مروان بن معاوية يغير الأسماء؛ يعمي على الناس، كان يحدثنا عن الحكم بن أبي خالد، وهو الحكم بن ظهير، ويروي عن علي بن أبي الوليد، وهو علي بن غراب "(3).
وقال يحيى بن معين وسئل عن مروان الفزاري: " كان ثقة فيما يروي عمن يعرف، وذاك أنه كان يروي عن أقوام لا يدري من هم، ويغير أسماهم، وكان يحدث عن محمد بن سعيد المصلوب، وكان يغير اسمه يقول: حدثنا محمد بن أبي قيس؛ لئلا يعرف "(4).
(1) المجروحين (2/ 262 _ 263)، وقال نحوه الحاكم النيسابوري في " سؤالات مَسعود السجزي له " (النص: 51).
(2)
انظر: الموضع لأوهام الجمع والتفريق، للخطيب (2/ 289).
(3)
المجروحين (1/ 91 _ 92) والخطيب في " الكفاية "(ص: 521 _ 522) وابنُ عساكر في " تاريخه "(57/ 355) من رواية ابن أبي خيثمة، عنه، وروى نحو ذلك غيره عن يحيى بن معين، منهم: الدوري في " تاريخ يحيى "(النص: 2611 _ 2612).
(4)
الضعفاء، للعقيلي (4/ 203)، ومن طريقه: ابنُ عساكر في " تاريخه "(57/ 354)، وضبطُ السياق منه، وهو من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن ابن معين .......
قلت: والمصلوب هذا كان يدلس اسمه على نحو من مئة اسم (1).
ومنهم: هشيم بن بشير الواسطي، فقد كان يروي عن (عبد الله بن ميسرة السجستاني) أحد الضعفاء، ويكنيه بكنى مختلفة، قال يحيى بن معين:" كان يكنيه بثلاث كنى: أبو إسحاق الكوفي، وأبو ليلى، وأبو جرير "(2) ، وزاد ابن عدي كنية رابعاً (أبا عبد الجليل)(3).
ومن غريب ما وقفت عليه من أمثلة تدليس هذا النوع ما حكاه الدارقطني عن (سليمان بن الربيع النهدي)، قال:" يقال: كادح بن رحمة له اسم كان يعرف به، فغيره سليمان بن الربيع فسماه كادحاً، ذهب إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6] "، قال " وقد روى سليمان بن الربيع هذا أحاديث مناكير عن شيخ آخر، فغير اسمه سماه همام بن مسلم، وأظنه ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم همام "(4)، قال الدارقطني:" أراد: منهم من يهم بالخير، ومنهم من يهم بالشر، وذهب إلى أن أباه كان مسلماً، فقال: همام بن مسلم "(5).
ومن كان يفعله لا لجرح في الراوي، وإنما للسبب الرابع المتقدم، وهو دفع الملالة بالتكرار، جماعة من المتأخرين، منهم الخطيب البغدادي، كقوله:(أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي)، ويقول أحياناً: (أخبرنا أحمد بن
(1) الضعفاء، للعقيلي (4/ 72)، والكفاية، للخطيب (ص: 522).
(2)
أخرجه ابنُ عدي في " الكامل "(5/ 282) وإسناده صحيح.
(3)
الكامل (5/ 281).
(4)
لم أقف عليه بهذا اللفظ من وَجهٍ يثبت، ورُوي من حديث أنس، وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (رقم: 2413) من حديث جابر بن عبد الله، لكن بيَّن أبو حاتم أنها لفظة أدرجت في الحديث.
ويُروى من غير وجْه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أحب الأسماء إلى الله: عبْد الله وعبْد الرحمن، وأصْدقها حارثٌ وهمام، وأقبحها حرْبٌ ومُرة "، فقد جاء من وُجوه مُرْسَلة ثلاثة عن أهل الشام، لتفصيلها مَقام آخر.
(5)
تاريخ بغداد (9/ 55).