الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس:
الحديث المدرج
المدرج قسمان (1)، ببيانهما يتضح معناه الاصطلاحي:
القسم الأول: مدرج الإسناد
وهو أربع صور:
الصورة الأولى: أن يقع الحديث للراوي عن جماعة يحمله عنهم فيجمع الكل بإسناد واحد، ولا يبين الاختلاف.
وصورته: أن يروي الثقة الحديث عن رجلين، يجمع بينهما، رواية أحدهما مرسلة، ورواية الآخر متصلة، فيسوقه متصلاً، ومثل هذا الصنيع قيل: فعله سفيان بن عيينة مع حفظه، كما ذكره بعض الحفاظ (2)، ولم أقف له على مثال صالح من فعل سفيان، أو من فعل غيره من الثقات المتقنين.
وكذلك سأل أيوب بن إسحاق بن سافري أحمد بن حنبل عن (محمد بن إسحاق)، قال: يا أبا عبد الله، ابن إسحاق إذا تفرد بحديث
(1) تقدم ذكْر ما يقع الإدراج فيه من روايات الثقات في مباحث (النقد الخفي).
(2)
نقله ابن رجب في " شرح العلل "(2/ 765) عن يعقوب بن شيبة.
تقبله؟ قال: " لا، والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا "(1).
قلت: فأحمد لينه لهذا الصنيع.
وكذلك كان من أسباب الطعن على (محمد بن عمر الواقدي)، حيث قال أحمد بن حنبل:" كنا نرى أن عنده كتباً من كتب الزهري أو كتب ابن أخي الزهري، فكان يحيل، وربما يجمع، يقول: فلان وفلان عن الزهري إخال حديث نبهان عن معمر. والحديث لم يروه معمر أيضاً، هو حديث يونس، حدثناه عبد الرزاق عن ابن المبارك عن يونس، كان يحيل الحديث ليس هذا من حديث معمر "(2).
الصورة الثانية: أن يكون المتن عند راو بإسناد، إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه راو عنه تاما بالإسناد الأول.
ومن هذا ما رأيته وقع من بعض أهل الحديث، يجد خبراً ساقه محمد بن إسحاق في السير والمغازي، ذكر طرفاً منه مسنداً، ثم أدرج فيه شيئاً في ذلك الخبر ليس مما وقع له بنفس ذلك الإسناد، فيخرجه الراوي من طريق ابن إسحاق بالإدراج كالجزء من ذلك الحديث المسند، بل ربما فصل المدرج عن سياق الخبر المسند مركباً له على إسناده (3).
(1) أخرجه الخطيب في " تاريخه "(1/ 230) بإسناد لا بأس به، وابن سافري صدوق.
(2)
العلل (النص: 5139) .......
(3)
كما يصلح له مثالاً الحديث الذي تعلق به طائفة من الفقهاء في مسألة مترتبةٍ على إسلام المرأة قبل زوجها، وهو ما جاء في قصة زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها مع زوجها أبي العاص بن الربيع فقال:" أي بُنية، أكرمي مثواه، ولا يخلصنَّ إليك، فإنك لا تحلين له "، وسياقه وعلته في كتابي " إسلام أحد الزوجين ومدى تأثيره على عقد النكاح ".
ومن مثاله أيضاً ما وقعَ لسعيد بن أبي مرْيم في روايته لحديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تَدابروا .. " الحديث، فأدرج فيه:" ولا تنافسوا "، وكان قد رواه كذلك بالإدراج عن مالك، وأخطأ فيه، دخلت عليه هذه اللفظة من حديث أبي هريرة، انظر بيانه في تعليقي على كتاب " المقنع في علوم الحديث " لابن الملقن (1/ 230 _ 231).
الصورة الثالثة: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان كل منهما بإسناد يخصه، فيرويهما راو عنه بأحد الإسنادين، أي يدخل متن أحدهما على إسناد الآخر.
وهذه من صور دخول حديث في حديث، وشرحت مثالها في (النقد الخفي)، وهي غير الصور المتقدمة في (القلب).
الصورة الرابعة: أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض، فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن الحديث فيرويه بذلك الإسناد.
ومثال هذا ما وقع لثابت بن موسى الزاهد، قال ابن حبان:" روى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار "، وهذا قول شريك، قاله في عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد)، فأدرج ثابت بن موسى في الخبر، وجعل قول شريك كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سرق هذا من ثابت بن موسى جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك "(1).
قلت: وهذا ضعف بين وغفلة ظاهرة، كانت من أسباب ضعف ثابت هذا في الحديث.
قال أبو الأصبغ محمد بن عبد الرحمن بن كامل (وكان ثقة): قلت لمحمد بن عبد الله بن نمير: ما تقول في ثابت بن موسى؟ قال: " شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة "، قلت: ما تقول في حديث جابر: " من كثر صلاته بالليل؟ " فقال: " غلط من الشيخ، وأما غير ذلك فلا يتوهم عليه "(2).
(1) المجروحين (1/ 207)، وانظر: الإرشاد، للخليلي (1/ 171)، انظر كذلك قصة ثابت هذا في " المدخل إلى الإكليل " للحاكم (ص: 63) .......
(2)
أخرجه الحاكم في " المدخل إلى الإكليل "(ص: 63) بإسناد صحيح.