الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواز رؤية الله في الدنيا عقلا، ومنعها شرعا
.
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف 143].
• قال السمعاني رحمه الله: " وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يرى، لأنه لم يعلق الرؤية بما يستحيل وجوده، لأن استقرار الجبل مع تجليه له غير مستحيل، بأن يجعل له قوة الاستقرار مع التجلي ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية جواز رؤية الله عز وجل في الدنيا، ووجه الاستنباط أن الله علق رؤيته بأمر غير مستحيل وهو استقرار الجبل مستنداً السمعاني على القاعدة الأصولية " تعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه "
(2)
.
الموافقون:
وافق السمعاني على القول بجواز رؤية الله بعض المفسرين لما استند عليه السمعاني من تعليق الرؤية بأمر جائز غير مستحيل، قال الخازن: " وفي الآية دليل على أنه سأل الرؤية فلو كانت الرؤية ممتنعة على الله تعالى لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام فحيث سألها علمنا أن الرؤية جائزة على الله تعالى، وأيضاً فإن الله عز وجل علق رؤيته على أمر جائز والمعلق على الجائز جائز فيلزم من ذلك كون
(1)
تفسير السمعاني (2/ 212).
(2)
انظر: البرهان في أصول الفقه للجويني (1/ 90).
الرؤية في نفسها جائزة وإنما قلنا ذلك لأنه تعالى علق رؤيته على استقرار الجبل ".
(1)
وممن قال بذلك أيضاً: الماوردي، والبيضاوي، وأبو السعود، والشنقيطي.
(2)
المخالفون:
خالف ابن عاشور السمعاني بالقول بعدم جواز رؤية الله بالكلية في الدنيا بحجة علم الله سبحانه بإنتفاء الجبل وعدم استقراره كلياً، قال رحمه الله:" وعلق الشرط بحرف (إن) لأن الغالب استعمالها في مقام ندرة وقوع الشرط أو التعريض بتعذره، ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوما لله انتفاؤه، صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى جائزة عليه تعالى، خلافاً لما اعتاد كثير من علمائنا من الاحتجاج بذلك ".
(3)
وقد وافقه الألوسي، والشوكاني، ومحمد أبو زهرة على ذلك.
(4)
النتيجة:
ماذهب إليه السمعاني ومن وافقوه هو الأقرب للصواب، وذلك لأن حجة المخالف لا تعدو إلا أن تكون ظنية، وليس لها مستند ولا دليل، لأنها لما كانت الرؤية ممتنعة شرعا بينت نصوص القرآن كما في هذه الآية، وغيرها مما ثبت في السنة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)
(4)
، كما أنه لو كانت الرؤية ممتنعة عقلا لما جعل الله موسى أمام أمرين، بدا لموسى أنه قد يحصل هذا أو هذا
(5)
. والله أعلم.
(1)
لباب التأويل (2/ 245).
(2)
انظر: النكت والعيون (2/ 257)، وأنوار التنزيل (3/ 57)، وإرشاد العقل السليم (3/ 38)، وأضواء البيان (3/ 10).
(3)
التحرير والتنوير (8/ 276).
(4)
انظر: روح المعاني (5/ 47)، وفتح القدير (3/ 88)، وزهرة التفاسير (1/ 2616).
(5)
رواه النسائي في سننه - كتاب التعبير - باب المعافاة والعقوبة - حديث 7764 (4/ 419). قال الألباني حديث صحيح، انظر: الجامع الصحيح وزيادته (1/ 408).
(5)
انظر: أضواء البيان للشنقيطي (3/ 10).