الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخصيص ملك الله ليوم الدين بالذكر دون غيره لظهور ملكه وانقطاع أملاك الآخرين
.
قال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة 4].
• قال السمعاني رحمه الله: " والمراد بيوم الدين: يوم القيامة، فإن قال قائل: لم خص يوم الدين بالذكر، والله تعالى مالك الأيام كلها؟ يقال: إنما خصه لأن الأمر في القيامة يخلص له، كما قال: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}، وأما في الدنيا للملوك أمر، وللمسلمين أمر، وللأنبياء أمر ".
(1)
الدراسة:
لما خصّ الله ملكه ليوم الدين دون سائر ما يملك، مع عظمة أملاكه سبحانه، وكثرتها، استنبط السمعاني من هذا التخصيص أن سببه إظهارٌ لملكه سبحانه وانقطاعٌ لأملاك الآخرين يوم القيامة.
قال السمرقندي: " فإن قيل ما معنى تخصيص يوم الدين وهو مالك لغيره؟ قيل له إن في الدنيا كانوا منازعين له في الملك، مثل فرعون، ونمرود، وغيرهما، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه".
(2)
وقد أشار البغوي في استنباطه لهذه الآية إلى عين ما استنبطه السمعاني وذلك بقوله رحمه الله: " وإنما خصّ يوم الدين بالذكر مع كونه مالكًا للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر إلا له، قال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
(1)
تفسير السمعاني (1/ 37).
(2)
بحر العلوم (1/ 42).
لِلرَّحْمَنِ} وقال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وقال: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} ".
(1)
وممن قال بذلك من المفسرين: ابن جرير، والقرطبي، وابن كثير، وابن عادل الحنبلي، وحقي
(2)
.
(3)
وقد ذهب بعض أهل التفسير إلى مجموعة من الاستنباطات من سبب هذا التخصيص، أهمها مسألة عقدية، وهو أن تخصيص يوم الدين فيه إثبات لبعث العباد من قبورهم، والقيام بحشرهم، ومجازاتهم، قال أبو حيان: "وفي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إثبات المعاد، والحشر، والحساب، ولما اتصف تعالى بالرحمة انبسط
(1)
معالم التنزيل (1/ 14).
(2)
هو: أبو الفداء إسماعيل حقي بن مصطفى الحنفي الخلوتي، صوفي، مفسر، تركي الأصل، ومستعرب، ولد في آيدوس وسكن القسطنطينية، وانتقل إلى بروسة، وكان من أتباع الطريقة (الخلوتية) فنفي إلى تكفور طاغ، وأوذي، وعاد إلى بروسة فمات فيها عام 1127 هـ، له كتب عربية وتركية، فمن العربية: روح البيان في تفسير القرآن، ويعرف بتفسير حقي، والرسالة الخليلية، والأربعون حديثاً. انظر: الأعلام للزركلي (1/ 313).
(3)
انظر: جامع البيان (1/ 94)، والجامع لأحكام القرآن (1/ 143)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 157)، واللباب في علوم الكتاب (1/ 194)، وروح البيان (1/ 13). وقد ذهب ابن جرير إلى أن قراءة (ملك) تؤيد هذا المعنى المستنبط ولا تخالفه، وقد قرأ عاصم والكسائي ويعقوب " مالك"، وقيل أنها أبلغ لأن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى فكل مالك ملك ولا عكس، ولأن ثواب تالِيها أَكثر من ثواب تالي " ملِك ". وقرأ بقية السبعة "ملك". انظر: جامع البيان (1/ 94)، والحجة للقراء السبعة للفارسي (1/ 7).
العبد، وغلب عليه الرجاء، فنبّه بصفة الملك أو المالك ليكون من عمله على وجل، وأن لعمله يوماً تظهر له فيه ثمرته".
(1)
وذهب بعض المفسرين أن إضافة يوم الدين لملكه سبحانه لها أيضاً معنىً آخر وإن كان لا يعارض المعاني الأولى المستنبطة بقولهم أن تخصيص الملك ليوم الدين لعظمةِ ذلك اليوم وشدّةِ هوله وما يحصل فيه من بعث العباد وحشرهم ومحاسبتهم. قال ابن عطية: " لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه ".
(2)
وممن ارتضى هذا القول من المفسرين: أبو حيان، وأبو السعود.
(3)
وبعد النظر فيما ذكره المفسرون يمكن أن نجمع بين الاستنباطات فيكون تخصيص ملك الله ليوم الدين بالذكر من بابِ إظهارِ ملكه في ذلك اليوم وانقطاع أملاك الآخرين، كما قال تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} ،وكذلك لما فيه من إثبات بعث العباد، ومجازاتهم، وحسابهم، وكذلك لعظم هذا اليوم وما يقع فيه من أمورٍ جسام، وأهوالٍ عظام، وعلى هذا فلا منافاة بين الاستنباطات، والله أعلم.
(1)
البحر المحيط (1/ 9).
(2)
المحرر الوجيز (1/ 42).
(3)
انظر: درج الدرر في تفسير الآي والسور (1/ 87)، والبحر المحيط (1/ 9)، وإرشاد العقل السليم (1/ 15).