الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبطال معتقد طائفة القدرية في القدر
.
قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة 5].
• قال السمعاني رحمه الله: " وقوله تعالى: {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} فيه بيان أن الهداية من الله تعالى ومن كلامه كما هو مذهب أهل السنة ".
(1)
الدراسة:
لما نسب الله سبحانه بأن جعل الهداية من عنده، بأن يوفق إليها من شاء ويحرمها ممن يشاء، استنبط السمعاني استنباطاً عقدياً، مضمونه الرد على مذهب المعتزلة، والقدرية
(2)
، والذي يدور أصلهم تجاه أفعال العباد بأن العبد يخلق فعل نفسه، وأن الله ليس له مشيئة في أفعال خلقه.
قال القرطبي: " في قوله تعالى: {مِنْ رَبِّهِمْ} رد على القدرية في قولهم: يخلقون إيمانهم وهداهم، تعالى الله عن قولهم ولو كان كما قالوا لقال:(مِنْ أَنْفُسِهِمْ).
(3)
(1)
تفسير السمعاني (1/ 45).
(2)
القدرية: هم الذين زعموا أن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم، وأنه ليس لله عز وجل في إكسابهم ولا في أعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير، ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية، وهي تسمية سلبية لنفيهم القدر، وأول من نفى القدر معبد الجهني في عصر الصحابة رضي الله عنهم. انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (1/ 93)، والفصل في الملل والنحل (3/ 55)، والموسوعة الميسرة (3/ 114).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 181).
وقال حقي: " وفي الآية دليل على أن العبد لا يهتدي بنفسه إلا بهداية الله تعالى ألا ترى أنه قال: {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} وهو ردٌّ على المعتزلة فإنهم يقولون: العبد يهتدي بنفسه.
(1)
وليس هناك ثمة اختلاف كبير بين القدرية والمعتزلة فالقدرية يقولون بأن الله لم يقدر هذه الأشياء وإنما الناس هم الذين يفعلونها ويستقلون بإيجادها وخلقها " كل يخلق فعل نفسه "، وبقولهم هذا يكونون ضلالا لأنهم أنكروا خلق الله، أما المعتزلة فقالوا بأن الله لم يخلق أفعال العباد وإنما هم الذين خلقوها ".
(2)
وقد كان طائفة الجبرية
(3)
على النقيض الآخر حيث قالوا أن العبد مجبور على أفعاله وأنه ليس له حول ولا قوة.
قال الشيخ صالح الفوزان: " وأهل السنة والجماعة وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، فالجبرية: نسبة إلى الجبر لأنهم يقولون إن العبد مجبور على فعله، فهم غلوا في إثبات أفعال الله حتى نفوا أفعال العباد، وزعموا أنهم لا يفعلون شيئًا وإنما الله هو الفاعل والعبد مجبور على فعله فحركاته وأفعاله كلها اضطرارية كحركات المرتعش، وإضافة الفعل إلى العبد مجاز، والقدرية نسبة إلى القدر غلوا في إثبات أفعال العباد فقالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه بدون مشيئة الله
(1)
روح البيان (10/ 395).
(2)
إعانة المستفيد (2/ 254).
(3)
الجبرية: هي طائفة قد غلت في إثبات القدر حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة بل هو في زعمهم لا حرية له، ولا اختيار، ويكفي في رد باطلهم هذا أن ما زعموه فيه اتهام باطل لله عز وجل بالظلم للعباد بتكليفهم مالا قدرة لهم عليه ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم، تعالى الله عن ذلك. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (8/ 118 و 393)، وبدائع الفوائد (4/ 1615)، والملل والنحل (1/ 85)، وشرح العقيدة الواسطية للهراس (187).
وإرادته، فأفعال العباد لا تدخل تحت مشيئة الله وإرادته، فالله لم يقدرها ولم يردها وإنما فعلوها هم استقلالًا، وأهل السنة توسطوا، وقالوا: للعبد اختيار ومشيئة وفعل يصدر منه ولكنه لا يفعل شيئًا بدون إرادة الله ومشيئته وتقديره. قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} . فأثبت للعباد عملا هو من خلق الله تعالى وتقديره. وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ".
(1)
وليس هناك غرابة فقد كان السمعاني رحمه الله شوكا في أعين المخالفين الذين يخالفون ما يعتقده أهل السنة والجماعة وذلك في الرد على الطوائف الضالة وخصوصا القدرية فقد تكرر في تفسيره رحمه الله عدة مواضع فيها في الرد على هذه الطائفة، ولعل السبب أنه مذهبه في الاعتقاد كان على القدرية قبل أن يكون على مذهب أهل السنة والجماعة، فأصبح بعد ذلك ذابا عن معتقد أهل السنة والجماعة، لكن نكتفي بهذه دون سواه لكثرة تكرر استنباطاته في هذا الأمر.
(2)
(1)
شرح الواسطية للفوزان (1/ 90). وللاستزادة انظر الإيمان الكبير (2/ 402)، شرح لامية بن تيمية (18/ 11).
(2)
وردت عدة آيات أثبت فيها السمعاني أن فيها رد على القدرية. انظر: تفسير السمعاني (1/ 256)، (2/ 134)، (2/ 183)، (2/ 234)، (2/ 318)، (2/ 406)، (3/ 82)، (3/ 246)، (5/ 141).