الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدأ بذكر الزانية قبل الزاني عند ذكر حدهما لئلا يرق عليهن عند الحد أو لأن الشهوة عندهن أكثر
.
قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور 2].
• قال السمعاني رحمه الله: " إنما بدأ بالمرأة، لأن رقة القلب عليهن أكثر، فبدأ بهن لئلا يترك إقامة الحد عليها، ويكون أمرها لهم، ومنهم من قال: لأن الشهوة فيهن أكثر، والزنا نتيجة الشهوة وهذا قول حسن ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطين، وذلك في سبب تقديم خبر حد الزانية على حد الزاني، وذكر أن في ذلك سرًّا، ثم ساق رحمه الله أسباب تقديم الزانية على الزاني على قولين، وحسَّن القول الثاني وارتضاه.
القول الأول: ذكر أن سبب تقديم حكم الحد للمرأة قبل الرجل، أن المرأة يشفق عليها، ويرفق بها، فيرق القلب لضعفها أمام هذا الحد الصعب.
وقد وافق السمعاني على هذا بعض المفسرين، قال صاحب زهرة التفاسير:" ونقول في تعليل ذلك - أي تقديم الزانية على الزاني - أن العقوبة قاسية، وقد قدمت المرأة لكيلا يمتنع أحد عن إقامة الحد بدعوى ضعفها، والشفقة عليها والرفق بها، لأنها من القوارير".
(2)
(1)
تفسير السمعاني (3/ 498).
(2)
زهرة التفاسير (1/ 5138).
القول الثاني: وهذا القول هو الذي ارتضاه السمعاني، وحسنه، وهو أن سبب تقديم المرأة على الرجل أن المرأة تكون فيها الشهوة أكثر من الرجل فلهذا ابتدأ بها حتى ترتدع.
وقد وافق السمعاني على هذا جمع من المفسرين مع زيادة بعضهم أن المرأة هي التي بيدها الحل والربط في تمكين الرجل منها أو عدمه، من تعرضها له، قال السمرقندي:"بدأ بالنساء، لأن الزنى في النساء أكثر، وهنَّ الفاتنات للرجال "
(1)
. وقال في موضع آخر: " إنما بدأ بالمرأة، لأنها أحرص على الزنى من الرجال، ويقال: لأن الفعل ينتهي إليها، ولا يكون إلا برضاها ".
(2)
وقد أشار إلى ذلك من المفسرين: الماوردي، وابن العربي، وابن عطية، والزمخشري، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، وابن عاشور، وغيرهم.
(3)
ومما سبق يتبين أنه لا منافاة بين ما استنبط، فالمرأة ضعيفة بحيث أنه قد يرق عليها عند إقامة الحد عليها، وأيضا تعرضها للرجل أكثر لكون شهوتها أشد فلهذا قدمت على الرجل، والله أعلم.
وقد ذكر ابن القيم أيضا أوجها أخرى في سبب تقديم المرأة على الرجل غير ما ذكر قال رحمه الله: " وهذا في غاية المناسبة - أي تقديم الزانية على الزاني- لأن الزنى من المرأة أقبح منه بالرجل، لأنها تزيد على هتك حق الله إفسادَ فراش بعلها، وتعليق نسب من غيره عليه، وفضيحة أهلها وأقاربها والجناية على محض حق
(1)
بحر العلوم (1/ 473).
(2)
بحر العلوم (3/ 196).
(3)
انظر: النكت والعيون (4/ 71)، وأحكام القرآن لابن العربي (5/ 480)، والمحرر الوجيز (5/ 46)، والكشاف (3/ 212)، وأنوار التنزيل (4/ 172)، ومدارك التنزيل (1/ 287)، والتسهيل لعلوم التنزيل (3/ 58)، والتحرير والتنوير (18/ 118).
الزوج وخيانته فيه وإسقاط حرمته عند الناس، وتعييره بإمساك البغي، وغير ذلك من مفاسد زناها، فكان البدأ بها في الحد أهم "
(1)
.
وبالاستنباطات التي ذكرها السمعاني وأيدها المفسرون من بعده ومن قبله، والاستنباطات الأخرى التي ذكرها بعض المفسرين، تبيَّن من بعد ذلك سلامة استنباط السمعاني، والله أعلم.
(1)
زاد المعاد (5/ 377)، وقد ذكر بعض المفسرين أيضا أن المرأة أعر وأشنع بحملها لولد الزنى دون الرجل، انظر: أحكام القرآن لابن العربي (5/ 480)، والمحرر الوجيز (5/ 46)، وفتح القدير (5/ 183).