‌تأخير الاستعانة بعد العبادة دليل احتياجها أثناء العبادة وبعدها وليس قبلها فحسب - استنباطات السمعاني في كتابه «تفسير القرآن» ومنهجه فيها

‌

‌تأخير الاستعانة بعد العبادة دليل احتياجها أثناء العبادة وبعدها وليس قبلها فحسب

.

قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة 5].

• قال السمعاني رحمه الله: " وقدَّم العبادة على الاستعانة لأنه يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، ونحن بحمد الله نجعل الاستعانة والتوفيق مع الفعل، سواء قرنه به أم أخره جاز ".

(1)

الدراسة:

استنبط السمعاني من هذه الآية مسألةً عقديةً فيها إبطال لأصلٍ من أصول المعتزلة

(2)

، والذي مضمونه يدل على أن الاستطاعة تكون قبل الفعل فحسب ولا استطاعة واستعانة مع الفعل أو بعده سواء كان هذا الفعل - العبادة - أمراً يؤمر به أو نهيا يزجر عن فعله.

وحجّة المعتزلة هؤلاء أن الله تعالى قد مكَّن الإنسان من الاستطاعة، وهذه الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرته عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل، وإلا لكان المأمور بالإيمان غير قادرٍ عليه، فيلزم تكليف ما لا يطاق.

(1)

ولا شك أن ما استنبطه السمعاني من هذه الآية من حيث طلب الاستعانة والتوفيق قبل ومع الفعل هو ما كان عليه مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك لأن أهل السنة والجماعة يلزمون المخالفين بجعل الاستعانة مع الفعل لأن القادر إما أن يصير مأموراً بالفعل قبل حصول الداعي إلى الفعل، أو بعد حصولِه، أما قبل حصول الداعي فمحال، لأن قبل حصول الداعي يمتنع حصول الفعل، فيكون التكليف به تكليفاً بما لا يُطاق، وأما بعد حصولِ الداعي، فالفعل يصيرُ واجب الحصول، فلا يكون في التكليف به فائدةٌ، وإذا كانت الاستطاعة منفيةً في الحالتين، وجب ألا يتوجه التكليف.

(2)

كما أثبت أهل السنة والجماعة أن للعبد استطاعة بمعنى الوسع والقدرة وسلامة الآلات، وهذه قد تتقدم على الفعل أو تقارنه ولا يجب بها الفعل لكن خطاب الشرع مرتبط بها، وأما الاستطاعة التي يجب بها الفعل وهي بمعنى التوفيق فهذه بإرادة الله تعالى وحده وهي التي تقارن الفعل.

(3)

وبهذا يتبين صحة استنباط السمعاني مع سلامة معتقده في تأصيل أصول أهل السنة والجماعة، وإبطال المعتقدات الفاسدة عند الفرق والطوائف الضالة.