الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الشر، إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي ".
(1)
وفقنا الله للعمل الصالح، وجنَّبنا ما يسخطه ويغضبه علينا، والله أعلم.
صحة قبول التوبة بعد القتل عمدا
.
قال تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف 9].
• قال السمعاني رحمه الله: " وقوله: {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} يعني: توبوا بعد أن فعلتم هذا، ودوموا على الصلاح يعف الله عنكم، واستدل أهل السنة بهذه الآية على أن توبة القاتل عمدا مقبولة، فإن الله تعالى ذكر عزم القتل منهم وذكر التوبة ولم ينكر عليهم التوبة بعد القتل، دل أنها مقبولة ".
(2)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطا عقديا بدلالة الالتزام بأن القاتل عمدا له توبة، ووجه استنباطه أن الله ذكر ما دار بين إخوة يوسف من تآمر بعضهم لبعض بقتل أخيهم عمدا والعزم بعد ذلك بالتوبة، ولم ينكر الله عليهم، ففي هذا دلالة على صحة وقبول التوبة بعد قتل العمد.
(3)
(1)
تفسير السعدي ص 387.
(2)
تفسير السمعاني (3/ 10).
(3)
ومما لا يخفى أن هناك خلاف بين أهل العلم تجاه صحة قبول توبة القاتل عمدا من عدمها، فممن قال بأنه لا توبة له، ابن عباس وغيره، استدلالاً بقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} ، قال ابن عباس:(نزلت هذه الآية وهي آخر ما نزل وما نسخها شيء)، وفي رواية:(لقد نزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي)، وروي في ذلك آثار تدل لما ذهب إليه هؤلاء، كما عند الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً). =
وقد ذكر السمعاني من قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} ، وقوله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، أن للقاتل عمدا توبه، واستنباطه ذلك بدلالة مفهوم الموافقة، وذلك لأن الله يتوب على من أشرك إذا تاب، فمن باب أولى التوبة على من فعل دون ذلك وهو القتل العمد.
(1)
وقد وافق السمعاني جمهور المفسرين والفقهاء على هذا الاستنباط، قال الجصاص:" وفي ذلك دليل على أن توبة القاتل مقبولة لأنهم قالوا وتكونوا من بعده قوما صالحين وحكاه الله عنهم ولم ينكره عليهم ".
(2)
وممن ذكر هذا
= أما جمهور الأمة -سلفاً وخلفاً- فيرون أن القاتل له توبةً فيما بينه وبين الله، فإن تاب وأناب وعمل صالحاً بدل الله سيئاته حسنات، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} ، وقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} ، قال أبو هريرة وغيره:(هذا جزاؤه إن جازاه)، والقول الجامع لهذه الأقوال أن هناك حقوق على القاتل منها ما يسقط بعد التوبة ومنها ما لا يسقط، فأما حق أولياء المقتول فإنه يسقط بالقصاص أو بدفع الدية، وأما حق الله جل وعلا فإنه يسقط بالتوبة، ويبقى حق المقتول لابد من أدائه، ولابد أن تؤدى الحقوق إلى أصحابها، لأنه يأتي يوم القيامة ممسكاً قاتله فيقول: يا رب .. اسأل هذا فيم قتلني؟ فهل يضيع حقه؟ لا. لن يضيع حقه. للاستزادة انظر: مجموع الفتاوى (34/ 138)، وشرح كتاب التوحيد للغنيمان (3/ 75).
(1)
انظر: تفسير السمعاني (1/ 464).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 381).