الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاغة التعبير بالخوف دون العلم
.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء 35].
• قال السمعاني رحمه الله: " وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} أي: علمتم، وإنما عبر بالخوف عن العلم، لأن الخوف طرف إلى العلم، فإنه إنما يخاف الوقوع في الشيء للعلم به ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني استنباطاً بلاغياً من سر التعبير بالخوف بدلا عن العلم، وقال بأن الخوف طرف إلى العلم، وإن الشيء لا يخاف الوقوع فيه إلا للعلم به. فيكون وجه استنباطه أنه لم يكن هناك خوف إلا بعد علم.
وقبل أن ندلف إلى صحة هذا الاستنباط من عدمه يجب معرفة معنى تفسير هذه اللفظة {خِفْتُمْ} عند علماء التفسير.
قال ابن عباس: " ومعنى خفتم: أي علمتم، وهذا بخلاف قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}، فان ذلك محمول على الظن، والفرق بين الموضعين أن في الابتداء يظهر له أمارات النشوز فعند ذلك يحصل الخوف وأما بعد الوعظ والهجر والضرب لما أصرت على النشوز، فقد حصل العلم بكونها ناشزة ".
(2)
(1)
تفسير السمعاني (1/ 176).
(2)
انظر: تفسير الطبري (8/ 318).
وقد وافقه على ذلك الطبري، والبغوي، والرازي.
(1)
لكن خالف بعضهم هذا المعنى وخطأوا من قال بأن الخوف هو العلم اليقيني، مؤيدين القول في معنى الخوف بالظنية، والخشية أي إذا ظننتم وخشيتم، وحجتهم أنه لو علم الشقاق لما أحتيج إلى الحكمين.
(2)
لكن أجاب سائر المفسرين على هذا القول بأن وجود الشقاق وإن كان معلوماً، إلا أنا لا نعلم أن ذلك الشقاق صدر عن هذا أو عن ذاك، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى، ويمكن أن يقال: وجود الشقاق في الحال معلوم، ومثل هذا لا يحصل منه خوف، إنما الخوف في أنه هل يبقى ذلك الشقاق أم لا، فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشقاق الثابت في الحال فان ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشقاق في المستقبل.
(3)
من هنا يتبين بعد عرض أقوال أهل العلم أن استنباط السمعاني صحيح لوجود القرائن الدالة على ذلك وذلك بعد استنفاذ دواعي الإصلاح من الوعظ والهجر والضرب، فيتبين بعد ذلك أن الخوف هنا بمعنى العلم، وأنه طرف له، لإصرار الزوجة على النشوز، والله أعلم.
(1)
انظر: تفسير الطبري (8/ 318)، ومعالم التنزيل (2/ 209)، ومفاتيح الغيب (10/ 73).
(2)
انظر مفاتيح الغيب (10/ 73 - 74).
(3)
انظر: المصدر السابق.