الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأخير الاستعانة على العبادة لكونها أحد أنواع العبادة
.
قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة 5].
• قال السمعاني رحمه الله: " وقدم العبادة على الاستعانة لأن الاستعانة نوع تعبد، فكأنه ذكر جملة العبادة، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من سبب تقديم العبادة على الاستعانة بعد المفعول الثاني - إياك - لكونها أحد أنواع العبادة وهي من جملة تفاصيلها، بمعنى أن الله ذكر أحد أفراد العموم، وقد وافقه في ذلك البغوي، والخازن، وابن عادل الحنبلي، وجمع من المفسرين.
(2)
وقد اُسْتنبِط معنىً آخر من تخصيص الاستعانة دون سواها من سائر العبادات وذلك لاحتياج العبد لمعونة الله في سائر عباداته.
قال ابن القيم: " ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله، ومشيئته، وتوفيقه، أمره أن يستعين به ليجتمع له مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته، فأمره بأن يعبده، وأن يستعين به ".
(3)
وقد أشار إلى ذلك ابن بدران
(4)
، والسعدي في تفسيريهما.
(5)
(1)
تفسير السمعاني (1/ 37).
(2)
انظر: معالم التنزيل (1/ 54) ولباب التأويل (1/ 20)، واللباب في علوم الكتاب (1/ 15).
(3)
شفاء العليل (5/ 13).
(4)
ابن بدران: هو الفقيه، المفسر، عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى الدومي، ولد بدوما، وعاش بدمشق، مشارك في أنواع العلوم، له مؤلفات كثيرة منها: جواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار، وشرح سنن النسائي، وغيرها، توفي في دمشق عام 1346 هـ. انظر: الأعلام للزركلي (4/ 162)، ومعجم المؤلفين (5/ 283).
(5)
انظر: جواهر الأفكار ص 40، وتفسير السعدي ص 39.
واستُنبِط أيضاً وجهاً آخر في تخصيص الإستعانة، وذلك بأنّها وسيلةٌ هامةٌ لتحقيق أعظم غاية، وذلك من باب تقديم الغايات على الوسائل.
قال ابن القيم: " وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها والاستعانة وسيلة إليها ".
(1)
ووافقه على ذلك الزمخشري، والبيضاوي والشوكاني.
(2)
ويتبين مما سبق صحّة وجه ما استنبطه السمعاني، وأنه لا يتعارض مع أوجه استنباطات المفسرين من بعده والتي قد جمعها ولخَّصها الخازن في تفسيره.
(3)
(1)
مدارج السالكين (1/ 75). وقد ذكر ابن القيم مواضع اقتران الاستعانة مع العبادة في القرآن فقال: "وهذان الأصلان وهما التوكل والعبادة قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع قرن بينهما فيها هذا أحدها- يعني اياك نعبد وإياك نستعين-، الثاني: قول شعيب لقومه: (وما توفيقي إلا بالله)، الثالث: قوله تعالى (ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه)، الرابع: قوله تعالى حكاية عن المؤمنين: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، الخامس: قوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا)، السادس: قوله تعالى قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب ". مدارج السالكين (1/ 75).
(2)
انظر: الكشاف (1/ 14)، وأنوار التنزيل (1/ 68)، وفتح القدير (1/ 10).
(3)
قال الخازن: " فإن قلت: الاستعانة على العمل إنما تكون قبل الشروع فيه فلم أخر الاستعانة على العبادة وما الحكمة فيه؟. قلت ذكروا فيه وجوها أحدها أن هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل ونحن بحمد الله نجعل التوفيق والاستطاعة مع الفعل فلا فرق بين التقديم والتأخير. الثاني أن الاستعانة نوع تعبد فكأنه ذكر جملة العبادة أولا ثم ذكر ما هو من تفاصيلها ثانيا. الثالث كأن العبد يقول شرعت في العبادة فإني أستعين بك على إتمامها فلا يمنعني من إتمامها مانع. الرابع إن العبد إذا قال إياك نعبد حصل له الفخر وذلك منزلة عظيمة فيحصل بسبب ذلك العجب فأردف ذلك بقوله وإياك نستعين ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة ". لباب التأويل (1/ 20).