الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التزهيد في الحياة الدنيا لكونها متاع، وللترغيب في الآخرة دونها
.
قال تعالى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران 14]
• قال السمعاني رحمه الله: في قوله تعالى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إشارة إلى أنه متاع يفنى، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.
الدراسة:
استنبط السمعاني من قول الحق تبارك وتعالى {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بعد ذكره سبحانه لبعض ملذات الدنيا من النساء والبنين والقناطير المقنطرة والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام، أن هذا المتاع متاع زائل يفنى وأنه ما سمي متاعا إلا لأنه يستمتع به ثم يفنى ويبلى، ثم استنبط من فاصلة الآية وخاتمتها {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} أن في ذلك تزهيد في هذا المتاع المذكور وغيره من أمور الدنيا كلها، وترغيب إلى ما لا يفنى عنده سبحانه في جناته جنات النعيم، نسأل الله من فضله.
وقد وافق السمعاني على ذلك جل المفسرين قال القرطبي من بعده: "وقوله تعالى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى، وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة"
(1)
. وممن قال بذلك من المفسرين البغوي، وأبوحيان، وأبو السعود، وابن القيم،، ومحمد رشيد رضا، وحقي،
(1)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 36).
وغيرهم
(1)
. بل قال بعض المفسرين أن ذكر المتاع إنما هو على سبيل الذم، قال الشنقيطي: "وقد سيق هذا، لا على سبيل الإخبار بالواقع فحسب، بل إن من ورائه ما يسمى لازم الفائدة، وهو ذم من كان حاله، فوجب البحث عن العلاج لهذه الحالة
(2)
".
(3)
واستنبط بعض المفسرين من هذه الآية استنباطا آخر وهو أن في وصف الدنيا بالمتاع الزائل أن فيه ترويح، وتسلية لمن لم يستطع التمتع بهذه الملذات المذكورة في الآية إما لفقر أو لعجز، قال السعدي:"وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها، وتزهيد لأهل العقول النيرة بها ".
(4)
واستنبط غيرهم أن وصف ما عند الله في آخرته ومآب العبد بالحسن دون ضده لبيان أن الجنة مقصودة بذاتها دون النار أجارنا الله وإياكم منها ومن غضبه سبحانه، قال الرازي:" والمآب قسمان: الجنة وهي في غاية الحسن، والنار وهي خالية عن الحسن، ووصف المآب المطلق بالحسن. لأن المآب المقصود بالذات هو الجنة، أما النار فهي المقصود بالغرض، لأنه سبحانه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب "
(5)
، وممن وافقه على ذلك النيسابوري.
(6)
(1)
انظر: معالم التنزيل (2/ 15)، والبحر المحيط (3/ 53)، وإرشاد العقل السليم (1/ 362)، وعدة الصابرين لابن القيم ص 167، وتفسير المنار (3/ 202)، وروح البيان (5/ 251).
(2)
أضواء البيان (8/ 505).
(3)
وممن قال به أيضا، الرازي في تفسيره (7/ 160)، والنيسابوري في تفسيره (2/ 122)، وابن عادل الحنبلي في تفسيره (1/ 993)، وغيرهم.
(4)
تفسير السعدي ص 123.
(5)
مفاتيح الغيب (7/ 172) بتصرف يسير.
(6)
انظر: رغائب القرآن (2/ 122).
يؤيد ما قاله قوله سبحانه في الحديث القدسي (سبقت رحمتي غضبي).
(1)
مما سبق يتبين أنه لا تصادم بين الاستنباطات بل بعضها يقوي بعض، فوصف الدنيا بأنها متاعٌ زائل، وأن حسن المآب إنما يكون عند الوفود على الله، وغيرها، كلها تزيد العبد زهداً في هذه الدنيا الفانية، وقرباً إلى الله بأنواع الطاعات، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير- باب تفسير بل هو قرآن مجيد - حديث 7114 (6/ 2745).