الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطلان معتقد من فرق بين أجل الميت والمقتول
.
قال تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران 154]
• قال السمعاني رحمه الله: " ومعنى قوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أي: خرج الذين كتب عليهم القتال إلى مصارعهم للموت، وفي هذا دليل على أن الأجل في القتل والموت واحد، كما قال أهل السنة ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطا عقديا فيه الرد على طائفة المعتزلة الذين يقولون: إن المقتول ليس بميت لأن القتل فعل العبد والموت فعل الله سبحانه أي مفعوله وأثر صفته، وأن للمقتول أجلين، أحدهما القتل والآخر الموت، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أجله الذي هو الموت، ولو قتل لقطع عليه أجله الذي قدر الله أن يعيش حتى يصله.
فاستنبط السمعاني من قول الحق تبارك وتعالى: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أن من قدر الله عليه الموت بأحد أسبابه فإنه ملاقيه لا محالة، سواء كان سبب ذلك الموت قتلا أو مرضا أوغرقا أو بدون سبب، وقد أنكر السمعاني القول بأن للإنسان أجلين، وإنما هو واحد والقتل أحد أسبابه.
قال ابن أبي العز: " والمقتول ميت بأجله فعلم الله تعالى وقدر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض وهذا بسبب القتل وهذا بسبب الهدم وهذا بسبب الحرق
(1)
تفسير السمعاني (1/ 369).
وهذا بالغرق إلى غير ذلك من الأسباب والله سبحانه خلق الموت والحياة وخلق سبب الموت والحياة، وقول المعتزلة باطل لأنه لا يليق أن ينسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلا يعلم أنه لا يعيش إليه البتة أو يجعل أجله أحد الأمرين ".
(1)
وقال أبو حيان: " وفي هذا - أي هذه الآية - دليل على أن كل امرئ له أجل واحد لا يتعداه ".
(2)
وقال الألوسي: " وظاهر الآية يؤيد مذهب أهل السنة القائلين بأن المقتول ميت بأجله أي بوقته المقدر له وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل إذ على تقدير عدم القتل لا قطع بوجود الأجل وعدمه فلا قطع بالموت ولا بالحياة ".
(3)
وقد وافق السمعاني في ذلك علماء العقيدة والمفسرين، وممن قال به أبو السعود، والسفاريني
(4)
، والسعدي وغيرهم.
(5)
(1)
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 142).
(2)
البحر المحيط (3/ 71). وقد بين الرازي لإبطال شبهة هؤلاء المعتزلة بالرد عليهم من هذه الآية قال: "ولو قلنا أنه لا يدخل الشيء في الوجود إلا بقضاء الله وقدره، اعترفنا بأن الكافر لا يقتل المسلم إلا بقضاء الله، وحينئذ لا يبقى بين القتل وبين الموت فرق، فيصح الاستدلال أما إذا قلنا بأن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه، كان الفرق بين الموت والقتل ظاهراً من الوجه الذي ذكرتم، فتفضي إلى فساد الدليل الذي ذكره الله تعالى، ومعلوم أن المفضي إلى ذلك يكون باطلا، فثبت أن هذه الآية دالة على أن الكل بقضاء الله. " انظر: مفاتيح الغيب (9/ 425)، وللاستزادة انظر: أيضا اعتقاد أهل السنة للخميس (1/ 162)، وانظر: مقالات الإسلاميين (1/ 408)، وانظر: الفصل في الملل والنحل (3/ 49) الإنتصار في الرد على القدرية والمعتزلة (1/ 241).
(3)
روح المعاني (2/ 290).
(4)
هو محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، أبو العون، عالم بالحديث والأصول والأدب، ولد في سفارين من قرى نابلس، ورحل إلى دمشق، وأخذ عن علمائها، من كتبه: لوامع الأنوار البهية، كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام، توفي رحمه الله سنة 1188 هـ في مدينة نابلس.
(5)
انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 349)، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود (1/ 477)، وتفسير السعدي ص 153. وقد ذكر المعتزلة شبها لتأييد باطلهم بقولهم أن الأحاديث التي وردت في السنة المطهرة كزيادة العمر مثل (من أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه) أن في ذلك إثبات أن له أجلان لكن الله غير ذلك الأجل المقدر له إلى أجل آخر من أجل ذك السبب. ورد عليهم ابن أبي العز مبطلا قولهم قائلا " وقد قدر الله أن هذا يصل رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ولكن قدر هذا السبب وقضاه وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا
…
". انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 142).
يخلص الأمر على سلامة استنباط السمعاني وهذا أمر تنعقد عليه قلوب أهل السنة والجماعة بأن الله قد كتب الآجال وقدرها وأن من مات أو قتل فقد استوفى رزقه وأجله، كيف لا والحق يقول:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} بل وإن القول بقول المعتزلة يقدح في علم الله بتقديره لآجال عباده.
ويؤيده أيضا قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وأيضا قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .
وليس هذا بغريب من هذا العالم الجليل - السمعاني - فهو كعادته يسبر الدليل فيرد على من خالف معتقد أهل السنة والجماعة بنصوص القرآن والسنة. والله أعلم.