الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الحاكم لا يحق باطلا عند العلم ببطلانه
.
قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
• قال السمعاني رحمه الله: " ومعنى قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي خلافه، هذا دليل على من يقول بنفوذ القضاء ظاهرا وباطنا ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني رحمه الله من هذه الآية عدم جواز أكل أموال الناس بالباطل بعد قضاء الحكام مع العلم ببطلان حجة المحكوم له بطلانا والتي قضى بها القاضي لما ظهر له من البينة، أو حكم القاضي ظلما على الطرف الآخر لأجل رشوة أو قرابة أو غير ذلك. وقد وافق السمعاني جمهور العلماء وأئمة الفقهاء والمفسرين بإجماعهم أنه لا ينفذ القضاء ظاهرا وباطنا في الأموال والدماء والفروج، إنما يلزم في الظاهر فحسب، إلا أن أبا حنيفة قال بنفوذ القضاء ظاهرا وباطنا في الفروج فحسب، قال ابن كثير مؤيداً هذا الاستنباط: " فدلت هذه الآية الكريمة، أنّ حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يُحلّ في نفس الأمر حرامًا هو حرام، ولا يحرم حلالا هو حلال، وإنما هو يلزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجرُه وعلى المحتال وزْره، ولهذا قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا} أي: طائفة {مِنْ
(1)
تفسير السمعاني (1/ 190).
أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم ".
(1)
وممن أشار إلى ذلك من المفسرين: القرطبي، وأبو حيان، وحقي، ومحمد رشيد رضا.
(2)
واستنبط بعض المفسرين من دلالة مفهوم المخالفة استنباطا سليما، في أنه في حالة عدم العلم ببطلان الحجة أنه يجوز نفوذ القضاء ظاهرا وباطنا، ولا إثم في ذلك، قال أبو حيان:" وفي قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} دلالة على أن من لم يعلم أنه آثم، وحكم له الحاكم بأخذ مال، فإنه يجوز له أخذه، كأن يلقى لأبيه ديناً وأقام البينة على ذلك الدين، فحكم له به الحاكم، فيجوز له أخذه وإن كان لا يعلم صحة ذلك، إذ من الجائز أن أباه وهبه، أو أن المدين قضاه، أو أنه مكره في الإقرار، لكنه غير عالم به بأنه مبطل فيما يأخذه، والأصل عدم براءة المقرّ، وعدم إكراهه، فيجوز له أن يأخذه ".
(3)
ووافقه على ذلك الجصاص، والألوسي.
(4)
ويخلص الأمر على سلامة استنباط السمعاني في عدم نفوذ القضاء ظاهرا وباطنا عند العلم ببطلانه.
ولا أصرح ولا أدل في التحريم بعد هذه الآية الكريمة إلا ما رواه الأئمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها)
(5)
. والله أعلم.
(1)
تفسير القرآن العظيم (1/ 521).
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (2/ 337)، والبحر المحيط (2/ 26)، وروح البيان (1/ 412)، وتفسير المنار (2/ 160).
(3)
البحر المحيط (2/ 26).
(4)
انظر: أحكام القرآن (1/ 316)، وروح المعاني (1/ 466).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المظالم - باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه - حديث 2326 (2/ 867).