الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة وجود الجنة في السماء وأسبقية خلقها
.
قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم 13 - 15]
• قال السمعاني رحمه الله: " وفي الآية دليل على أن الجنة في السماء وأنها مخلوقة، ومن زعم أنها غير مخلوقة فهو كافر بهذه الآية ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطين كلاهما عقدية، الأول: وجود الجنة في السماء وذلك حينما عرج به عليه الصلاة والسلام إلى السماء السابعة، والآخر: القول بسبق خلق الجنة وهو الذي عليه مصب حديثنا، وقد استدلَّ بهذا لإبطال معتقد فاسد من معتقدات المعتزلة، والقدرية، الذين قالوا بأن الجنة والنار لم تخلق بعد، ووجه استدلاله أنه لو كانت الجنة لم تخلق لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى في الجنة، عندما أسري به عليه الصلاة والسلام، بل وفي هذا العروج إلى السماء، ورؤية جبريل في الجنة، دليل أن الجنة في السماء.
وما كان عليه السمعاني هو الموافق لمعتقد أهل السنة والجماعة، والذين قالوا بأسبقية خلق الجنة والنار لعموم النصوص الدالة على ذلك سواء من القرآن أو من السنة المطهرة كقوله تعالى عن الجنة:{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقوله تعالى:{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} ، وعن النار: قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ، وقوله
(1)
تفسير السمعاني (5/ 291).
تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا} ، وفي السنة الأحاديث الكثر الدالة على أسبقية خلق الجنة والنار، ومنها ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة).
(1)
وأيضا حديث: (اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لي بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير
(2)
).
(3)
قال ابن أبي العز: " فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة ".
(4)
وعندما خالف المعتزلة والقدرية معتقد أهل السنة والجماعة في قولهم بأسبقية خلق الجنة والنار، فإنه لم تكن لهم حجة إلا أنهم قالوا: أنه لا حاجة إليها، وإنما حاجتهما في الآخرة، فإيجادها قبل وقتها عبث، وقالوا أيضا بأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وينقطع أكلها لقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة.
(5)
ومن صريح الأدلة السابقة واتفاق من سلمت معتقداتهم من أهل السنة والجماعة يتبين سلامة استنباط السمعاني ومن وافقه من جملة المفسرين، وبطلان قول المعتزلة وذلك بأسبقية خلق الجنة والنار.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجنائز - باب الميت يعرض عليه بالغذاة والعشي - حديث 1313 (1/ 464).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدأ الخلق - باب صفة النار وأنها مخلوقة - حديث 3087 (3/ 1190).
(3)
للاستزادة انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 68)، وحادي الأرواح لابن القيم (1/ 11)، وحاشية الشهاب للخفاجي (3/ 62).
(4)
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 420).
(5)
انظر: حادي الأرواح لابن القيم (1/ 11)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 420 - 423)، والمباحث الأصولية (1/ 249).