الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفضيل الأنبياء على الملائكة
.
قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة 31].
• قال السمعاني رحمه الله: " وإنما علَّمه - أي تعليم الله لآدم - ذلك تكريماً وتشريفاً له، وذلك دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة".
(1)
الدراسة:
استنبط أبو المظفر السمعاني من كون تعليم الله سبحانه لآدم الأسماء كلها، وعرض آدم هذه الأسماء على الملائكة، أفضليته على الملائكة، ومن ثم بنى عليها أفضلية الأنبياء على الملائكة، ووجه الاستنباط أن استثناء الله لآدم لتعليمه، وأمره سبحانه لآدم أن يعرض الأسماء على الملائكة فيه دليل على الأفضلية.
الموافقون:
بعد تتبع أقوال علماء العقيدة والمفسرين في كتبهم وتفاسيرهم، نجد أن السمعاني رحمه الله قد وافقه جمهور أهل العلم من علماء السنة مستدلين بنصوص القرآن والسنة بل قالوا بأن صالحي البشر أفضل من الملائكة.
(2)
(1)
تفسير السمعاني (1/ 65).
(2)
انظر: تفسير ابن كثير (2/ 480)، ومجموع الفتاوى (4/ 350)، ولباب التأويل (1/ 36)، والسراج المنير (1/ 46)، وتفسير السعدي ص 48.
قال ابن القيم: " ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة وإن كانت مادتهم نورًا ومادة البشر ترابًا فالتفضيل ليس بالمواد والأصول ولهذا كان العبيد والموالي الذين آمنوا بالله ورسوله خيرا وأفضل عند الله ممن ليس مثلهم من قريش وبني هاشم وهذه المعارضة الابليسية صارت ميراثًا في أتباعه في التقديم بالأصول والأنساب على الإيمان والتقوى ".
(1)
وكان من جملة ما استدل به علماء السنة ظاهر هذه الآية المستنبط منها، وأيضا قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} .
(2)
فسجود الملائكة لآدم دليل أفضليته عليهم.
المخالفون:
انقسموا إلى قسمين منهم المخالف ومنهم المتوقف:
القسم الأول: قسم يقول بتفضيل الملائكة على الأنبياء باستثناء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو أفضل الخلق على الإطلاق وهو اختيار أبي بكر الباقلاني
(3)
وأبي عبد الله الحليمي
(4)
.
(1)
الصواعق المرسلة (3/ 1002).
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 289).
(3)
الباقلاني: هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري البغدادي ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، توفي سنة 403 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (33/ 183).
(4)
الحليمي: هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الحليمي، البخاري، الشافعي، أحد الأذكياء الموصوفين، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، وكان متفننا، سيال الذهن، مناظرا، طويل الباع في الأدب والبيان. ولد بجرجان، وحمل، فنشأ ببخارى، توفي في شهر ربيع الأول، سنة 403 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (33/ 220).
ومن جملة ما استدلوا به قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} فقالوا أن ذلك زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان، أي ولا هؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين، لا يستنكفون عن ذلك فكيف سواهم. وممن قال بهذا الاستنباط الزمخشري.
(1)
ورد عليهم ابن كثير بقوله: " وليس في ذلك دلالة، لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح، لأن الاستنكاف هو الامتناع، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح، فلهذا قال: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل ".
(2)
وزاد الشوكاني بأنه لا يفهم من لغة العرب أن المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه.
(3)
واحتج المخالفون أيضا بقوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} ، لأن المراد من هذه العندية القرب، والشرف، وهذا حاصل لهم لا لغيرهم.
(1)
انظر: الكشاف (1/ 360).
(2)
تفسير القرآن العظيم (2/ 480)
(3)
انظر: فتح القدير (2/ 254).
ورد أهل السنة عليهم بأنه تعالى أثبت هذه الصّفة في الآخرة لآحاد المؤمنين في قوله: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}
(1)
.
واحتج المخالفون بأن عبادات الملائكة أدوم، لأن أعمارهم أطول، فكانت أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام عندما سأله الأعرابي يا رسول الله من خير الناس؟ قال (من طال عمره وحسن عمله) ".
(2)
ورد عليهم بأن نوحا ولقمان والخضر - عليهم الصلاة والسلام - كانوا أطول عمرا من محمد عليه الصلاة والسلام فوجب أن يكونوا أفضل منه، فيصبح قولهم باطل بالاتفاق.
(3)
وقاموا بالرد على من فضل الأنبياء على الملائكة بقولهم بأن تعليم الله لآدم فيه فضلا، وليس أفضلية مطلقة، وأن سجود الملائكة كان امتثالاً لأمر ربهم ولأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يقتضي ذلك التفضيل، لأنهم إنما سجدوا امتثالاً وانقياداً وطاعة له سبحانه، وتكريماً لآدم وتعظيماً، وإظهاراً لما فيه من الفضل، لا على الأفضلية، ولا شك أن للملائكة وصالحي بني آدم أيضا فضلاً
(1)
انظر: المواقف للإيجي (3/ 453)، واللباب في علوم الكتاب (1/ 135)
(2)
رواه الترمذي في صحيحه - كتاب الزهد - باب طول العمر للمؤمن - حديث 2329 (4/ 565) قال عنه الترمذي حديث حسن وقال عنه الألباني حديث صحيح، انظر المرجع السابق والجامع الصغير وزيادته للألباني (1/ 561).
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 480)، والمواقف للإيجي (3/ 453)، واللباب في علوم الكتاب (1/ 135).
عظيماً، بل وقالوا أنه لا يلزم أن يكون المسجود له أفضل من الساجد، ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الأمة.
(1)
القسم الثاني: قسم توقف في المسألة لوجود الأدلة من كلا الفريقين، ومنهم الكيا الهراسي
(2)
، وأثر عن الإمام أبي حنيفة التوقف عن الخوض في هذه المسألة وأيضا أثر عن الطحاوي.
(3)
النتيجة:
بعد معرفة أدلة الموافقين والمخالفين يمكن الجمع بين الأدلة والتوسط بين الموافقين والمعارضين ولا أجمل مما قاله شيخ الإسلام عندما أراد التوسط بين القولين حيث قال: "وصالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهون عما يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر، وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير صالحو البشر أكمل من حال الملائكة
(1)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 289).
(2)
انظر: الحبائك في أخبار الملائك للسيوطي (1/ 58).
(3)
شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/ 297).
".
(1)
وقد وافقه تلميذه ابن القيم بقوله: " وبهذا التفضيل يتبين سر التفضيل، وتتفق أدلة الفريقين، ويصالح كل منهم على حقه ".
(2)
وإلا فالأقرب والأسلم - والله أعلم - أن التوقف عن الخوض في هذه المسألة أفضل من الخوض فيها وذلك لأنه من الأمور التي يسميها أهل العلم فضول العلم، وذلك لما يجري فيها من تصادم النصوص والرد على المعارض بنفس ما استدل به من كلا الفريقين، يؤيد ذلك ما ذكره ابن أبي العز في سبب توقف الإمام الطحاوي عن التعرض لهذه المسألة وذلك لقلة ثمرتها وأنها من الأمور التي لا تعني المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
(3)
.
(4)
وأيضا لما تبعه عليه الشوكاني بعد القول بتفضيل الأنبياء قال: " وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم، ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية؛ بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعني ".
(5)
والله أعلم.
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 350). وللاستزادة: انظر شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين (1/ 325). وأضواء البيان (9/ 51).
(2)
بدائع الفوائد (3/ 684).
(3)
رواه في ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة - كتاب الإيمان - باب ما جاء في صفات المؤمنين - حديث 229 (1/ 466)، قال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن لغيره، انظر المرجع السابق.
(4)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 297).
(5)
فتح القدير (2/ 416).