الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم الخمر لما وصف بأن فيه إثماً
• قال السمعاني رحمه الله: " ولفظ الإثم يدل على التحريم، فإنه حرم الخمر بلفظ الإثم في آية أخرى، حيث قال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} وأراد به الخمر ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني بعد نزول هذه الآية أن شرب الخمر حرام، ووجه الدلالة كون الإثم ناتج منها والإثم لا يخفى على أحد حرمته لأنه حد المحرم وحقيقته، مستنبطا حرمة الإثم من قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} .
الموافقون:
وافق السمعاني على القول بتحريم الخمر من هذه الآية بعض المفسرين مستدلين بهذا الوجه الذي ذكره السمعاني، والتحريم مروي عن ابن عباس.
(2)
قال الجصاص: " هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، ولو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، والإثم
(1)
تفسير السمعاني (1/ 218).
(2)
انظر: اللباب في علوم الكتاب (1/ 703).
كله محرم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} ، فأخبر أن الإثم محرم ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير تأكيدا لحظرها وقوله:{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} لا دلالة فيه على إباحتها، لأن المراد منافع الدنيا وأن في سائر الحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم، إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها ".
(1)
وقد أضاف ابن عادل على قول الجصاص بأن قوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} تصريح برجحان الإثم، وذلك يوجب التحريم، حتى على نحو من قرأ {أَكْبَرُ} بالتثليث
(2)
أي (أكثر) فإن كلاهما يدل على التحريم، فالأول يدل على الكيفية والآخر يدل على الكمية. وقد وافقه على القول بالتحريم، الرازي، وابن جزي
(3)
، والألوسي، ومحمد رشيد رضا.
(4)
المخالفون:
خالف السمعاني في القول بالتحريم للخمر من هذه الآية أكثر المفسرين ومنهم سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، ومقاتل
(5)
، قال القرطبي: " هذه الآية
(1)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 2).
(2)
قرأ بالتثليث (أكثر) حمزة والكسائي وقد بين حجة من قرأ (أكبر) وحجة من قرأ بالتثليث (أكثر). انظر: الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (1/ 96)، وحجة القرآن لابن زنجلة (1/ 132) والجامع لأحكام القرآن (3/ 60)، والبحر المحيط (2/ 106).
(3)
ابن جزي: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن جزي الكلبي عالم مشارك في الفقه واللغة والتفسير له تصانيف منها التسهيل لعلوم التنزيل، وشرح ألفية بن مالك وغير ذلك توفي 785 هـ. انظر: إنباء الغمر (1/ 105) ومعجم المؤلفين (2/ 72).
(4)
انظر: مفاتيح الغيب (6/ 395)، والتسهيل لعلوم التنزيل (1/ 110)، وروح المعاني (1/ 508)، وتفسير المنار (1/ 99).
(5)
انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 597)، وزاد المسير (1/ 212).
نزلت في الذم للخمر لا لتحريمها والحجة الأولى: حديث عمر رضي الله عنه وفيه أنه لو دلت الآية على حرمتها، لما قنع الصحابة حتى نزلت آية المائدة وآية تحريم الصلاة حال السكر
(1)
، والثانية: أن الآية لا تدل على أن شرب الخمر حرام، بل تدل على أن في الشرب إثما لا هي بذاتها، والثالثة: أنه تعالى أثبت أن فيها منافع للناس والمحرم لا يكون فيه منفعة، والرابعة: أنه أخبر أن فيها إثم كبير، فمقتضاه أنَ ذلك الكبير ملازماً لها ما دامت موجودة، ولو كان ذلك سبباً لحرمتها؛ لوجب القول بثبوت حرمتها في سائر الشرائع
(2)
".
(3)
ثم قال القرطبي رادًّا على من قال بالتحريم "وهذا ليس بجيد، لأن الله تعالى لم يسم الخمر إثما في هذه الآية، وإنما قال:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، ولم يقل: قل هما
(1)
قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: ألا يقربن الصلاة سكران. فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلما بلغ:(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا. انظر: مسند الإمام أحمد (1/ 53).
(2)
الجامع لأحكام القرآن (3/ 60).
(3)
وقد رد ابن عادل على هذه الحجج بقوله بأن حصول النفع فيها ليس مانعا من حرمتها، لأن صدق الخاص يوجب صدق العام. وأنا روينا عن ابن عباس أنها نزلت في تحريم الخمر، والتوقف الذي ذكروه غير مروي عنهم، وقد يجوز بطلب الكبار من الصحابة نزول ما هو أكبر من هذه الآية في التحريم كما التمس إبراهيم - صلوات الله عليه - مشاهدة إحياء الموتى، ليزداد سكونا، وطمأنينة. وبأن قوله (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) إخبار عن الحال لا عن الماضي فعلم تعالى أن شرب الخمر مفسدة لهم، وليس مفسدة للذِين من قبلهم. انظر: اللباب لابن عادل (1/ 703).
إثم كبير، وقد قال قتادة: إنما في هذه الآية ذم الخمر، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى وهى آية المائدة وعلى هذا أكثر المفسرين ".
(1)
وممن قال بهذا أيضا من أن الآية للذم لا للتحريم من غير التابعين الذين سبق ذكرهم، ابن العربي، وابن عطية، والخازن، والسعدي، والشنقيطي، والعثيمين.
(2)
بحجة أن الآية للتدرج في التحريم فمبدأها الذم فحسب.
(3)
(1)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 60).
(2)
انظر: أحكام القرآن (1/ 301)، والمحرر الوجيز (3/ 32)، ولباب التأويل (2/ 75)، وتفسير السعدي ص 179، وأضواء البيان (5/ 64)، وتفسير القرآن العظيم لابن عثيمين (1/ 15).
(3)
قال ابن عثيمين حينما بين الحكم في نزول القرآن مفرقا: " ومن الحكم التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: الآية 219) فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه. ثم نزل ثانيا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: الآية 43) فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات، ثم نزل ثالثا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (المائدة: 92) فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات، بعد أن هيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات ". تفسير القرآن العظيم (1/ 15)، وانظر: فتح القدير (2/ 254).
النتيجة:
يظهر بعد استجماع الأدلة رجاحة القول بأنها للذم لا للتحريم، وأن القول بالتحريم قول مرجوح وذلك لعدم صراحة الأدلة بالتحريم وأنه لو كان هناك تحريما للخمر لما صرحت آية نزلت بعد هذه الآية بتحريم شرب الخمر في وقت معين دون سائر الأوقات
(1)
، وأنها نزلت تهيئة للنفوس للتحريم، لا للتحريم أصالة
(2)
، قال ابن العربي:" وهذا إنما كان يصح التعلق به لو كان نزول قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} فلا يقضى عليه من ذلك بتحريم ".
(3)
والله أعلم.
(1)
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: الآية 43).
(2)
ذكره السعدي في تفسيره ص 179، وابن عثيمين في تفسيره (1/ 15).
(3)
أحكام القرآن (1/ 296).