المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريم الخمر لما وصف بأن فيه إثما - استنباطات السمعاني في كتابه «تفسير القرآن» ومنهجه فيها

[فهد بن سعد القويفل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أهداف البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌رسائل قيد الإعداد والمناقشة:

- ‌خطة البحث:

- ‌الخاتمة:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌مفهوم الاستنباط:

- ‌تعريف الاستنباط:

- ‌التعريف بالسمعاني

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌مذهبه العقدي:

- ‌آثاره ومؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌التعريف بكتابه تفسير القرآن العظيم:

- ‌قيمة تفسيره:

- ‌موارده في تفسيره:

- ‌كتب التفسير:

- ‌ما قيل في تفسيره:

- ‌الباب الأول:منهج السمعاني في الاستنباط:

- ‌الفصل الأول:الاستنباط باعتبار الموضوع

- ‌المبحث الأول: الاستنباطات في علوم القرآن

- ‌فوائد التكرار في القرآن الكريم وأسراره:

- ‌أسرار مناسبات الألفاظ:

- ‌المبحث الثاني: الاستنباطات العقدية

- ‌المسلك الأول: استنباطات فيها تقرير مباشر لمسائل العقيدة عند أهل السنة والجماعة:

- ‌المسلك الآخر: وفيه الرد على الطوائف الضالة بنصوص القرآن المبطلة لاعتقاداتهم الفاسدة:

- ‌المبحث الثالث: الاستنباطات الأصولية

- ‌المبحث الرابع: الاستنباطات الفقهية

- ‌ومن الأمثلة على الاستنباطات الفقهية:

- ‌المبحث الخامس: الاستنباطات التربوية السلوكية

- ‌الفصل الثاني:الاستنباط باعتبار ظهور المعنى وخفائه وباعتبار الإفراد والتركيب

- ‌المبحث الأول:الاستنباط باعتبار ظهور النص المستنبط، وخفائه

- ‌الاستنباط من النصوص ظاهرة المعنى

- ‌الاستنباط من النصوص خفية المعنى:

- ‌المبحث الثاني: الاستنباط باعتبار الإفراد والتركيب

- ‌ النوع الأول نجده كثيرا في استنباطات السمعاني ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌النوع الثاني: الاستنباط باعتبار التركيب:

- ‌الفصل الثالث:دلالات وطرق الاستنباط عند أبي المظفر السمعاني في تفسيره

- ‌المبحث الأول: الاستنباط بدلالة النص(1)(مفهوم الموافقة):

- ‌المبحث الثاني: الاستنباط بدلالة المفهوم(1)(مفهوم المخالفة):

- ‌المبحث الثالث: الاستنباط بدلالة الالتزام:

- ‌المبحث الرابع: الاستنباط بدلالة التضمن:

- ‌المبحث الخامس: الاستنباط بدلالة الاقتران:

- ‌المبحث السادس: الاستنباط بدلالة المطرد من أساليب القرآن

- ‌الفصل الرابع:أساليب الاستنباط عند أبي المظفر السمعاني في تفسيره، ومميزاته

- ‌المبحث الأول:أساليب الاستنباط عند أبي المظفر السمعاني في تفسيره

- ‌سار السمعاني في استنباطاته على عدة أساليب ومنها:

- ‌المبحث الثاني:مميزات الاستنباط عند أبي المظفر السمعاني في تفسيره

- ‌الباب الثاني:جمع ودراسة الاستنباطات عند أبي المظفر السمعانيفي تفسيره من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس

- ‌تخصيص ملك الله ليوم الدين بالذكر دون غيره لظهور ملكه وانقطاع أملاك الآخرين

- ‌تأخير الاستعانة بعد العبادة دليل احتياجها أثناء العبادة وبعدها وليس قبلها فحسب

- ‌تأخير الاستعانة على العبادة لكونها أحد أنواع العبادة

- ‌تكرار المفعول (إياك) للاختصاص والتفخيم

- ‌تخصيص المتقين بالذكر للتشريف ولانتفاعهم دون سواهم

- ‌إبطال معتقد طائفة القدرية في القدر

- ‌بطلان معتقد المرجئة، والكرامية في مسألة الإيمان

- ‌عظمة النار كون وقودها الناس والحجارة

- ‌حقيقة أسبقية خلق النار وإبطال معتقد من خالف ذلك

- ‌تخصيص إعداد النار للكفار دليل على أن الموحدين لا يخلدون فيها

- ‌تفضيل الأنبياء على الملائكة

- ‌جواز النسخ في القرآن ووقوعه

- ‌تكرار الآيتين إما لاختلاف المخاطب، أو للتأكيد بأنه لا ينفع الإنسان إلا عمله وذلك لقطع التعلق بالمخلوقين

- ‌القتل لا يقطع أخوة الدين

- ‌بلاغة التعبير بالخوف دون العلم

- ‌لفظ معدودات يدل على التيسير

- ‌حكم الحاكم لا يحق باطلا عند العلم ببطلانه

- ‌دلالة وجوب العمرة

- ‌تحريم الخمر لما وصف بأن فيه إثماً

- ‌تحريم نكاح المؤمنات للمشركين

- ‌إبطال جواز إتيان النساء في غير فروجهن

- ‌جواز عقد النكاح بدون تسمية المهر

- ‌وجوب إعطاء المتعة لكل المطلقات

- ‌تنوع الكسب إلى طيب وخبيث وأن الطيب هو الحلال، والخبيث هو الحرام

- ‌جواز الرهن في الحضر وعند وجود الكاتب

- ‌جواز تكليف العباد ما لا يطيقونه

- ‌التزهيد في الحياة الدنيا لكونها متاع، وللترغيب في الآخرة دونها

- ‌عموم وشمولية التذكير دون التأنيث عند أمر الله لمريم بالركوع

- ‌بطلان معتقد من فرق بين أجل الميت والمقتول

- ‌بيان القدرة، والمنة في خلق البشر من نفس واحدة

- ‌الربيبة تحرم على زوج الأم ولو لم تكن في حجره

- ‌بطلان نكاح إماء أهل الكتاب

- ‌سؤال الله من فضله يوجب حرمة الحسد

- ‌فرضية الجهاد على الكفاية

- ‌لا يلزم مضي الشفاعة للحصول على أجرها

- ‌القعود مع المستهزئين مع الكراهية لا يوجب الكفر

- ‌بلاغة التعبير بالضمير (مع) وذلك لإغاظة المنافقين

- ‌عدم المؤاخذة قبل الإنذار

- ‌المانع من عدم المغفرة للكفار قضاء الله، وإلا فرحمته وسعت كل شيء

- ‌الابتداء بالرجال قبل النساء عند ذكر حد السرقة لقوتهم، وجراءتهم

- ‌جواز الاجتهاد في الأحكام

- ‌تخصيص السموات والأرض لعظم خلقهما، وتعدد منافعهما

- ‌بلاغة التعبير باللمس دون الرؤية

- ‌مشروعية حمد الله على هلاك الكفار

- ‌التعبير بالذوق يدل على عدم التمتع بالأكل

- ‌أسبقية ثبوت ستر العورة من عهد آدم عليه السلام

- ‌السواسية في الضلال للجاهل بكفره والمعاند

- ‌دلالة موت الجن كالإنس

- ‌طلب غوث الكفار بإفاضة الماء دليل عذاب الجوع والعطش عليهم

- ‌تكرار الأربعين بعد ذكر الثلاثين والعشر لقطع الأوهام عن الزيادة

- ‌جواز رؤية الله في الدنيا عقلا، ومنعها شرعا

- ‌إثبات صفة الكلام لله عز وجل، لأنها من خصائص الألوهية

- ‌إبطال معتقد المرجئة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌عدم الجواز لأي أحد بأن يصف نفسه بكونه مؤمناً حقاً

- ‌شدة بصيرة الكفار في غيهم وضلالهم

- ‌التكرار يدل على اختلاف المخاطبين في الهجرة

- ‌الاستغفار سبعين مرة لإثباتِ اليأس من المغفرة، وإلاّ فلا مفهوم له

- ‌دلالة وجوب قبول خبر الواحد

- ‌تخصيص الوفاة بالذكر للتهديد والتخويف

- ‌دلالة طلب قوم نوح منه عليه السلام أن يطرد المؤمنين

- ‌تخصيص الناصية بالذكر للإذلال والخضوع

- ‌الاستعجال بإكرام الضيف من أدب الضيافة

- ‌دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته

- ‌لا حصول على طاعة إلا بتوفيق من الله

- ‌صحة قبول التوبة بعد القتل عمدا

- ‌دلالة نزع قميص يوسف حين ألقوه إخوته في البئر

- ‌وقوع المؤمن في المعصية دلالة جهالته آنذاك

- ‌دلالة يقين يعقوب عليه السلام بأن الذئب لم يأكل ابنه يوسف عليه السلام

- ‌بلوغ سن التكليف لإخوة يوسف إبان فعلتهم بأخيهم يوسف عليه السلام

- ‌دلالة تحريم الفرح بزهرة الحياة الدنيا والركون إليها

- ‌دلالة الآية على تعليم الصبر على الأذى

- ‌فضل سورة الفاتحة لتخصيصها من سائر سور القرآن

- ‌ذكر نفي العلم يدل على غلبته وإلا فإنه لا يذهب كله

- ‌تخصيص ذكر نعمة الجبال، والظلال، والسرابيل، والأصواف، والأوبار لاستشعارهم إياها

- ‌جواز اتباع الفاضل للمفضول

- ‌تخصيص البحر لأن الهلاك فيه آكد

- ‌بقاء المسكين على مسكنته مع تملكه، إذا لم يقم ما يملك كفايته

- ‌تخصيص السلام حال الولادة، والموت، والبعث لأنها أشد الأحوال وحشة

- ‌دلالة ورود البر والفاجر على النار

- ‌تحريم الاستمناء باليد

- ‌تخصيص النخيل والأعناب كونها أكثر قوت وفاكهة للعرب

- ‌تخصيص شجرة الزيتون لأنها شجرة مأكولة، ولا تحتاج لمعاهدة

- ‌عظم ذنب الاستهزاء بالناس لكونه من كبائر الذنوب

- ‌البدأ بذكر الزانية قبل الزاني عند ذكر حدهما لئلا يرق عليهن عند الحد أو لأن الشهوة عندهن أكثر

- ‌وجوب إجابة دعوة القاضي عند الحكم بين المتخاصمين

- ‌تخصيص الأوقات الثلاثة بالاستئذان لتكشف الناس فيها

- ‌استعمال الأدب في نسبة ابراهيم عليه السلام المرض لنفسه، ونسبة الشفاء إلى الله

- ‌إتيان موسى عليه السلام بما يصطلون أهله به دليل أنهم في زمن الشتاء

- ‌كراهية قتل النمل

- ‌وجوب تثبت الإنسان فيما يخبر به

- ‌تخصيص حال المضطر دون سواه لشدة خضوعه ورغبته في إجابة الدعاء

- ‌جواز موافقة الهوى للحق

- ‌تخصيص أوقات التسبيح فيه إشارة إلى الصلوات الخمس

- ‌تخصيص أولو العزم لأنهم كانوا هم أصحاب الشرائع

- ‌عدم جواز الطلاق قبل النكاح لدلالة الترتيب

- ‌الظن والشك في دين الله موجب للكفر

- ‌البشارة بالغلام الحليم فيها دلالة على أنه سيكبر ويوصف بالحلم والوقار

- ‌البشارة الثانية بإسحاق عليه السلام تدل على أن المبشر به الأول هو إسماعيل عليه السلام

- ‌الظن الفاسد المبني على القياس الباطل

- ‌جواز أن يكون هناك فرح بحق

- ‌تحريم وذم التقليد للآباء وغيرهم بدون حجة

- ‌وجوب لزوم الأدب في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وجوب الاصلاح بين الأخوين يدل على أولوية الإصلاح بين الجمع الكثير

- ‌تسمية الرجال بالقوم دون النساء لقوامتهم بالأمور

- ‌دلالة وجود الجنة في السماء وأسبقية خلقها

- ‌جواز القياس في الأحكام

- ‌الدعاء للسلف بالرحمة والخير من علامات المؤمنين

- ‌دلالة عدم خروج حاطب ابن أبي بلتعة من الإيمان

- ‌تسمية المهاجرات بالإيمان لأنهن على قصد إليه

- ‌سنية الخطبة لصلاة الجمعة في وضع القيام

- ‌تخصيص البنان بالذكر فيه دلالة على أن ماسواها أولى بالقدرة على التسوية والجمع

- ‌ثبوت نعيم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج:

- ‌التوصيات

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌تحريم الخمر لما وصف بأن فيه إثما

‌تحريم الخمر لما وصف بأن فيه إثماً

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة 219].

• قال السمعاني رحمه الله: " ولفظ الإثم يدل على التحريم، فإنه حرم الخمر بلفظ الإثم في آية أخرى، حيث قال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} وأراد به الخمر ".

(1)

الدراسة:

استنبط السمعاني بعد نزول هذه الآية أن شرب الخمر حرام، ووجه الدلالة كون الإثم ناتج منها والإثم لا يخفى على أحد حرمته لأنه حد المحرم وحقيقته، مستنبطا حرمة الإثم من قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} .

الموافقون:

وافق السمعاني على القول بتحريم الخمر من هذه الآية بعض المفسرين مستدلين بهذا الوجه الذي ذكره السمعاني، والتحريم مروي عن ابن عباس.

(2)

قال الجصاص: " هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، ولو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، والإثم

(1)

تفسير السمعاني (1/ 218).

(2)

انظر: اللباب في علوم الكتاب (1/ 703).

ص: 130

كله محرم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} ، فأخبر أن الإثم محرم ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير تأكيدا لحظرها وقوله:{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} لا دلالة فيه على إباحتها، لأن المراد منافع الدنيا وأن في سائر الحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم، إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها ".

(1)

وقد أضاف ابن عادل على قول الجصاص بأن قوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} تصريح برجحان الإثم، وذلك يوجب التحريم، حتى على نحو من قرأ {أَكْبَرُ} بالتثليث

(2)

أي (أكثر) فإن كلاهما يدل على التحريم، فالأول يدل على الكيفية والآخر يدل على الكمية. وقد وافقه على القول بالتحريم، الرازي، وابن جزي

(3)

، والألوسي، ومحمد رشيد رضا.

(4)

المخالفون:

خالف السمعاني في القول بالتحريم للخمر من هذه الآية أكثر المفسرين ومنهم سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، ومقاتل

(5)

، قال القرطبي: " هذه الآية

(1)

أحكام القرآن للجصاص (2/ 2).

(2)

قرأ بالتثليث (أكثر) حمزة والكسائي وقد بين حجة من قرأ (أكبر) وحجة من قرأ بالتثليث (أكثر). انظر: الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (1/ 96)، وحجة القرآن لابن زنجلة (1/ 132) والجامع لأحكام القرآن (3/ 60)، والبحر المحيط (2/ 106).

(3)

ابن جزي: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن جزي الكلبي عالم مشارك في الفقه واللغة والتفسير له تصانيف منها التسهيل لعلوم التنزيل، وشرح ألفية بن مالك وغير ذلك توفي 785 هـ. انظر: إنباء الغمر (1/ 105) ومعجم المؤلفين (2/ 72).

(4)

انظر: مفاتيح الغيب (6/ 395)، والتسهيل لعلوم التنزيل (1/ 110)، وروح المعاني (1/ 508)، وتفسير المنار (1/ 99).

(5)

انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 597)، وزاد المسير (1/ 212).

ص: 131

نزلت في الذم للخمر لا لتحريمها والحجة الأولى: حديث عمر رضي الله عنه وفيه أنه لو دلت الآية على حرمتها، لما قنع الصحابة حتى نزلت آية المائدة وآية تحريم الصلاة حال السكر

(1)

، والثانية: أن الآية لا تدل على أن شرب الخمر حرام، بل تدل على أن في الشرب إثما لا هي بذاتها، والثالثة: أنه تعالى أثبت أن فيها منافع للناس والمحرم لا يكون فيه منفعة، والرابعة: أنه أخبر أن فيها إثم كبير، فمقتضاه أنَ ذلك الكبير ملازماً لها ما دامت موجودة، ولو كان ذلك سبباً لحرمتها؛ لوجب القول بثبوت حرمتها في سائر الشرائع

(2)

".

(3)

ثم قال القرطبي رادًّا على من قال بالتحريم "وهذا ليس بجيد، لأن الله تعالى لم يسم الخمر إثما في هذه الآية، وإنما قال:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، ولم يقل: قل هما

(1)

قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: ألا يقربن الصلاة سكران. فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلما بلغ:(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا. انظر: مسند الإمام أحمد (1/ 53).

(2)

الجامع لأحكام القرآن (3/ 60).

(3)

وقد رد ابن عادل على هذه الحجج بقوله بأن حصول النفع فيها ليس مانعا من حرمتها، لأن صدق الخاص يوجب صدق العام. وأنا روينا عن ابن عباس أنها نزلت في تحريم الخمر، والتوقف الذي ذكروه غير مروي عنهم، وقد يجوز بطلب الكبار من الصحابة نزول ما هو أكبر من هذه الآية في التحريم كما التمس إبراهيم - صلوات الله عليه - مشاهدة إحياء الموتى، ليزداد سكونا، وطمأنينة. وبأن قوله (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) إخبار عن الحال لا عن الماضي فعلم تعالى أن شرب الخمر مفسدة لهم، وليس مفسدة للذِين من قبلهم. انظر: اللباب لابن عادل (1/ 703).

ص: 132

إثم كبير، وقد قال قتادة: إنما في هذه الآية ذم الخمر، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى وهى آية المائدة وعلى هذا أكثر المفسرين ".

(1)

وممن قال بهذا أيضا من أن الآية للذم لا للتحريم من غير التابعين الذين سبق ذكرهم، ابن العربي، وابن عطية، والخازن، والسعدي، والشنقيطي، والعثيمين.

(2)

بحجة أن الآية للتدرج في التحريم فمبدأها الذم فحسب.

(3)

(1)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 60).

(2)

انظر: أحكام القرآن (1/ 301)، والمحرر الوجيز (3/ 32)، ولباب التأويل (2/ 75)، وتفسير السعدي ص 179، وأضواء البيان (5/ 64)، وتفسير القرآن العظيم لابن عثيمين (1/ 15).

(3)

قال ابن عثيمين حينما بين الحكم في نزول القرآن مفرقا: " ومن الحكم التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: الآية 219) فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه. ثم نزل ثانيا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: الآية 43) فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات، ثم نزل ثالثا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (المائدة: 92) فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات، بعد أن هيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات ". تفسير القرآن العظيم (1/ 15)، وانظر: فتح القدير (2/ 254).

ص: 133

النتيجة:

يظهر بعد استجماع الأدلة رجاحة القول بأنها للذم لا للتحريم، وأن القول بالتحريم قول مرجوح وذلك لعدم صراحة الأدلة بالتحريم وأنه لو كان هناك تحريما للخمر لما صرحت آية نزلت بعد هذه الآية بتحريم شرب الخمر في وقت معين دون سائر الأوقات

(1)

، وأنها نزلت تهيئة للنفوس للتحريم، لا للتحريم أصالة

(2)

، قال ابن العربي:" وهذا إنما كان يصح التعلق به لو كان نزول قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} فلا يقضى عليه من ذلك بتحريم ".

(3)

والله أعلم.

(1)

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: الآية 43).

(2)

ذكره السعدي في تفسيره ص 179، وابن عثيمين في تفسيره (1/ 15).

(3)

أحكام القرآن (1/ 296).

ص: 134