الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يلزم مضي الشفاعة للحصول على أجرها
.
قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء 85]
• قال السمعاني رحمه الله: " واعلم أن الإنسان يؤجر على الشفاعة، وإن لم يشفَّع؛ لأن الله تعالى يقول: {مَنْ يَشْفَعْ}، ولم يقل: من يُشَفَّع، وقد روى أبو موسى الأشعري عن رسول الله أنه قال: " اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء "
(1)
.
(2)
الدراسة:
استنبط السمعاني رحمه الله من صريح الآية أن الإنسان يؤجر على شفاعته دون النظر في مضي تلك الشفاعة من عدمها، ووجه استنباطه هنا أن الله لم يشترط في الحصول على الأجر أن تمضي تلك الشفاعة أو ترد، فقد قال الحق:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} ، ومن أوجه الاستنباط أيضا ما استدل به السمعاني من السنة المطهرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)
(3)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأجر بالشفاعة ولم يعلق الأجر بقبولها.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الزكاة - باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها - حديث 1365 (2/ 520). ومسند الإمام أحمد (4/ 400).
(2)
تفسير السمعاني (1/ 455).
(3)
سبق تخريجه في هذا الاستنباط.
وهذا الاستنباط مأثور عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقد روى الطبري بسنده عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: من يشفع شفاعة حسنة كان له أجران، وإن لم يُشفّع لأن الله يقول:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} ، ولم يقل: من يُشفّع.
(1)
وممن قال بهذا الاستنباط وأيده من المفسرين: النحاس، والرازي، والقرطبي، وابن كثير، والسيوطي، وغيرهم.
(2)
وبهذا يكون استنباط السمعاني موافقاً لنصوص القرآن والسنة، فيكون الاستنباط صحيحاً، والله أعلم.
حجية الإجماع.
قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء 115]
• قال السمعاني رحمه الله: " واستدل أهل العلم
(3)
بهذه الآية على أن الإجماع حجة".
(4)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطاً أصولياً بدلالة الاقتران، وذلك بالقول بأن الإجماع حجّة
(5)
، ووجه استنباطه أنه لما كانت مشاقة الرسول محرمة
(1)
انظر: جامع البيان (7/ 269).
(2)
انظر: معاني القرآن للنحاس (2/ 145)، ومفاتيح الغيب (10/ 164)، والجامع لأحكام القرآن (5/ 296)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 368)، والدر المنثور (4/ 554)
(3)
نسب هذا القول إلى الإمام الشافعي. انظر: الإحكام للآمدي (1/ 259)، والمستصفى (1/ 138).
(4)
تفسير السمعاني (1/ 479).
(5)
وقد ذكر السمعاني هذا القول مفصلا في كتابه قواطع الأدلة في أصول الفقه (1/ 464).
وقرن الله تلك المشاقة بعدم إتباع غير سبيل المؤمنين لزم أيضاً حرمة إتباع غير سبيل المؤمنين، ومن ثم كان إتباع سبيلهم حجةً وواجباً لا يجوز مخالفته.
الموافقون:
الصحيح أن هذا الاستنباط قد سُبق القول به من الإمام الشافعي وذلك للوجه السابق الذي ذكر آنفا
(1)
، وقال ابن كثير في هذا الاستنباط:" وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها-أي الآية- على ذلك ".
(2)
وممن قال بذلك وأيده من الأصوليين والمفسرين: الجصّاص، والشيرازي، وابن قدامة، وابن كثير، والبيضاوي.
(3)
المخالفون:
ليس المقصود بالمخالفين هنا الذين خالفوا بالقول بعدم حجية الإجماع كليا، وإنما المقصود بالذين قالوا بأن هذه الآية ليس فيها مستدل بالقول بحجية الإجماع، وحجتهم أن الإجماع المعني هو اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاة نبيها في أي عصر على أي أمر، أما هذه الآية نزلت في عهده عليه السلام ولأصحابه لا بعد عصره، وأنه يحتمل وجوهًا من التخصيص إما خروجهم من دين الإسلام إلى
(1)
انظر: الإحكام للآمدي (1/ 259)، والمستصفى (1/ 138).
(2)
انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 1018).
(3)
انظر: أحكام القرآن (3/ 228)، واللمع في أصول الفقه (1/ 47)، وروضة الناظر (1/ 427)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 361)، وأنوار التنزيل (2/ 253).
غيره، أو عدم متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناصرتهم له، ودفع الأعداء عنه.
(1)
قال الجويني
(2)
: "إن الربّ تعالى أراد بذلك من أراد الكفر وتكذيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والحيد عن سنن الحق وترتيب المعنى ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به نوله ما تولى فإن سلم ظهور ذلك فذلك وإلا فهو وجه في التأويل لائح ومسلك في الإمكان واضح فلا يبقى للمتمسك بالآية إلا ظاهر معرض للتأويل ".
(3)
ومن حجج هؤلاء ما ذكره أبو حيان حيث قال: " وما ذكره ليس بظاهر الآية المرتب على وصفين اثنين، لا يلزم منه أن يترتب على كل واحد منهما، فالوعيد إنما ترتب في الآية على من اتصف بمشاقة الرسول وإتباع سبيل غير المؤمنين".
(4)
وممن قال بعدم جواز الآية أن تكون حجة للإجماع ابن حزم، والغزالي، والبغدادي، والطوفي، وابن عاشور وغيرهم.
(5)
(1)
انظر: الإحكام للآمدي (1/ 259)، والمستصفى (1/ 138).
(2)
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك بن يوسف الجويني النيسابوري، صاحب التصانيف، ولد سنة 419 هـ، من مصنفاته: البرهان في أصول الفقه، والشامل، والإرشاد، توفي في نيسابور سنة 478 هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 468 - 472)، والأعلام (4/ 160).
(3)
البرهان في أصول الفقه (1/ 119).
(4)
انظر: البحر المحيط (3/ 366).
(5)
انظر: الإحكام لابن حزم (4/ 528)، والمستصفى (1/ 138)، والفقيه والمتفقه (1/ 226)، والإشارات الإلهية للطوفي (2/ 49 - 56)، والتحرير والتنوير (4/ 255).
النتيجة:
بعد تتبع أقوال الموافقين والمخالفين يخرج القول بدلالة الآية على حجية الإجماع، وأيضاً لدلالة الاقتران، فلمّا كانت مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم محرّمة، وقرنت تلك المشاقّة بعدم إتباع سبيل غير المؤمنين لزِم تبعاً أن يكون محرماً مخالفة إتباع سبيل المؤمنين الذي هو الإجماع، ومن ثمّ كان إتباع سبيلهم حجّة لا يجوز مخالفته.
وأما القول بأن علماء الأمة المجتهدين قد تحدث منهم مخالفة لمجتهدي
…
عصرهم، فيكون في ذلك مخالفة لسبيل المؤمنين، فهذا غير وراد هنا لأن الكلام على الإجماع أما باب الاجتهاد فوارد الاختلاف فيه، ولايعد الاختلاف فيه مجانبة لسبيل المؤمنين.
وأما ما قاله أبوحيان من أن الوعيد مرتب على اجتماع الأمرين مشاقة الرسول ومتابعة غير سبيل المؤمنين، فالجواب عليه أن الجمعَ بين أمرين في الوعيد عليهما دالٌ على أن كل واحد منهما يستحق ذلك الوعيد بمفرده، وليس هناك ما يدل على أن الوعيد مرتب على اجتماعهما إذ هو معلوم أن كل واحد من الأمرين معصية لوحدها، فاجتماعهما في هذه الآية بوعيد واحد لا يعني أن الوعيد مرتب على اجتماعهما.
وبعد هذا يتبين دلالة الآية على حجية الإجماع، وأنّه ليس للمخالف دليلٌ واضح في ردِّ هذه النصوص، وأقوالِ الأئمة، التي تثبت دلالة هذه الآية على حرمة إتباع غير سبيل المؤمنين، الذي هو الإجماع بعينه. والله أعلم.