الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظن الفاسد المبني على القياس الباطل
.
قال تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص 75 - 76].
• قال السمعاني رحمه الله: " قوله تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وإنما قال إبليس هذا لأنه ظن أن للنار فضلا على الطين، ولم يكن على ما ظن، بل الفضل لمن أعطاه الله الفضل ".
(1)
الدراسة:
لما عاند إبليس واستكبر بعدم سجوده لآدم، عندما أمره ربه بذلك، واحتج بأفضليته من حال كون أصله من نار، وآدم من تراب، استنبط السمعاني ظنية إبليس الباطلة عندما اعتقد أن التفضيل من جهة الأصل والجوهر، وجهل أن الفضل كل الفضل لمن أعطاه الفضل، بأن يوفقه لطاعته، والسعي في مرضاته.
وما كان هذا القياس من إبليس إلا لجهله بذلك، وإلا فالقياس لو عارض نصا فإنه يصبح باطلا، والنص هو أمر الله له بالسجود.
قال السعدي عندما ذكر أوجه بطلان قياس إبليس: " .. ومنها: أنه في مقابلة أمر الله له بالسجود، والقياس إذا عارض النص، فإنه قياس باطل، لأن المقصود بالقياس، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص، يقارب الأمور المنصوص عليها،
(1)
تفسير السمعاني (4/ 454).
ويكون تابعا لها. فأما قياس يعارضها، ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص، فهذا القياس من أشنع الأقيسة ".
(1)
وقد ذكر جمع من علماء التفسير، وعلى رأسهم إمام المفسرين، ابن جرير الطبري، بأنه لو سلم أن قياس إبليس لا يعارض نصا أو أمرا من الله. فإنه باطل أيضا، لأن ليس للنار فضلا على الطين من أي وجه من الوجوه، قال رحمه الله:" ظن الخبيث أن النار خير من الطين ولم يعلم أن الفضل لمن جعل الله له الفضل، وقد فضل الله الطين على النار من وجوه منها: أن من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لآدم بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية، ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والارتفاع وهو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار، فأورثه اللعنة والشقاوة، ولأن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرقها ولأن التراب سبب الحياة، فإن حياة الأشجار والنبات به، والنار سبب الهلاك ".
(2)
من بعد ذكر هذه الأوجه والتي تصب على فساد القياس وخطئه، يتبين صحة استنباط السمعاني والاحتجاج بقوله، والله أعلم.
(1)
تفسير السعدي ص 284.
(2)
انظر جامع البيان (12/ 327). وممن أشار إلى هذا أيضا: ابن عطية في المحرر الوجيز (3/ 12)، والبغوي في معالم التنزيل (3/ 217)، والقرطبي في جامعه (7/ 171)، والغرناطي في ملاك التأويل (1/ 249)، والخازن في لباب التأويل (2/ 185)، والنسفي في مدارك التنزيل (1/ 362)، والشوكاني في فتح القدير (3/ 18)، وغيرهم. وقد ذكر ابن القيم خمسة عشر وجها في تفضيل مادة التراب على مادة النار، للاستزادة انظر: الصواعق المرسلة (3/ 999) وبدائع الفوائد (4/ 949).