الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة وجوب العمرة
.
قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة 196]
• قال السمعاني رحمه الله: " ثم اعلم أن العمرة واجبة، وهو قول ابن عمر، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه سنة، وهو مروي عن جابر، والدليل على وجوبها: ظاهر الآية، وهو قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وظاهر الأمر للوجوب ".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني رحمه الله من ظاهر الآية وجوب العمرة، ولم يكن استنباطه الموجب للعمرة إلا لتأوليه معنى الإتمام بالإتيان وقد يكون هذا لاقتران العمرة بالحج، والحج لا شك أنه واجب، فاستنبط السمعاني بهذه الدلالة وجوب العمرة.
الموافقون:
لمّا كان من تأويل بعض أهل التفسير لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا} بمعنى ائتوا بها تامة، كان للسمعاني موافقون على وجوب العمرة، إضافة لاقترانها بالحج الذي لا خلاف في وجوبه، لكن ليس من هذه الآية، وقد أثر عن ابن عباس ارتضائه لوجوب العمرة لاقترانها بالحج في هذه الآية
(2)
، قال البيضاوي: " وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك لوجه الله تعالى،
(1)
تفسير السمعاني (1/ 196).
(2)
انظر: لباب التأويل (1/ 172).
وهذا يدل على وجوبهما ويؤيده قراءة من قرأ (وأقيموا الحج والعمرة لله)
(1)
"
(2)
، وقال السعدي:" يستدل بقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} على وجوب الحج والعمرة وفرضيتهما ".
(3)
وهذا القول هو المشهور عند أحمد والشافعي في أحد قوليهما
(4)
، وممن قال بذلك أيضاً ابن الفرس
(5)
، والرازي، والقرطبي، وابن قدامه.
(6)
المخالفون:
خالف السمعاني بعض المفسرين والفقهاء، فقالوا أن المقصود من هذه الآية هو إتمامُ أعمالها بعد الشروع فيها، وليس الوجوب، قال ابن كثير رادًّا القول الذي جعل من هذه الآية دلالةً على الوجوب:"وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد البدء فيهما، ولهذا قال بعده: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} أي: صُدِدْتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما، ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة مُلْزِمٌ، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها ".
(7)
وقد قال أبو السعود عند تفسيره لهذه الآية:
(1)
هذه القراءة هي قراءة ابن عباس، وابن مسعود، وعلقمة، والنخعي، انظر: جامع البيان (2/ 213).
(2)
أنوار التنزيل (1/ 109).
(3)
تفسير السعدي ص 90.
(4)
انظر: الأم للشافعي (2/ 132)، والحاوي الكبير للمرداوي (4/ 4).
(5)
ابن الفرس: هو أبو محمد، عبد المنعم ابن الإمام محمد بن عبد الرحيم بن أحمد الأنصاري الخزرجي، ابن الفرس، برع في الفقه، والأصول، وبلغ الغاية فيه، له كتاب في أحكام القرآن، توفي سنة 597 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 364).
(6)
انظر: أحكام القرآن لابن الفرس (1/ 234)، ومفاتيح الغيب (5/ 119)، والجامع لأحكام القرآن (2/ 368)، والمغني لابن قدامه (5/ 13).
(7)
تفسير القرآن العظيم (1/ 530) بتصرف يسير. وأشار بعض المفسرين إلى وجه آخر لرد دلالة هذه القراءة وقال إن هذه القراءة شاذة فلا يعتمد عليها في الحكم، قال ابن عاشور (وقراءة:" وأقيموا " لشذوذها لا تكون داعيا للتأويل، ولا تتنزل منزلة خبر الآحاد، إذا لم يصح سندها إلى من نسبت إليه والصحيح بأنها تدل على الإتمام على معنى: إذا شرعتم فأتموا الحج والعمرة، فيكون من دلالة الاقتضاء. انظر: التحرير والتنوير (2/ 220) وبهذا يتبين أن ما ذكره أبو السعود من الجواب عن هذه القراءة هو الأوجه، حيث إن القراءة ثابتة، وأسانيدها صحيحة.
" ليس فيها دليل على وجوب العمرة مطلقاً، وادّعاء أن الأمر بإتمامهما أمرٌ بإنشائهما تامين كاملين حسبما تقتضيه قراءة (وأقيموا الحج والعمرة) وأنّ الأمر للوجوب ما لم يدل على خلافه دليل ممّا لا سداد له ".
(1)
وممن قال به أيضا: الطبري، والجصاص، وأبو السعود، وشهاب الدين الخفاجي
(2)
، والشوكاني.
(3)
النتيجة:
وبعد معرفة أدلّة الفريقين يخلص الأمر أنه يجب الإتمام في أفعال الحج والعمرة بعد الابتداء لظاهر الآية، أمّا أن تكون هذه الآية هي فيها إيجابٌ للعمرة فليس كذلك، لأن غاية ما تدل عليه وجوب إكمال المناسك بعد الابتداء، إضافةً إلى أنّ هذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة، والحج لم يفرض آنذاك، أما دلالة الآية على أصل الوجوب لاقترانها بالحج فضعيف، قال الزرقاني:"وتعقّب الأول بأنه لا يلزم من الاقتران بالحج وجوب العمرة فهو استدلال ضعيف لضعف دلالة الاقتران ".
(4)
وقال ابن القيم: " وليس بيد من ادّعى تقدم فرض الحج سنة سبعٍ أو ثمانٍ أو تسعٍ دليل واحد
…
وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج، وإنّما فيه الأمر بإتمامه إذا شُرع فيه فأين هذا من وجوب ابتدائه"
(5)
. والله أعلم.
(1)
إرشاد العقل السليم (1/ 205).
(2)
هو: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر، الخفاجي المصري، قاضي القضاة، نسبته إلى قبيلة خفاجة، ولد ونشأ بمصر، ورحل إلى بلاد الروم، ولد عام 977 هـ، وتوفي عام 1069 هـ، من أشهر كتبه شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل، وخبايا الزوايا بما في الرجا ل من البقايا، وعناية القاضي وكفاية الراضي حاشية على تفسير البيضاوي. انظر: الأعلام للزركلي (1/ 238).
(3)
انظر: جامع البيان (2/ 217)، وأحكام القرآن للجصاص (1/ 329)، وارشاد العقل السليم (1/ 260)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (1/ 484)، وفتح القدير (1/ 258).
(4)
شرح الزرقاني على موطأ مالك (2/ 362).
(5)
انظر: زاد المعاد (3/ 595) بتصرف يسير.