الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرضية الجهاد على الكفاية
.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء 71]
• قال السمعاني رحمه الله: " وهذا دليل على أن الجهاد فرض على الكفاية".
(1)
الدراسة:
استنبط السمعاني من هذه الآية استنباطا فقهيا، بالقول بأن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين، ووجه الاستنباط أمره سبحانه بأن يكون النفير إما جماعات متفرقة أو جميعا، فلما كان على حسب الحالة التي يحتاج فيها لملاقاة العدو، خرجنا بأن الكفاية تسد الحاجة فلا يلزم أن يكون الخروج للجهاد عيني على كل أحد.
وقد وافق السمعاني بهذا القول الجمهور وذلك لصراحة هذا الدليل وغيره من الأدلة الناسخة لفرضية العين بالجهاد وذلك بالقول بأنه على الكفاية لا على العين، قال الماوردي: " وقوله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} يعني فرقا وعصبا، وقوله تعالى:{أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} أي بأجمعكم فخيرهم الله تعالى بين الأمرين، فدل على أنه
(1)
تفسير السمعاني (1/ 446).
فرضه لا يتعين على الكافة ".
(1)
وممن قال ذلك من الفقهاء، والمفسرين: الجصاص، وابن قدامة، والألوسي، والشوكاني، وابن عاشور.
(2)
المخالفون:
أما من قال بأن الجهاد فرض عين على كل أحد فليس لديهم حجة إلا الاستدلال بآيات النفير التي في التوبة، وهي قوله تعالى {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} وقوله تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، فيرون في الآية الأولى عدم النفرة والجهاد الموجب للعذاب فيه من التحريم المغلظ جزاء توعده سبحانه لمن تخلف عن ذلك، ويرون الأمر في الآية الأخرى موجبا للجهاد.
(3)
النتيجة:
أما ما ذكره القائلون بأن الجهاد فرض عين على كل أحد فاستدلالاتهم منسوخة بآية أخرى من نفس سورة التوبة، قال ابن عباس: نسخها قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}
(4)
.
(1)
الحاوي الكبير للماوردي (14/ 238).
(2)
انظر: أحكام القرآن (4/ 315)، والمغني (20/ 414)، وروح المعاني (6/ 44)، ونيل الأوطار (8/ 18)، والتحرير والتنوير (10/ 97).
(3)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (4/ 315).
(4)
انظر: شرح زاد المستقنع للشنقيطي (7/ 136).
وأن في فرضيته على عموم المسلمين تعطل للعلم وإعمار الأرض عموما، قال المقدسي " ولأنه لو فرض على الأعيان لاشتغل الناس به عن العمارة وطلب المعاش والعلم فيؤدي إلى خراب الأرض وهلاك الخلق ".
(1)
وأيضا يؤيده وعده - سبحانه - للطائفة القاعدة عن الجهاد بالحسنى دون الذم، في آية {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ، قال الجصاص:" فلو كان الجهاد فرضا على كل أحد في نفسه لما كان القاعدون موعودين بالحسنى بل كانوا يكونوا مذمومين مستحقين للعقاب بتركه ".
(2)
يخلص الأمر إلى سلامة استنباط السمعاني للأدلة السابقة من النصوص الشرعية، وأقوال السلف، والله أعلم.
(1)
الكافي للمقدسي (4/ 116).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (4/ 315)، وقد ذكر هذا الاستنباط المقدسي، انظر: الكافي (4/ 116)، والمغني (20/ 414).