الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الاستنباطات العقدية
.
لا يخفى أن عقيدة المفسر من أهم الأمور التي يجب أن يطلع عليها، خشية أن ينزل كل مفسر الآيات على ما يوافق مذهبه، ولقد كان أبو المظفر السمعاني في بداية نشأته على مذهب القدرية في الاعتقاد، فرجع إلى جادة الصواب، فانتقل إلى مذهب أهل السنة والجماعة، حتى أصبح إماما فيهم، فانتصر لهم، وذب وذاد عنهم، فأصبح سلفي المعتقد، رائده الدليل، وقدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وسلف الأمة، حتى قال عنه الذهبي " تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكا في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة ".
(1)
وبذلك كانت استنباطاته العقدية، تتمحور في جميع أمور العقيدة مابين إثبات لأسماء الله الحسنى وصفاته، ووعده ووعيده، ومابين مناقشة لأهل الفرق والضلال على تبيين باطلهم وضلالهم كون سلاح هذه الطوائف التأويل المذموم، والقياس الفاسد، ناهجةً تلك الاستنباطات مسلكين:
المسلك الأول: استنباطات فيها تقرير مباشر لمسائل العقيدة عند أهل السنة والجماعة:
ومن الأمثلة على ذلك:
- ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة 178].
(1)
سير أعلام النبلاء (19/ 116).
قال السمعاني رحمه الله: " وظاهره يقتضي أن أخوة الدين لا تنقطع بين القاتل والمقتول، حيث قال: من أخيه، وهو الذي نقول به ".
(1)
- قال تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران 154].
قال السمعاني رحمه الله: " ومعنى قوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أي: خرج الذين كتب عليهم القتال إلى مصارعهم للموت، وفي هذا دليل على أن الأجل في القتل والموت واحد، كما قال أهل السنة ".
(2)
- ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء 168].
قال السمعاني رحمه الله: " وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} في هذا إشارة إلى أن الله - تعالى - لو غفر للكافرين أجمع، كان يسع ذلك رحمته، لكنه قطع القول بأن لا يغفر لهم".
(3)
- ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف 9].
قال السمعاني رحمه الله: " وقوله: {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} يعني: توبوا بعد أن فعلتم هذا، ودوموا على الصلاح يعف الله عنكم. واستدل أهل
(1)
انظر: تفسير السمعاني (1/ 174)، والاستنباط رقم (15).
(2)
تفسير السمعاني (1/ 369)، والاستنباط رقم (30).
(3)
انظر: تفسير السمعاني (1/ 504)، والاستنباط رقم (41).