الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 -
مختصر المدونة: لإسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم القيسي (1)، (ت سنة 384 هـ).
" له في المدونة اختصار معروف"(2).
19 - مؤلفات: أبي محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي القيرواني، (ت سنة 386 ه
ـ).
مالك الصغير (3)، وقطب المذهب، "جامع مذهب مالك وشارح أقواله
…
وهو الذي لخص المذهب، وضم نشره، وذب عنه، وملأت البلاد تواليفه" (4)، وهو ثاني الشيخين، اللذين لولاهما لذهب المذهب (5)، "وقد أعانه ذلك التكوين الممتاز على أن يرجع بالفقه إلى صفائه العلمي، ويفكه من القيود الجدليات
(1) إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم القيسي، ثم النصري، كان عالماً بالآثار، والسنة، حافظاً للحديث ورجاله، وكان يعقد الشروط، ويفتي، وكان فتياه بما ظهر له من الحديث (ت سنة 384 هـ). انظر: تاريخ علماء الأندلس، رقم (221)، ترتيب المدارك (6/ 298)، الديباج المذهب (1/ 290).
(2)
ترتيب المدارك (6/ 298)، الديباج المذهب (1/ 290).
(3)
طبقات الفقهاء (ص 163).
(4)
ترتيب المدارك (6/ 216)، معالم الإيمان (3/ 110).
(5)
"يقال: لولا الشيخان، والمحمدان، والقاضيان لذهب المذهب، فالشيخان: أبو محمد بن أبي زيد، وأبو بكر الأبهري، والمحمدان: محمد بن سحنون، ومحمد بن المواز، والقاضيان: أبو محمد عبد الوهاب، وأبو الحسن بن القصار". معالم الإيمان (3/ 110).
والعصبيات، وأن يسلك في خدمة المذهب المالكي مسلكاً فريداً، يضبط ما تناثر في مصادره من الأقوال مما قاله مالك، وخالفه فيه أصحابه، أو ما وافقوه فيه، أو ما انفرد أصحاب مالك ومن بعدهم بتقريره من الأحكام، فدرس الأقوال الفقهية، وحقق الصور التي تتعلق بها حيث كان صورة واحدة واختلفت فيها الأنظار، أو صوراً مختلفة يرجع كل قول إلى واحد منها" (1).
ذلك هو المنهج المتميز في التأليف الذي اصطبغت به مؤلفات ابن ابي زيد التي طرقت فنون الشريعة بمعناها الواسع: الفقه، والعقيدة، والتفسير، والمواعظ، "وكلها نبيلة"(2)"مفيدة بديعة غزيرة العلم"(3).
وفيما يلي بعض مؤلفاته:
1 -
كتاب تفسير أوقات الصلاة.
2 -
كتاب التنبيه على القول في أولاد المرتدين.
3 -
تهذيب العتبية (4).
(1) أعلام الفكر الإسلامي (ص 47).
(2)
معالم الإيمان (3/ 111).
(3)
ترتيب المدارك (6/ 218).
(4)
العتبية (المستخرجة من الأسمعة) لمحمد بن أحمد العتبي، و"هذبه أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (المتوفى 386 هـ/966)
…
بعنوان "تبويب المستخرجة"، وقد وصلت إلينا قطع قديمة من هذا الكتاب في القيروان بعنوان "كتاب التخيير، والتمليك، الخلع"، حوالي 20 ورقة. ومنه ميكروفيلم في المتحف الإسلامي بتونس.
وانظر كذلك بروكلمان ملحق 1/ 662"، تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، الجزء الثالث (ص 156)، وانظر: كتاب الجامع في السنن والآداب (مقدمة المحقق د. عبد المجيد تركي، 65).
4 -
الذب عن مذهب مالك (1).
5 -
كتاب رد السائل.
6 -
كتاب الرسالة.
7 -
رسالة إعطاء القرابة من الزكاة.
8 -
كتاب المناسك.
9 -
رسالة طلب العلم (2).
(1) توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة تشستربتي، رقم 4475 (153 ورقة 371 هـ).
(2)
تنسب إلى ابن أبي زيد القيرواني رسالة تحت عنوان (أحكام المعلمين والمتعلمين)، اقتبس منها ابن خلدون في مقدمته، "ومن خلال الفقرات التي نقلها ابن خلدون عنه نتعرف على نظرية أبن أبي زيد في ميدان التربية والتعليم". ندوة مالك (ابن أبي زيد ورسالته 3/ 8).
ويشكك سزكين في نسبة الكتاب إلى ابن أبي زيد (تاريخ التراث العربي 1/ 3/173)، ولعل رسالة طلب العلم والتي تواترت كتب التراجم في نسبتها إلى ابن أبي زيد هي نفسها: أحكام المعلمين والمتعلمين.
10 -
فضل قيام رمضان.
11 -
حماية عرض المؤمن.
12 -
مختصر المدونة.
13 -
النوادر والزيادات.
14 -
الحبس على أولاد الأعيان.
15 -
الاقتداء بأهل المدينة: "وقد أفادنا مؤلفه نفسه أنه بحث فيه مسائل الإجماع، وإجماع أهل المدينة"(1).
16 -
المنتخب المستقصى: اختصر فيه شرح ابن الوراق لمختصر ابن عبد الحكم الصغير (2).
(1) كتاب الجامع في السنن والآداب (مقدمة المحقق د. أبي الأجفان وزميله، ص 46).
(2)
ترتيب المدارك (5/ 20).
ونصه: "وشرح [أي ابن الوراق] مختصر ابن عبد الحكم الصغير، واختصر هذا الكتاب أبو محمد بن أبي زيد في كتابه المسمى بالمنتخب المستقصى"، علماً بأن من ترم لابن أبي زيد لم يذكر له كتاباً بهذا الاسم في ترجمته.
ولعل من المناسبات التنبيه هنا على أن الأستاذين محمد أبا الأجفان، وعثمان بطيخ ذكرا في مقدمة تحقيقهما لكتاب الجامع في السنن والآداب لابن أبي زيد القيرواني (ص 48، تعليق رقم 1)، ما نصه:
"وينسب إليه [أي لإلى ابن أبي زيد] أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (ت 476 هـ)، تعليقاً على شرح مختصر ابن عبد الحكم لأبي بكر الأبهري (طبقات الفقهاء 167) "، كما ورد نفس التعليق مرة ثانية في مقدمة تحقيقه لكتاب أبن ابي زيد الرسالة الفقهية (ص 26، تعليق رقم 1).
وبمراجعة ترجمة ابن أبي زيد القيرواني في طبقات الفقهاء، لم أجد ذكراً لأي كتب به الشرح المذكور.
وربما حدث شيء من اللبس في الموضوع، فقد ذكر الشيرازي في ترجمة أبي عبد الله محمد بن عبد الله القيرواني ما نصه:"وله تعليق عنه [أبي بكر الأبهري] في شرح مختصر أبي عبد الله محمد بن عبد الحكم"، ومعلوم أن هذا غير ابن أبي زيد: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد.
ومؤلفات ابن أبي تكاد تصل إلى أربعين مؤلفاً تنوعت موضوعاتها (1).
(1) عن مؤلفات ابن أبي زيد انظر المراجع التالية:
1 -
ترتيب المدارك (5/ 20)، (6/ 217، 218).
2 -
ابن أبي زيد، الرسالة الفقهية مع غرر المقالة (مقدمة المحققين: د. الهادي حمو، د. محمد أبي الأجفان، ص 31 - 37).
3 -
ابن أبي زيد، كتاب الجامع في السنن والآداب (مقدمة المحققين: د. محمد أبي الأجفان، وعثمان بطيخ، ص 43 - 49).
4 -
ابن أبي زيد، كتاب الجامع في السنن والآداب، (مقدمة المحقق: د. عبد المجيد تركي، ص 61 - 70).
5 -
تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، الجزء الثالث (ص 153، 156، 167، 172، 173).
6 -
محفوظ محمد، تراجم المؤلفين التونسيين (2/ 444 - 447).
7 -
ندوة الإمام مالك (أحمد بن سحنون، ابن أبي زيد القيرواني ورسالته 3/ 47 - 50).
لكن الذي لا ريب فيه أن أشهر مؤلفاه على الإطلاق هي:
1 -
الرسالة. 2 - مختصر المدونة. 3 - النوادر والزيادات.
وفيما يلي فكرة موجزة عن هذه الكتب الثلاثة.
1 -
الرسالة:
أكثر كتب ابن أبي زيد انتشاراً، وأعظمها تأثيراً في الميدان التعليمي، الفقهي بخاصة، ويمكن أن تعتبر بحق كتابه الخالد، "ابتدأ رواجها من حياة مؤلفها، واستمر تعاقب الشروح عليها من عصر مؤلفها في القرن الرابع، حيث ابتداء بشرحها القاضي عبد الوهاب"(1). بل ومن قبل القاضي عبد الوهاب اهتم شيخه إمام المدرسة العراقية أبو بكر الأبهري بالرسالة، وألف عليها كتابه:"مسلك الجلالة في مسند الرسالة". ويذكر أن شروحها زادت عن مائة شرح (2).
"فما أعلم كتاباً في الفقه المالكي (بعد الموطأ، والمدونة) حظي بمثل ما حظيت به (رسالة ابن أبي زيد) من قبول، وعناية، وشهرة،
(1) أعلام الفكر الإسلامي (ص 49).
(2)
انظر شروح الرسالة وما كتب عليها: ابن أبي زيد، الرسالة الفقهية، مع غرر المقالة، (مقدمة التحقيق، ص 43 - 48)؛ محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 195 - 200)، تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، الجزء الثالث (ص 168 - 172).
وانتشار في الآثار، وعمق أثر في خدمة المذهب، ونفع الأجيال من طلابه على امتداد الزمان والمكان (1).
وموضوع الرسالة "جملة مختصرة من واجب أمور الديانة، مما تنطبق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها، ونوافلها، ورغائبها، وشيء من الآداب فيها، وجمل من أصول الفقه (2) وفنون على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته، مع ما سهل سبيل أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقين"(3).
كل هذه العناصر العلمية ضمنها ابن أبي زيد في هذا المختصر المركز، ومن ثم فلا عجب أن تحتوي مع اختصارها على أربعة آلاف مسألة، مأخوذة من أربعة آلاف حديث، ما من مسألة إلا وهي مأخوذة من حديث (4).
(1) ندوة الإمام مالك (سحنون، أحمد، ابن أبي زيد القيرواني ورسالته 3/ 51).
(2)
قوله: (وأصول الفقه) أراد به أمهات المسائل
…
، ويحتمل أن يريد بأصول الفقه أدلته على ما هو المصطلح عليه عند بعض المتقدمين". شرح زروق، مع شرح ابن ناجي على متن الرسالة (1/ 12 - 13).
(3)
الرسالة الفقهية مع غرر المقالة (ص 73).
(4)
انظر: شرح زروق مع شرح ابن ناجي على متن الرسالة (1/ 16، 17، 18).
الغرض من هذا المؤلف القيم "تعليم ذلك للولدان، كما تعلمهم حروف القرآن؛ ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته"(1).
وتحقيقاً لهذا الغرض فـ "قد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون - إن شاء الله - بحفظه، ويشرفون بعلمه، ويسعدون باعتقاده،
…
، وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره باباً باباً، ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى" (2)؛ ومن ثم فقد كان أسلوبه "تركيز مسائلها على العبارة الدقيقة الحكيمة التي صاغها مؤلفها، وذلك ميسر للمراجعة، ومهيئ للانطلاق نحو التوسع في عرض المسائل
…
" (3).
لعل ما نالته هذه الرسالة من شهرة وذيوع وقبول، سواء في أوساط المتعلمين، أو العلماء .. يعد إلى توفيق المؤلف في توظيف عاملين توفرا له: عبقريته ونبوغه المبكر في الفقه، ونسّه حين تأليفه للرسالة - إذ ألفها في سن الحداثة وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره (4)(سنة 327 هـ) - توظيفاً استطاع به أن يجعل الصعب ذلولاً
(1) الرسالة الفقهية مع غرر المقالة (ص 73 - 74).
(2)
المراجع السابق.
(3)
المرجع السابق (مقدمة التحقيق، ص 42).
(4)
معالم الإيمان (3/ 111).
مبسطاً يتلاءم مع عقلية سن الطلب والتي كان المؤلف فيها حين ألف الرسالة، وفي نفس الوقت جعلت عبقريته الفقهية المبكرة هذا العمل ذا مستوى علمي ينظر إليه المتعلمون - بله كبار العلماء - نظر الإعجاب، والتقدير، مقبلين عليه، لا يمنعهم من دراسته ومراجعته كونه مؤلفاً خاصاً للمبتدئين من طلبة الفقه، وهذا المستوى من النبوغ في التأليف لم يتوفر إلا للقليل - إن لم يكن النادر - من المؤلفين، وبخاصة في مجال الشريعة بمعناها الواسع، والذي تطرقت إليه الرسالة كما هو ظاهر من موضوعاتها.
وهناك جانب آخر من مواهب ابن أبي زيد أبرزته هذه الرسالة، إن بشكل ضمني، ذلك أنه كان مريباً بالفطرة، ولعل أثر هذه الفطرة ظهر في نمط تربوي، وأسلوب منهجي في كتابه "أحكام المعلمين والمتعلمين"(1).
لكل هذا فلا غرو أن تكون الرسالة "باكورة السعد"(2) للمتعلمين، و"زبد المذهب"(3) للمتفقهين.
2 -
مختصر المدونة (4):
(1) الرسالة الفقهية مع غرر المقالة (مقدمة المحقق، ص 35 - 36).
(2)
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 2)، الرسالة الفقهية مع غرر المقالة (مقدمة المحقق، ص 41).
(3)
المرجع السابق.
(4)
ذكر الشيخ العابد (فهرس مخطوطات خزانة القرويين (2/ 439) أن أجزاء الكتاب قد تصل إلى سبعة عشر جزءاً، لم توجد كلها.
انظر الأجزاء التي وجدت وأماكن وجودها في:
أ- فهرس مخطوطات خزانة القرويين رقم 339 (1/ 332 - 333)، ورقم 794، (2/ 436 - 441).
ب- تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، الجزء الثالث (ص 152).
ج- دراسات في مصادر الفقه المالكي (تعليق رقم 8، ص 19).
كما ينبغي التنويه إلى أن كتاب الجامع في السنن والآداب، .. والذي ختم به ابن أبي زيد كتابه مختصر المدونة قد طبع بتحقيق كل من العالمين الجليلين، د. محمد أبي الأجفان، ود. عثمان بطيخ، وقد قدما له بمقدمة وافية عن كتب ابن أبي زيد وخاصة مختصر المدونة.
هناك طبعة أخرى لكتاب الجامع المذكور بتحقيق الدكتور عبد المجلد تركي.
"يحتوي المختصر على خمسين ألف مسألة"(1)، يوضح المؤلف غرضه من هذا الاختصار قائلاً: "
…
وقد انتهى إلى
…
ما رغبت فيه من اختصار الكتب المدونة من علم مالك وأصحابه، وما أضيف إليها من الكتب المسماة بالمختلطة، إذ هذه الكتب أشهر دواوينهم، وأعلى ما دُوِّن في الفقه من كتبهم، وأكثر ما جرى على أسماع الناقلين لها من أئمتهم، مع فضل من نسبت إليه، وهو عبد الرحمن بن القاسم، وفقهه، وزهده، وورعه، وأتباعه أثر صاحبه، ورأيت أن ذلك أرغب للطالب وأقرب مدخلاً للأفهام
…
" (2).
(1) الفهرست لابن النديم (284).
(2)
فهرس مخطوطات خزانة القرويين (1/ 333).
ثم يوضح المؤلف طريقته ومنهجه فيقول: "
…
وقد اختصرتها كتاباً كتاباً، وباباً باباً، وربما قدمت فرعاً إلى أصله، وأخرت شكلاً إلى شكله، وإذا التقت في المعنى مواضع، وكلها شبيهة به، ألحقته بأقربها به شبهاً، ونبهت على موضعه في بقيتها، وربما آثرت تكرار ذلك تماماً للمعنى الذي جرى ذلك فيه منها، وقد حذفت السؤال، وإسناد ما ذكرت من الآثار، وكثيراً من الحجج والتكرار، واستوعبت المسائل باختصار اللفظ في طلب المعنى بمبلغ العلم والطاقة، وجعلت مساق اللفظ لعبد الرحمن بن القاسم، وإن كان كله قول مالك فمنه ما سمعه منه، ومنه ما قاسه على أصوله إلا ما يبين أنه خالفه فيه، أو اختار من أحد قوله
…
" (1).
والمؤلف رحمه الله لم يكتف بتنظيم المادة العلمية الموجودة في المدونة واختصارها، بل زاد عليها زيادات رأى أنها ضرورية؛ ليبقى المختصر بالغرض الذي استهدفه. يقول المؤلف: "
…
وربما ذكرت يسيراً من غيرها [المدونة] مما لا يستغنى الكتاب عنه من بيان مجمل، أو شرح مشكل، أو اختلاف اختاره سحنون، أو غيره من الأئمة، وأشبعت الزيادات في اختصار الجراح والديانات من المجموعات، وغيرها من الأمهات" (2)، بل يضيف المؤلف إلى المختصر أبواباً لم تتطرق إليها المدونة: "
…
واختصرت من غيرها كتاب الفرائض،
(1) فهرس مخطوطات خزانة القرويين (1/ 333).
(2)
المرجع السابق.
وكتاب الجامع؛ إذ ليستا في المدونة، وإذ لا غنى لكتابنا عنهما
…
" (1).
ولعل النموذج الذي نقدمه فيما يلي يصور مدى نجاح المؤلف في تطبيق المنهج الذي اختاره لكتابه. يقول المؤلف في كتاب الزكاة:
"جامع ما تجب فيه الزكاة من العين، والحلي، وغيره، وزكاة العروض في الإدارة، والتجارة، وزكاة الفوائد.
إن الله سبحانه أجمل فرض الزكاة في كتابه فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فبين الله تلك الزكاة - على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله عليه السلام:"ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة". وفي حديث آخر: "مائتي درهم".
فإذا بلغت مائتي درهم فعنها خمسة دراهم، ومضى أن صرف دينار الزكاة عشرة دراهم، وأجمعت الأمة ألا زكاة من الذهب في أقل من عشرين ديناراً، وأن في العشرين نصف دينار، وروى ذلك للنبي عليه السلام أيضاً.
قال مالك: إنما الزكاة من الأموال في العين، والحرث، والماشية.
وأوقية الفضة أربعون درهماً، فما زاد على خمس أواق من الفضة
(1) فهرس مخطوطات خزانة القرويين (1/ 333).
أو عشرين ديناراً من الذهب زكي بحسابه من كل مال ربع عشره.
ولا زكاة في مال إلا بعد حول من يوم يفاد إلى ربح المال، فإن حوله حول أصله، كولادة الماشية، ولا زكاة في عيون الفلوس، وإن سويت ما في الزكاة، وهي كالعروض، ويقومها المدير.
ويجمع بين الذهب والفضة في الزكاة، كجمع للضأن مع الماعز، فمن له مائة درهم وعشرة دنانير، أو له سبعة عشر ديناراً وعشرة دراهم أو له مائة درهم وعشرة دراهم وتسعة دنانير فعليه ربع عشر كل صنف منها.
ومن له مائة درهم، وسبعة دنانير قيمتها مائة درهم، أو له عشرة دنانير، وسبعون درهماً تساوي عشرة دنانير، فلا زكاة عليه
…
" (1).
ومقارنة هذا النص بالنص الأصلي للمدونة في كتاب الزكاة يصور الفرق الشاسع بين المنهجين، فمنهج المدونة: حوار بين سائل ومجيب: سحنون يسأل، وابن القاسم يجيب بقول مالك نصاً، وقد يتخلل النص اختيارات لسحنون وروايات لأقوال، في حين أن منهج ابن أبي زيد يبتعد كل البعد عن الحوار، إذ هو تحليلي، وتقعيدي،
(1) ابن رشد وكتابه المقدمات (ص 516 - 517).
وقد قدم الباحث في الصفحات (515 - 543) من أطروحته هذه، دراسة مقارنة بين نصوص: المدونة، ومختصر ابن أبي زيد، ومقدمات ابن رشد.
تدليلي، أقرب في العرض إلى الأسلوب الحديث للتأليف، فكلام ابن أبي زيد في مختصره "احتوى مدخلاً
…
بين يدي اختصار مسائل كتاب الزكاة التي ساقها هنا، ومقدمة تشتمل على ما يلي:
1 -
بيان مشروعية الزكاة من الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة.
2 -
توضيح لاستخدام القواعد الأصولية من أجل تبيين وظيفة السنة النبوية بالنسبة إلى القرآن الكريم في هذا الموضوع على غاية من الاختصار.
3 -
تقرير حكم الزكاة انطلاقاً من القرآن.
4 -
إثبات صرف دينار الزكاة عشرة دراهم، حتى لا يكون عرضة للتغير، فيتبدل النصاب الذي أراده الشرع، ويتغير الحكم الذي أمر الدين" (1).
إن مختصر ابن أبي زيد "يمثل حلقة هامة في سلسلة مؤلفات الفقه المالكي وخاصة تلك المصنفات التي وضعت على المدونة الكبرى التي يفضلها، وبفضل ما كتب عليها انتشر المذهب المالكي، وتوفرت مادة أحكامها القهية
…
" (2) يمثل المختصر الحلقة الوسطى
(1) ابن رشد وكتابه المقدمات (ص 517).
(2)
كتاب الجامع (مقدمة أبي الأجفان، وزميله، ص 93).
في حلقات سلسلة مؤلفات ابن أبي زيد، والتي ابتدأها (بالرسالة) لتكون كتاباً للمبتدئين من طلاب الفقه، ويأتي (مختصر المدونة) خطوة أعلى ليقدم كتاباً للمتقدمين من المتفقين (ثم النوادر) خطوة أعلى ليقدم كتاباً للمتقدمين من المتفقهين (ثم النوادر والزيادات)"لمن تقدمت له عناية بالعلم، واتسعت له دراية .. "(1)، فكان طبيعياً أن يكون (المختصر) حلقة الوصل بين المرحلتين، يجمع بين تركيز المادة العلمية، وتنقسيها، وتنظيمها، مع سعة المادة، واستيعابها؛ حتى يستطيع الدارس بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة المتفقهين المتعمقين، ويكون تدرجه تدرجاً طبيعياً، ومما يشير إلى مثل هذا الاستنتاج أن ابن أبي زيد - مع التركيز في المختصر - أضاف إليه زيادات، شرحاً لمشكل، أو بياناً لمجمل، أو موضوعات لم تتطرق إليها المدونة، وذلك ليفتح الباب أمام الدارس على ما جد من آراء مذهبية، وترجيحات بحيث لا يكون غريباً عنها، حيث ينتقل إلى المرحلة العليا.
تلقى علماء المالكية (مختصر المدونة) بما يستحقه من تقدير، وأولوه من العناية ما هو به جدير، فكان من الكتب التي حظيت بالاتفاق على اعتمادها، والتعويل على ما جاء فيها.
(1) كتاب الجامع (مقدمة أبي الأجفان، وزميله، ص 44).
3 -
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (1):
(1) قام الأستاذ ميكلوش موراني - من جامعة بون - بدراسة موسعة مستفيضة لكتاب النوادر والزيادات، قدمها في كتابه باللغة الألمانية:"دراسة في مصادر الفقه المالكي".
والكتاب دراسة ممتازة عميقة أصيلة لكتاب النوادر، خدمت المذهب المالكي ورواده خدمة جليلة، حيث كشفت الحجب عن هذا الكتاب القيم وأخرجته من ظلمات النسيان في خزائن المخطوطات، وقام بترجمة كتاب الدراسات إلى اللغة العربية كل من:
د. سعيد بحيري، د. عمر صابر عبد الجليل، محمود رشاد حنفي، وراجعه: د. محمد فهمي حجازي، ود. عبد الفتاح حلو.
استعرض مؤلف كتاب الدراسات مخطوطات كتاب النوادر والزيادات الموجودة في المكتبات العالمية، واصفاً لكل نسخة وجزء. كما استقرأ مصادر كتاب النوادر من نصوص الكتاب نفسه، بالإضافة إلى ما ذكره الإمام ابن أبي زيد في مقدمته، وتعرض مؤلف الدراسات إلى الكتب التي استعملها ابن أبي زيد، وحدد أماكن وجود المخطوط منها، ثم عقد دراسة مقارنة لنصوص النوادر، وما وجد في الكتب المخطوطة التي استقى منها، محدداً مدى مطابقة النصوص الأصلية المقتبسة.
أما أماكن وجود المخطوطة فنذكر أمها فيما يلي:
1 -
"أيا صوفيا، رقم 1479 - 97، يشتمل على تسعة عشر مجلداً
…
، ويبدو أن هذه النسخة وصلت إلينا كاملة
…
".
2 -
ميونخ، مخطوطات عربية 340.
3 -
باريس، مخطوطات عربية 6095.
4 -
القرويين، رقم 793.
…
5 -
المكتبة الوطنية بباريس، مخطوطات عربية 1056.
6 -
الجامع الأزهر، رواق المغاربة رقم 2013، 3014، 3015.
7 -
تونس، المكتبة الوطنية رقم 12371، 12372، 5728، 5731، 5720، 5790، 5730، 2517، هناك أماكن أخرى ذكرها مؤلف دراسات في مصادر الفقه المالكي. انظر: الصفحات: 72 - 99.
وانظر أيضاً:
أ- فهرس مخطوطات خزانة القرويين، رقم 338 (1/ 330 - 332)، رقم 793 (2/ 432 - 436).
ب- تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، الجزء الثالث (ص 152). كتاب النوادر تحت الطبع.
وهو كتاب "مشهور، أزيد من مائة جزء"(1)، "ويعتبر بمثابة تلخيص للكتب الفقهية الهامة للمذهب المالكي حتى ذلك الوقت"(2)، حيث "جمع جميع ما في الأمهات من المسائل، والخلاف، والأقوال فاشتمل على جميع أقوال المذاهب وفروع الأمهات كلها"(3).
والكتاب "يمثل ذروة العلم المالكي في القرن الرابع الهجري .. "(4)، وهو "لا يفوق المدونة في الحجم فحسب، بل إنه
(1) ترتيب المدارك (6/ 217).
(2)
دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 11).
(3)
مقدمة ابن خلدون (ص 245).
(4)
دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 18).
يتناول جميع المسائل الفقهية، مستنداً على أساس من المراجع أوسع من المدونة" (1)؛ ولسعة المادة الفقهية المضمنة في الكتاب فقد صرح مؤلفه رحمه الله في مقدمته بأن كتابه هذا لا يصلح للمبتدئين؛ حيث قال:"اعلم أن أسعد الناس بهذا الكتاب من تقدمت له عناية بالعلم، واتسعت له دراية، لأنه اشتمل على كثير من اختلاف العلماء المالكين، ، ولا ينبغي الاختيار من الاختلاف للمتعلم، ولا للمقصر، ومن لم يكن فيه محل لاختيار القول، فله في اختيار المتعقين من أصحابنا من نقادهم مقنع"(2).
فالكتاب في حقيقته موسوعة فقهية شاملة، تضم الفقه وفنوناً أخرى فـ "بالإضافة إلى النقول الفقهية، والفقه المقارن داخل المذهب، فإن في هذا الكتاب شذرات من الأخبار والسير، وآراء مالك في العقيدة، ووصفاً لأحداث، وأدوات، وأمتعة مما كان متعارفاً في عهد الإسلام الأول، مما يجعل منه مادة صالحة للباحث التاريخي الاجتماعي"(3).
أما مصادر الكتاب، والغرض من تأليفه، ومنهجه، فقد
(1) دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 19).
(2)
كتاب الجامع (مقدمة أبي الأجفان، وزميله، ص 44 - 45)، دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 104).
(3)
كتاب الجامع (مقدمة أبي الأجفان، وزميله، ص 45).
أوضحها المؤلف في مقدمته قائلاً: "وذكرت - وفقنا الله وإياك إلى محابه - ما كثر من الكتب مع ما قل من الحرص والرغبة، وضعف من الطلب والعناية، والحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح، وتفسيره، وزيادة معنى شديدة، ورغبة في أن تستثير العزيمة، وتفتح باباً إلى شدة الرغبة بما رغبت فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أمهات الدواوين من تأليف المتعقبين، وذكرت أن ما في كتاب محمد ابن إبراهيم بن المواز، والكتاب المستخرج من الأسمعة استخراج العتبي، والكتب المسماة الواضحة، والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب، والكتب المسماة المجموعة المنسوبة إلى ابن عبدوس، والكتب الفقهية من تأليف محمد بن سحنون، أن هذه الدواوين تشتمل على أكثر ما رغبت فيه من النوادر والزيادات، ورغبت في استخراج ذلك منها، وجمعه باختصار من اللفظ في طلب المعنى، وتقصي ذلك، وإن انبسط بعض البسط، والقناعة بما يذكر في أحدها عن تكراره، والزيادة غليه ما زاد في غيره؛ ليكون ذلك كتاباً جامعاً لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد، وغرائب المسائل، وزيادات المعاني على ما في المدونة؛ وليكون لمن جمعه مع المدونة أو مع مختصرها مقنع بهما، وغني بالاقتصاد عليهما؛ لتجتمع بذلك غبته، وتستجم همته، وتعظم مع قلة العناية بالجمع فائدته، وقد رغبت في العناية بذلك لما رجوت إن شاء الله من بركة ذلك، والنفع به لمن رسمه، ولكن من تعلمه، وأنا أفي لك إن شاء الله بنوادر هذه
الدواوين المذكورة، وأذكر ما أمكنني، وحضرني من غيرها .. " (1).
"وما ذكرت لبكر بن العلاء، وأبي بكر الأبهري، وأبي إسحاق ابن القرطي فقد كتبوا إليَّ به، وكل ما ذكرت فيه عن ابن الجهم فقد أخبرت عنه به، وكل ما ذكرت فيه من غير لك فبروايات عندي يكثر ذكرها"(2).
بالإضافة إلى المصادر التي ذكرها في مقدمة كتابه فإن ابن أبي زيد "كثيراً ما نقل في مواضع كثيرة حول قضايا فقهية محدودة، من غير المصادر التي ورد ذكرها فيما سلف، بل أكثر من ذلك يشير المؤلف إلى بناء الموضوع المعالج اعتماداً على عدة مصادر أساسية
…
" (3)، فكتاب النوادر والزيادات "يحوي بين طياته أهم مادة مرجعية عن مصادر الفقه المالكي المعروفة في القرن الرابع الهجري، وهي تتمثل في مختصرات فقهية منتظمة، ومجاميع مسائل، ومعالجات لمشكلات فقهية متفرقة، مع مراعاة الاختلاف في الفروع" (4).
وأخيراً فالكتاب مادة ومنهجاً، ومصادر "من أعظم الكتب الفقهية، وأعونها على تكوين الملكة الفقهية الحق، والتخريج على
(1) دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 102 - 104).
(2)
المرجع السابق (ص 105).
(3)
المرجع السابق (ص 180).
(4)
المرجع السابق (ص 100).