الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- الموضوع:
برز في هذه المرحلة اهتمام علماء المالكية بعلم القضاء (1)(الأقضية)، فأفردوا هذا العلم بمصنفات خاصة تركز العناية على الجانب التطبيقي للأحكام الشرعية؛ من حيث كونها موضوعاً قضائياً، ولعل اهتمام علماء المالكية بهذا الجانب من فقه القضاء يعود إلى المبدأ الذي انفرد به المذهب المالكي منذ نشأته، والذي يتبنى الاحتجاج بعمل أهل المدينة، وإعطاءه الأفضلية حين يكون الخيار بين خبر (أثر)، وعمل (تطبيق) مقدمين العمل (التطبيق الواقعي) على الخبر والأثر (الحكم النظري).
وجه علماء المالكية عنايتهم بالبحث والتأليف في ثلاثة ميادين من ميادين تطبيق الفقه الإسلامي القضائي وهي:
1 - الوثائق والشروط
.
2 -
ما جرى به العمل.
3 -
الفتاوى والنوازل.
1 -
الوثائق والشروط (2):
(1) يفرق علماء المالكية بين فقه القضاء، وعلم القضاء، فيرون:"أن فقه القضاء أعم؛ لأنه الفقه بالأحكام الكلية، وعلم القضاء هو العلم بتلك الأحكام الكلية مع العلم بتنزيلها على النوازل الواقعة". المعيار (10/ 78).
(2)
"علم الشروط، والسجلات، وهذا باعتبار اللفظ من فروع علم الإنشاء، وباعتبار مدلوله من فروع علم الفقه وهو علم يبحث عن إنشاء الكلمات المتعلقة بالأحكام الشرعية، وموضوعه ومنفعته ظاهران. ومباديه: علم الإنشاء، وعلم الفقه، وله استمداد من العرف".
طاش كبرى زاده، أحمد بن مصطفى، مفتاح السعادة ومصباح السيادة (1/ 272).
وهو موضوع قديم جديد، قديم قدم الفقه الإسلامي؛ حيث هو بمادته جزء لا يتجزأ من علم القضاء وفقهه، وجديد من حيث العناية بإظهاره وإبرازه حتى أصبحت من أهم صفات العالم المالكي المتمكن: نبوغه في الشروط، والتوثيق، ولا تكاد تجد عالماً مشهوراً من علماء هذه المرحلة - وخاصة في الأندلس - إلا وقد اعترف له بالتمكن في الوثائق والشروط.
والوثائق، والشروط لا تكاد تنفصل عن الأقضية؛ إذ الوثائق:"هي العقود التي يسجلها الموثوقون العدول"(1)"والشروط، والوثائق، والعقود أسماء لمسمى واحد"(2) فهي تمثل ما يسمى في عصرنا "الصكوك" التي تصدرها المحاكم وكتَّاب العدل بما تحويه من حكم قضائي، أو عقود ترتبط بها شروط أو فسخ، إلا أن المالكية عالجوا في كتب الأقضية، معالجة مسهبة مركزة كل ما يتعلق بآداب، وألفاظ، وأركان، وكيفية صياغة وكتابة العقود، والشروط والأحكام، بل أفردوا للوثائق والشرط، وكيفية صياغتها، وكل ما
(1) معلمة الفقه المالكي (ص 21، 326).
(2)
محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 113).
يتعلق بها من أحكام شرعية كتباً خاصة، مؤكدين أن كل ذلك لا يمكن أن ينفصل عن الفقه وأحكامه، فعلى الفقه "تبنى وثائق تلك الأبواب، وليس للتوثيق أركان وشروط خارجة عن الفقه الذي ذكروه كما ظنه كثير من جهلة الطلبة"(1)، غير أن "طريقة التوثيق مبنية على الاحتياط، والجزم، والخروج عن الخلاف، وارتكاب الوجه المتفق عليه قطعاً للنزاع، والخصومات"(2).
والناظر إلى كتب الوثائق يجد أنها تقدم الأحكام الشرعية الفقهية للقضايا المختلفة، وتعقب بذكر صيغة الحكم، أو العقد الذي ينبغي كتابته، فمثلاً:
"فصل: والاستئجار على الأعمال جائز، ولابد من تعيين العمل، ومقدار الأجرة، (ويكتب في ذلك): عقد: استأجر فلان فلاناً البناء، أو النساج على عمل كذا، وتصفه بأقصى ما تقدر عليه - بأجرة مبلغها كذا، قبضها الأجير، أو تدفع لأجل كذا، وعلى الشروع في العمل، وشهد عليهما بذلك في كذا"(3)، ثم يعقب المؤلف ببيان حكم الإجارة، وكلما تعرض لمسألة تحتاج إلى "نص عقد" أورد لذلك مثالاً (4) وهكذا. و"إنما تستقل العقود الصحيحة،
(1) البهجة في شرح التحفة (1/ 12).
(2)
ميارة، محمد بن أحمد، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام (المشهور بشرح ميارة على التحفة 1/ 8).
(3)
ابن سلمون، عبد الله بن عبد الله، كتاب العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام (على حاشية كتاب التبصرة لابن فرحون 1/ 282 - 283).
(4)
المرجع السابق.
وتتم الموجبات الصريحة، بثبوتها لدى الحاكم المنعقدة ولايته، عند تحصيل شروطها صحة، وكمالاً
…
" (1).
فعلم الوثائق إذن: "علم يبين عناصر كل اتفاقية معقودة بين شخصين أو عدة أشخاص، يضمن استمرارها، موضحاً لكل من العاقد له، والمعقود عليه، ما له، وما عليه، والذي يتعاطى هذا الفن هم الشهود أو ما يعبر عنه اصطلاحاً بالعدول"(2).
"ومن الجدير بالذكر، أن نهضة (3) هذا الفن بدأت في الأندلس، وهكذا ما أن أقبل القرن الثالث الهجري، حتى بدأت.
(1) أزهار الرياض (3/ 310).
(2)
محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 113).
(3)
لعل أول من خص الوثائق والشروط بمؤلف من علماء المالكية هو محمد بن عبد الله بن الحكم؛ إذ يذكر المترجمون له أن من مؤلفاته كتاب الوثائق والشروط. (انظر ص 135 من هذا البحث). دور النشوء.
ويرى الدكتور الجيدي أن "أقدم كتاب ألف في هذا الفن هو كتاب ابن حبيب
…
، هذا إذا كان المقصود بابن حبيب هذا هو عبد الملك بن حبيب
…
"، وإلا "فسيظل كتاب محمد بن سعيد القرطبي المعروف بابن الملون هو أول مؤلف في هذا المضمار، وهو الغالب على الظن". محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 119).