الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلت المدرسة المصرية تؤتي ثمارها يانعة، وتوالي القيام بدورها في النشاط المذهبي، حتى أصابها وباء الحكم العبيدي لمصر باضطهاده، فخبت أضواؤها إلى أواخر القرآن السادس، و"انقطع نحو قرنين انقطاعاً كلياً، ثم تراجع وذاع أتم ذيعان، واستمر على ذلك حتى الآن"(1).
وتعتبر المدرسة المصرية رائدة منهج اعتماد السنة الاثرية "العمل" جنباً إلى جنب مع الحديث، وهو المنهج الذي ساد المذهب المالكين، وتبنته أكثرية مدارس المذهب.
4 - المدرسة المغربية: (القيروان - تونس - فاس)
كان المذهب السائد في إفريقية - القيروان، وتونس - وما ورائها من المغرب "مذهب الكوفيين، إلى أن دخل علي بن زياد، وابن أشرس (2)، والبهلول بن راشد (3)، وبعدهم أسد بن الفرات،
(1) شجرة النور الزكية (ص 445 - 450).
(2)
ابن أشرس، "أبو مسعود عبد الرحيم (عبد الرحمن) ابن أشرس، سمع من مالك، وابن القاسم، كان أحفظ للرواية، (ت
…
؟ ).
انظر: طبقات علماء إفريقية (ص 323)؛ طبقات الفقهاء (ص 157)؛ رياض النفوس (1/ 252 - 253)؛ ترتيب المدارك (3/ 85 - 86).
(3)
البهلول بن راشد، "أبو عمرو البهلول بن راشد، ثقة، مجتهد، ورع، لا يشك في أنه مستجاب الدعوة، سمع من مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، فضله أشهر من أن يذكر، عنده علم كثير (ت 183 هـ، وقيل: 182 هـ). انظر: طبقات علماء إفريقية (ص 126 - 138)؛ رياض النفوس (1/ 200 - 214)؛ ترتيب المدارك 03/ 87 - 101).
وغيرهم، بمذهب مالك، فأخذ به كثير من الناس، ولم يزل يفشو إلى أن جاء سحنون فغلب في أيامه
…
" (1).
"كان علي بن زياد في الحقيقة مؤسس المدرسة التونسية بأجلى مظاهرها التي لا تزال إلى اليوم ممتدة الفروع، ثابتة الأصول
…
" (2)؛ إذ هو "الذي بث في المغرب المالكية فعمت جميع أقطاره بدون استثناء، وهو وإن شاركته المدرسة المصرية، فهو الذي دل عليها، ولولاه ما قصد سحنون ابن القاسم.
فالتكوين الأول للمالكية بإفريقية إنما هو لبن زياد" (3).
والحق الذي لا ريب فيه أن المدرسة المصرية - التونسية / القيروانية أوجدتا بتعاونهما الأثر الفقهي المالكي الخالد (المدونة)، أملاها ابن القاسم لبنة ذهبية بمبادرة أسد، وتحرير سحنون وتدقيقه، وتولت المدرسة التونسية القيروانية ضمان الحياة لهذا الأثر بما قام به علماؤها - وعلى رأسهم سحنون - من جهود أثرها خالد، سواء في نشر المذهب في أقطار المغرب العربي والأندلس، أوفي تغذيته وتنميته باجتهاداتهم، وترجيحاتهم، ومؤلفاتهم.
(1) ترتيب المدارك (1/ 25).
(2)
الموطأ، قطعة منه برواية ابن زياد (مقدمة التحقيق بقلم الشاذلي النيفر، ص 29 - 30).
(3)
المرجع السابق.
"ومميزات هذه المدرسة إذا تتبعنا نراها كثيرة"(1)، وأهم هذه المميزات تلك التي ترتبط بالأصول، فهي:"مدرسة أنبتت على فقه الموطأ، المؤسس على الدعائم الصحيحة من الحديث والآثار، وغير ذلك مما وقف عليه مالك بن أنس رضي الله عنه وبنى عليه مذهبه المدعم بما عليه الجماعة بالمدينة المنورة"(2). ولشدة حرص هذه المدرسة على اتباع هذه الأصول كان منهجهم "تصحيح الروايات، وبيان وجوه الاحتمالات
…
، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار، وترتيب أساليب الأخبار، وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع" (3).
تمخضت مدرسة تونس عن مدرسة مالكية أخرى هي "مدرسة فاس، والمغرب الأقصى"، وهذه في حقيقتها امتداد علمي - كما هو جغرافي - لمدرسة تونس منهجاً، وآراءً.
تأسس هذا الفرع على يد دراس بن إسماعيل (4)، الذي كان
(1) الموطأ برواية ابن زياد (مقدمة المحقق، ص 46).
(2)
المرجع السابق.
(3)
أزهار الرياض (3/ 22)؛ وانظر أعلام الفكر الإسلامي (ص 61).
(4)
دراس بن إسماعيل، كنيته أبو ميمونة، من أهل فاس، سمع من شيوخ إفريقية، وفاس، والأندلس، من أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك وأصحابه، ليس في وقته أحفظ منه، حج وسمع كتاب ابن المواز، دخل الأندلس مجاهداً، مات بفاس (سنة 357 هـ، وقيل 358 هـ).
انظر: تاريخ علماء الأندلس، رقم (434)؛ ترتيب المدارك 06/ 81 - 84)؛ بغية الملتمس (ص 282)؛ نيل الابتهاج (ص 116).
"أول من أدخل مدونة سحنون مدينة فاس"(1).
"
…
وكما ساق الهدي الإلهي علي بن زياد ليعمر جامع الزيتونة بتونس حدثان بنائه بفقهه وعلمه، فقد ساق لجامع القرويين فقيهاً عمره، فتأسس به المركز التوجيهي الجديد، ونبت به فرع جديد لم يكن له سابق من فروع المذهب المالكي، هو فرع المغرب الأقصى الذي لم يتكون إلا في أوائل القرن الرابع بهذا الفقيه
…
، وهو دراس بن إسماعيل" (2).
" .... فكان الحلقة الأولى في سلسلة الفقهاء التي امتدت ألف سنة، فتقوم بها مركز نابه من مراكز التوجيه الإسلامي، اعتزت به فاس بين عدوتيها: عدوة القرويين، وعدوة الأندلس"(3)، وهذا الفرع - فرع فاس والمغرب الأقصى - وإن تأخر ظهوره إلا أنه والأندلس بخاصة بعد استقرار المهاجرين من علمائه في أنحاء المغرب العربي.
لقيت المدرسة القيروانية / التونسية من جور العبيديين
(1) شجرة النور الزكية (ص 103)؛ معلمة الفقه المالكي (ص 306)؛ موراني، ميكلوش، دراسات في مصادر الفقه المالكي (نقله إلى العربية من الألمانية د. سعيد بحري وزملاؤه، ص 150).
(2)
أعلام الفكر الإسلامي (ص 36).
(3)
المرجع السابق.
واضطهادهم الكثير، إلا أنها كافحت في سبيل البقاء، وصمدت لكل عوامل الظلم والاستبداد، حتى إذا "ضعفت دولة العبيديين
…
ظهروا [المالكية]، وفشوا عليهم، وصنفوا المصنفات الجليلة، وقام منهم أئمة جلّة طار ذكرهم بأقطار الأرض، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن خرجت القيروان، وأهلها، وجهاتها، وسائر بلاد المغرب مصفقة على هذا المذهب، مجتمعة عليه، لا يعرف لغيره قائم" (1).
وقد تعرض المذهب المالكي في المغرب إلى كثير من الهزات السياسية؛ نتيجة اختلاف الدل والحكام، إلا أنه صمد لكل هذه الهزات (2).
(1) ترتيب المدارك (1/ 26).
(2)
يذكر المؤرخون للمذهب أنه في عهد يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (من الموحدين، ت 595 هـ)"انقطع علم الفروع، وخافه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب" .... كمدونة سحنون، وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبي زيد، ومختصره، وكتاب التهذيب للبراذعي، وواضحة ابن حبيب، وما جانس هذه الكتب .. ".
انظر: المراكشي، عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص 278 - 279).
وانظر ما حدث للمذهب المالكي في تونس في العهد التركي: شجرة النور الزكية (ص 450).
والعلماء المغاربة - في الاصطلاح المتأخرين - "يشار بهم إلى ابن أبي زيد، وابن القابسي (1)، وابن اللبان (2)، والباجي، واللخمي، وابن محرز (3)،
(1) ابن القابسي: "أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري، المعروف بابن القابسي، كان أعمى لا يرى شيئاً، وهو مع ذلك من أصح الناس كتباً، وأجودهم ضبطاً وتقييداً، يضبط كتبه بين يديه ثقات أصحابه
…
، كان واسع الرواية، عالماً بالحديث وعلله ورجاله، فقيهاً أصولياً
…
، مؤلفاً مجيداً .. ، [وهو] متأخر في زمانه، متقدم في شأنه: العلم والعمل، والرواية والدراية .. ، له تواليف بديعة
…
، (توفي سنة 403 هـ). "ترتيب المدارك (7/ 92 - 100)؛ وانظر: الديباج المذهب (2/ 101 - 102).
(2)
ابن اللباد "أبو بكر محمد بن محمد بن وشاح، المعروف بابن اللباد
…
، كان رجلاً، صالحاً، فقيهاً، جليل القدر، عالماً باختلاف أهل المدينة واجتماعهم
…
، منا لحفاظ المعدودين، والفقهاء المبرزين
…
"، "له حظ وافر من الفقه، شغله إسماع الكتب عن التكلم في الفقه
…
، من مؤلفاته كتاب الآثار والفوائد، عشرة أجزاء (توفي سنة 333 هـ) ".
رياض النفوس (2/ 283 - 292)؛ ترتيب المدارك (5/ 286 - 295)؛ الديباج المذهب (2/ 196 - 197).
(3)
ابن محرز: "أبو القاسم عبد الرحمن بن محرز، قيرواني
…
، كان فقيهاً، نظاراً، نبيلاً، ذا رواء حسن
…
، له تصانيف حسنة، منها تعليق على المدونة سماه "التبصرة"، وكتابة الكبير المسمى بالقصد والإيجاز، توفي نحو الخمسين وأربعمائة (450 هـ). "ترتيب المدارك (8/ 68)؛ وانظر: الديباج المذهب (2/ 153)؛ شجرة النور الزكية (ص 110).
وابن عبد البر (1)، وابن رشيد (2)، ابن العربي (3)، والقاضي
(1) ابن عبد البر: "يوسف بن عبد الله
…
ابن عبد البر النمري، أبو عمر، الحافظ، شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته
…
، علا ذكره في الأقطار، ورحل إليه الناس، وسمعوا منه، وألف تواليف كثيرة مفيدة طارت بالآفاق"، من مؤلفاته: "التمهيد" وهو كتاب لم يضع أحد مثله في طريقته، وكتاب "الاستذكار"
…
، وكتاب "الاستيعاب"، (توفي 463 هـ).
ترتيب المدارك (8/ 127 - 130)؛ وانظر: الصلة (2/ 677 - 679)؛ بغية الملتمس (ص 489 - 491)؛ الديباج المذهب (2/ 367 - 370).
(2)
ابن رشد: "أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد [الجد] زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب
…
، كان إليه المفزع في المشكلات
…
، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته إلى أن توفى
…
، كثير التصنيف مطبوعة
…
، حسن القلم والروية
…
، (توفي سنة 520 هـ، وقيل 530 هـ).
اليحصبي، القاضي عياض، الغنية (ص 54)؛ وانظر: الصلة (2/ 576 - 577)؛ بغية الملتمس (ص 51)؛ أزهار الرياض (3/ 59 - 61)؛ الديباج المذهب (2/ 248 - 250)؛ مواهب الجليل (1/ 36).
(3)
ابن العربي أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد المعافري، المعروف بابن العربي، كان فهماً، نبيلاً، فصيحاً، حافظاً، أديباً، شاعراً، من أهل التفنن في العلوم، والاستبحار فيها، والجمع لها، متقدماً في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، وهو ختام علماء الأندلس، صنف في غير فن تصانيف مليحة كثيرة، حسنة، مفيدة (ت سنة 543 هـ).
انظر: الغنية (ص 66 - 72)؛ الصلة (2/ 591)؛ بغية الملتمس (ص 92 - 99)؛ المرقبة العليا (ص 105 - 107)؛ أزهار الرياض (3/ 62 - 65)؛ الديباج المذهب (2/ 252 - 256).