الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج التأليف وموضوعه
" أصبح الفقه المالكي منذ القرن السابع يسير على منهجين:
المنهج الأول:
منهج متابعة التلخيص، والتحرير، والتهذيب لمسائل الأحكام الموضوعة على الأسلوب الذي تركناه في القرن الخامس
…
، وكان لمنهج الاختصار المحكم الذي ظهر به الإمام الغزالي في المذهب الشافعي بكتاب (الوجيز) تأثير قوي في دفع العمل الفقهي على ذلك المنهج، كما صرح بذلك مقدم هذه الحلبة ابن شاس في خطبة كتاب (الجواهر الثمينة)، وهو الذي سار على خطته ابن الحاجب، والقرافي، ومن بعدهم" (1).
ورث علماء هذا الدور مادة علمية نفحت فيها الروايات والأقوال، ونسقت في مؤلفات جامعة، تنسيقاً علمياً منطقياً مهذباً، سواء منها تلك التي تجمع الأصول وتفرع عليها أو تلك التي تعتمد التفريع والتشهير فقط؛ إذ كان من أهم ما قام به علماء الفترة السابقة هو النظر في التراث العلمي الموروث من الفترة قبلها: بالترجيح، والتشهير، وضم ذلك في مؤلفات جامعة موسعة مع التنظيم والترتيب، وأخرى مختصرة اختصاراً موسوعياً، تبتعد عن الإطناب، وتتسم بالوضوح والشمول، لعل آخرها عقد الجواهر
(1) ومضات فكر (2)(ص 71 - 73).
الثمينة، والذي يرى مؤلفه أنه اختصار حذا فيه منهج الغزالي في وجيزه، وإن كانت المقارنة توضح فروقاً جذرية في المادة العلمية.
لعل من أوضح هذه الفروق أن الوجيز مع تركيزه في ذكر آراء الشافعية تركيزاً موجزاً غاية الإيجاز، شارك بين الشافعية والمذاهب الأخرى كما أشار إليه الإمام الغزالي في مقدمته، في حين
…
يكز ابن شاس على اختلاف أصحاب مالك، ولا يخرج عن نطاق المذهب إلا نادراً" (1).
اتسع هذا المنهج في الاختصار بالتنقيح، والتنظيم، والتهذيب، مع وضوح التعبير، وضوحاً لا يحتاج في فهمه إلى زيادة شرح أو إيضاح، فلم يسمع عن شرح لكتاب الجواهر (2).
في دور الاستقرار تطور هذا المنهج الاختصاري، وتحول تدريجياً إلى اختصار يضم مادة علمية واسعة في تعبيرات وكلمات موجزة.
يعرف علماء المالكية المنهج الاختصاري الذي اتبعوه في مختصراتهم في هذا الدور بأنه: "رد الكثير إلى القليل، وفي القليل معنى الكثير"(3)، وبلفظ آخر أكثر دقة: "اختصر الكلام: إذا أتى
(1) ابن شاس، عبد الله بن نجيم، عقد الجواهر الثمينة (تمهيد التحقيق 1/ 37) وانظر:(ص 45).
(2)
المرجع السابق.
(3)
مواهب الجليل (1/ 24).
بالمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة من غير إخلال بالمعنى" (1)، وهو منهج اتبعه علماء المالكية في مختصراتهم في هذا الدور إلا أن بعضهم بالغ في الاختصار، حتى أصبح الكتاب يضم مادة علمية واسعة في كلمات وتعبيرات موجزة جداً تصل أحياناً إلى مستوى الألغاز، مما يحتاج إلى شرح وحاشية.
فكتاب جامع الأمهات لابن الحاجب إيجاز لمادة علمية واسعة سعة لا تقل عن المادة المستوعبة في كتاب عقد الجواهر الثمينة لابن شاس، خاصة إذا سلمنا بما يراه البعض من أن جامع الأمهات لابن الحاجب اختصار لكتاب عقد الجواهر، وهو أمر لا يعترف به ابن الحاجب (2).
بلغ الاختصار المركز أوجه بظهور مختصر خليل، والذي اختصر فيه كتاب ابن الحاجب، وتوالت على مختصر خليل الشروح والحواشي، بل والمختصرات، حتى أضحت مؤلفات الفقه النظري لا تكاد تتجاوز هذه الدائرة، مما حدى ببعض العلماء المؤرخين للفقه الإسلامي إلى اعتبار هذا المنهج من أسباب هرم الفقه المالكي (3).
(1) الخرشي على مختصر خليل (1/ 34).
(2)
انظر الآراء في ذلك في: نفح الطيب (7/ 145 - 146)، عقد الجواهر الثمينة (تمهيد التحقيق 1/ 46 - 48).
(3)
انظر: الفكر السامي (2/ 398 - 404).