الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
كتاب الجامع:
"وهي كتب فيها مناسك النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
18 - مدونة سحنون (ت 240 ه
ـ):
أصبح اسم "المدونة" علماً على الصيغة الأخيرة المنقحة المهذبة لما عرف من قبل بالأسدية، أو مدونة أسد، والصيغة الجديدة هي تلك التي تلقاها سحنون عن ابن القاسم بعد أن أعاد الأخير النظر في الأسدية الأولى، ولعل اختصاص سحنون بنسبتها إليه يعود إلى
(1) ترتيب المدارك (4/ 128).
ما أدخل عليها من التهذيب والتنظيم، وما ألحقه بها من خلاف كبار أصحاب مالك، ومن الآثار والأحاديث (1)، والمعروف المتداول أن الأسدية "أول كتاب يؤلف في الفقه المالكي بعد الموطأ"(2)، "ويحتوي على ستين كتاباً"(3).
والذي لا شك فيه أن الفضل لا يتعدى أسداً في أسبقية للتفكير في صياغة منهج فقهي جديد، يمزج فيه بين منهج الفقهاء العراقيين الفرضي، ومنهج مالك الأثري، وهو منهج نجح فيه أسد إلى حد كبير بعد أن أقنع ابن القاسم في تنزيل آراء مالك على مسائل الحنفية، مخرجاً إلى الوجود أول نص فقهي مالكي الآراء، حنفي المنهج، وإذا كانت فكرة أسد لم يكتب لها الحياة طويلاً؛ فليس ذلك لوهن في الفكرة نفسها، بل هو في حقيقته يرجع إلى أن تباين منهجي بين تيارين لم تؤثر فيه الأطماع الشخصية إلا بقدر تأثر النفس الإنسانية بالنجاح، أو الإخفاق (4).
عارض الطريقة الأسدية تيار مالكي مؤسس على عزف ظاهر من إمام المذهب عن تبني مبادئ الفقه الفرضي المتمثل بمدرسة أهل
(1) انظر: معلمة الفقه المالكي (ص 305)؛ ترتيب المدارك (3/ 299).
(2)
الصراع المذهبي بإفريقية (ص 51).
(3)
ترتيب المدارك (3/ 297).
(4)
انظر: الصراع المذهبي (ص 58).
الرأي (1)، وإذا كان أسد قد استطاع إقناع ابن القاسم بقبول الفكرة الجديدة، فإن سحنون، قرين أسد في التلقي عن ابن زياد، تصدى لهذه الفكرة الجديدة، والتيار الجديد، وأبي إلا أن يعود بفقه المالكية إلى النهج الاثري الخالص، الذي ارتضاه مؤسسه من قبل، فكانت رحلة سحنون بمدونة أسد إلى ابن القاسم يعرضها عليه، ويراجعه الرأي، "فكاشف ابن القاسم عن هذه الكتب مكاشفة فقيه يفهم"(2). ورجع ابن القاسم عن بعض ما كان قد تبناه من آراء (3)، ويعود سحنون بالمدونة: مالكية منهجاً فكرياً، ومادة علمية فقهية، وإن احتفظت بما اقتبسه أسد من المنهج العراقي في التأليف.
ويلخص فضيلة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور الأسباب التي أدت إلى رفض المالكية للأسدية في سببين:
"الأول: هو أنه لما بنى إدراج مذهب على مذهب آخر؛ فقد وقع فيه من الاختلاط في الأقوال، والاختلال في عزوها أمور جاءت قادحة فيما يطلب في كتب الأحكام من الصحة المطلقة.
الأمر الثاني: هو أن فقهاء المالكية اعتادوا بناء الفقه على الأحاديث والآثار، كما هي طريقة مالك في الموطأ، وقد سلك أسد
(1) انظر: ترتيب المدارك (3/ 292).
(2)
ترتيب المدارك (3/ 298 - 299)؛ وانظر: رياض النفوس (1/ 263)؛ وابن خلدون، المقدمة (ص 245).
(3)
المرجع السابق.
في كتابه طريقة فقه خالص، مبني على صريح الاجتهاد" (1)، ولذلك عزف الناس عن كتابه "وقالوا: جئنا بأخال، وأحسب، وتركت الآثار وما عليه السلف" (2)، وهم في هذا ينهجون على خطوات إمامهم في عزوفه عن منهج غير المنهج الأثري الخالص.
عاد سحنون إلى القيروان بالمدونة بعد مراجعتها، وعكف عليها ترتيباً، وتنظيماً لأبوابها، ومسائلها، "فهذبها، وبوبها، ودونها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث، والآثار، إلا كتباً منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها في السماع"(3)، وأعطت للمدونة اسماً آخر هو (المختلطة). "فهذه كتب سحنون: المدونة والمختلطة" (4).
"فالمدونة الموجودة بين أيدينا هي ثمرة جهود ثلاثة من الأئمة: مالك بإجاباته، وابن القاسم بقياساته، وزياداته، وسحنون بتنسيقه، وتهذيبه، وتبويبه، وبعض إضافاته"(5).
"ضمت المدونة بين دفتيها حوالي 36000 (6) مسألة؛ إلى
(1) أعلام الفكر الإسلامي (ص 27).
(2)
ترتيب المدارك (3/ 298).
(3)
ترتيب المدارك (3/ 299)؛ وانظر: أعلام الفكر الإسلامي (ص 28 - 29).
(4)
المرجع السابق.
(5)
محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 177).
(6)
تختلف المصادر في تقدير ما احتوته المدونة من مسائل، فيرى فضيلة الشيخ ابن عاشور أن:"في المدونة وحدها أربعين ألف مسألة"(ومضات فكر (2)، ص 67)، في حين يرى الشيخ إبراهيم بن صالح بن يونس الحسيني أن مسائل المدونة تبلغ "اثنتين وثلاثين ألف مسألة"، (ندوة مالك، 1/ 143)، وفي ترتيب المدارك "ذكر بعضهم أن مسائل المدونة ستة وثلاثون ألف مسألة"، (3/ 367)، ونقل ابن فرحون في الديباج المذهب أن:"في المدونة ستاً وثلاثين ألف مسألة ومائتين، منها أربعة ممحوة"(2/ 208).