الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياة مالك رحمه الله تعالى، ولم تنته ما ظلت المناقشات الفقهية بين المذاهب.
ونظراً لتباين المواقف من مفهوم هذا الأصل وحجيته، ولما كان له من دور مؤثر في تطور المذهب المالكي، أقدم عرضاً موجزاً لهذا الأصل ومفهومه.
إجماع أهل المدينة: (عمل أهل المدينة)
" .. هذا الدليل من أمهات مسائل مذهب مالك - رحمه الله تعالى - وقد اشتهر أن عمل أهل المدينة حجة عند مالك، فمنعم من يطلق هذه العبارة، ومنهم من يقيدها، ومنهم من يشنع على المالكية هذا الدليل، وهم إذا تملكوا فإنما يتكلمون في غير موضع خلاف؛ ولا تحرير للمسألة، ومنهم من لم يتصور المسألة ولا تحققها"(1).
ومع اعتماد مالك هذا الأصل، ودفاعه عنه، إلا أنه "لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين الذين ينسب غليهم الاستدلال بعمل أهل المدينة أثر يبين مفهوم عمل أهل المدينة ويحدده، حتى مالك الذي اعتبره أصلاً، لا ينص على حدود هذا الأصل، ولم يبين حقيقته"(2)، وإن كان الإمام رحمه الله قد رسم خطوطاً عريضة
(1) الجواهر الثمينة (ص 208).
(2)
المالكي الحسني، محمد بن علوي بن عباس، فضل الموطأ وعناية الأمة الإسلامية به (ص 80).
لمفهوم العمل الذي يحتج به في رسالته إلى الليث بن سعد (1) حيث يقول الإمام:
"فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر لأحد خلافه؛ للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها، ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه من مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم"(2).
ولغموض موقف الإمام مالك التطبيقي من هذا المبدأ كان تحديد المقصود من عمل أهل المدينة مناط اجتهاد الفقهاء من المالكية وغيرهم، ويقدم لنا القاضي عياض (3) في مداركه عرضاً مفصلاً
(1) "الليث بن سعد بن عبد الرحمن، الإمام الحافظ شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، أبو الحارث الفهيم
…
، فقيه مصر، ومحدثها
…
، ورئيسها" (ت سنة 175 هـ). الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء (8/ 136، 143 - 163)؛ وانظر: البستي، محمد بن حبان، كتاب مشاهير علماء الأمصار (ص 191).
(2)
ترتيب المدارك (1/ 43).
(3)
القاضي عياض: "أبو الفضل عياض بن موسى .. ، اليحصبي .. ، سبتي الدار والميلاد، أندلسي الأصلي
…
، إمام وقته في الحديث وعلومه، عالماً بالتفسير وجميع علومه، فقيهاً، أصولياً، عالماً بالنحو
…
، بصيراً بالأحكام عاقداً للشروط، حافظاً لمذهب مالك .. ، سافر الأندلس، وعني بلقاء الشيوخ، والأخذ عنهم، وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء (ت 544 هـ) ". الديباج المذهب (2/ 46 - 51)؛ وانظر: ابن عياض، أبو عبد الله محمد، التعريف بالقاضي عياض؛ ابن الأبار القضاعي، محمد بن عبد الله، المعجم في أصحاب القاضي الصدفي (ص 306 - 310)؛ الصلة (2/ 453 - 454)، بغية الملتمس (ص 437)؛ المقرئ، أحمد بن محمد، أزهار الرياض في أخبار عياض.
"الميادين" تطبيق هذا المبدأ، وموقف المالكية منها، يوجز ذلك فضيلة الشيخ حسن المشاط (1) رحمه الله بقوله:"فتحصل من هذا أن عمل أهل المدينة حجة عند مالك رحمه الله فيما طريقه التوقيف، ولا مجال للرأي فيه"(2).
ولعل كلمة الحق فيما جرى بين فقهاء الأمصار حول هذا الأصل يصورها الإمام ابن تيمية (3) الذي أبدع في توضيح موقف
(1) حسن بن محمد بن عباس المشاط، المحدث، الفقيه، مجتهد الحجاز في عصره، كان ورعاً، تقياً، حيياً، كريم المعشر، دمث الأخلاق، متواضعاً تواضع العلماء، حريصاً على التمسك بالسنة في جميع تصرفاته، برع في الحديث، والأصول، والفقه، وكتبه وأحكامه القضائية تشهد على اتجاهه الاجتهادي، ومع ذلك كان هياباً للفتوى، غير جريء عليها، إذا سئل السؤال أداره أولاً على جلسائه ليعرف رأيهم، ولد بمكة المكرمة عام (1317 هـ)، ونشأ بها، له مؤلفات كثيرة (ت 1399 هـ). ترجم له ترجمة ضافية تلميذه الملازم له الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان في مقدمة تحقيقه لكتاب "الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة" للمترجم له.
(2)
الجواهر الثمينة (ص 212 - 213).
(3)
ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، شيخ الإسلام، محدِّث، فقيه، مجتهد، مؤلفاته كثيرة ومتعددة المواضيع (ت سنة 728 هـ).
انظر: عبد الهادي، محمد بن أحمد، العقد الدرية من مناقب ابن تيمية.