الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) الروايات والسماعات المعتمدة:
يقول الخطابي (1) "
…
تجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلا رواية ابن القاسم والأشهب وضربائهم وتلاد أصحابه، فإذا جاءت روايات عبد الله بن الحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلاً" (2).
وكلام الإمام الخطابي يصور "الاتجاه الانفرادي" الذي كان متحكماً في مجال السماعات المعتمدة لدى كل مدرسة، وهو تيار أخذ في الانحسار تدريجياً مع أواخر المرحلة الأولى، وبلغ أشده وذروته مع نهاية مرحلة التطور.
فمدرسة الأندلس التي تبنت على المستوى الرسمي القضائي رأى ابن القاسم فقط دون غيره، كان لها السبق في تقديم أول جمع رسمي من نوعه ومنهجه لسماعات مالك أياً كانت المدرسة التي ترويه أو تعتمده، وأخرجت بذلك كتاب الاستيعاب.
(1) "الإمام العلامة الحافظ اللغوي، أو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم ابن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف، أخذ الفقه على مذهب الشافعي عن أبي بكر القفال الشاشي
…
، طوّف ثم ألف في فنون من العلم، وصنف
…
"، (توفي سنة 388 هـ). سير أعلام النبلاء (17/ 23 - 28).
(2)
معالم السنن (مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، وتهذيبه للإمام ابن القيم 1/ 8).
"فقد سقط إلى الحكم أمير المؤمنين (1) كتاب من رأي مالك ابتدأه (2) بعض أصحاب إسماعيل القاضي [المدرسة العراقية]، وبوبه، وقرره ديواناً جامعاً لقول مالك خاصة - لا يشاركه فيه قول أحد من أصحابه - باختلاف الرواية عنه، وذكر من رواها.
مضى للمؤلف منه مقدار أجزاء أو نحوها، واخترمته المنية عن إتمامه، فلما رآه الحكم، أعجبه بسطه، وحرص على إكمال الفائدة به، فذاكر به قاضيه ابن السليم (3)، وسأله: هل عندك
(1) الحكم المستنصر بن عبد الرحمن أمير الأندلس، تقدمت ترجمته (ص 183).
(2)
"المبتدئ بتأليف كتاب الاستيعاب لأقوال مالك مجردة دون أقوال أصحابه" هو عبد الله بن حنين بن عبد الله الكلابي، توفي سنة 319 هـ. انظر: الديباج المذهب (1/ 436).
(3)
ابن السليم: محمد بن إسحاق بن السليم، تولى القضاء للحكم المستنصر ابن عبد الرحمن بقرطبة، كلان لين الكلمة، سهل الخلق، متواضعاً، من العدول المرضيين، والفقهاء المشهورين، وله عند أهل بلده جلالة مذكورة، ومنزلة في العلم والفضل معروفة، وكان مع هيبته، ورياسته، حسن العشرة والأنس، كريم النفس، حافظاً للفقه، بصيراً بالاختلاف، عالماً بالحديث، راسخاً في العلم، لم يل القضاء لقرطبة أفقه منه، جمع إلى الرواية الواسعة جودة استنباط الفقه والفتيا (توفي سنة 367 هـ).
انظر: تاريخ علماء الأندلس رقم (1319)، جذوة المقتبس (ص 43 - 44)، ترتيب المدارك (6/ 280 - 289).
من يكمله على الرغبة؟ فقال له: نعم. بشرط إباحة أمير المؤمنين خزانة كتبه للبحث عن أقوال مالك، حيث كانت من رواية المكيين، والمدنيين، والعراقيين، القرويين، والأندلسيين، وغيرهم
…
" (1)، ورشح ابن السليم الفقهيين: أبا بكر المعيطي القرشي (2)، وأحمد بن عبد الملك الأشبيلي، الشهير بابان المكوى (3)، فانتدبهما الحكم لهذه المهمة، و"مكنهما من الأسمعة،
(1) ترتيب المدارك (7/ 121).
(2)
"محمد بن عبيد الله بن الوليد المعيطي، أبو بكر، من أبناء الأشراف، وأعيان الفقهاء
…
، كان حافظاً للفقه، عالماً بمذهب مالك وأصحابه
…
، صارت إليه رئاسة قرطبة بالعلم، والشرف، والقرب من الخليفة
…
، فزهد في ذلك كله في عنفوان شبابه (ت سنة 367 هـ) ".
ترتيب المدارك (7/ 119 - 122)، وانظر: تاريخ علماء الأندلس رقم (1320)، جذوة المقتبس (ص 402)، بغية الملتمس (ص 529)، الديباج المذهب (2/ 225 - 226).
(3)
أبو عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي، المعرف بابن المكوى، شيخ فقهاء الأندلسيين في قته
…
، قلده الحكم الشوري
…
، إليه انتهت رئاسة الفقه بالأندلس حتى صار في مثابة يحيى بن يحيى في زمانه، واعتلى على جميع الفقهاء، ونفذت الأحكام بأمره
…
، كان أفقه أهل زمانه وأنفقهم للرأي، وكان أحفظ الناس لمذهب مالك، واختلاف أصحابه، لا يلحقه أحد من المتقدمين في عصره، ولا يقوم به أحد من طبقته
…
(ت سنة 401 هـ) ". ترتيب المدارك (7/ 123 - 134)، وانظر: جذوة المقتبس (ص 132 - 133)، الصلة (1/ 22 - 23).
وما جانسها، فاقتدرا منها على ما أراداه، وألَّفا كتاب الاستيعاب الكبير، في مائة جزء، بلغا فيه النهاية" (1). والكتاب بهذا المنهج الذي يرسمه النص يقدم لنا - ولا شك - نموذجاً فريداً لزوال المنحى الانفرادي في السماعات المعتمدة، أو يقدم على الأقل دليلاً على اتساع الأفق الفكري المذهبي في المدرسة الأندلسية.
من الشواهد على مدى التأثير الفكري المتبادل بين المدارس المالكية في ميدان المرويات والسماعات نتيجة هذه العوامل الاتصالية، أن ابن أبي زيد - إمام المدرسة القيروانية، ومؤلف الرسالة - "لما فرغ من تأليفها كتب منها نسختين وبعث بواحدة منها إلى أبي بكر الأبهري، [إمام المالكية] ببغداد، فأظهر الفرح بها، وأشارع خبرها بين الناس وأثنى عليها وعلى مؤلفها، وأمر ببيعها؛ ليحسن بثمنها إلى الواصل بها، فبيعت بمائتي دينار دراهم. فقال: لا تباع إلا وزناً بوزن، ففعل ذلك، فجاء وزنها ثلاثمائة دينار، ونيفاً"(2)، ولم يقف الاهتمام بهذا الكتاب عند التقدير المادي، بل تجاوزه إلى التعبير عن الإعجاب العلمي، فألف الأبهري تأليفاً سماه
(1) ترتيب المدارك (7/ 121).
وكتاب الاستيعاب: "على نحو كتاب (الباهر) الذي جمع فيه أبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد، القاضي المصري، أقاويل أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه". جذوة المقتبس (ص 132 - 133).
(2)
معالم الإيمان (3/ 111 - 112).
- (مسالك الجلالة في مسند الرسالة) - تتبع فيها مسائلها التي تبلغ أربعة آلاف، فرفع لفظها ومعناها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى أصحابه (1).
ويستمر اهتمام المدرسة العراقية بكتب ابن أبي زيد، إذ يشرح القاضي عبد الوهاب كتابين من مؤلفات ابن أبي زيد: الرسالة، ثم المختصر، وشرحه للأخير سماه الممهد في شرح مختصر أبي محمد (2).
هذا الاهتمام البين بمؤلفات زعيم المدرسة القيروانية بَادَلَه اهتمام مماثل، إن لم يكن أعظم، من ابن أبي زيد، فقد بلغ من تقديره لأبي بكر الأبهري أن كتب إليه يستجيزه (3)، وظلت الرسائل بينهما تحمل الأسئلة والفتاوى التي ضمنها ابن أبي زيد في كتابه الشهير: النوادر والزيادات (4).
(1) انظر ابن أبي زيد، أبي محمد عبد الله، الرسالة الفقهية مع غرر المقالة للمغراوي (مقدمة المحقق، د. حموود. أبي الأجفان، ص 43).
زروق، أحمد بن محمد البرنسي، شرح الرسالة مع شرح ابن ناجي على متن الرسالة (1/ 16، 17، 18).
(2)
ترتيب المدارك (7/ 222).
(3)
المرجع السابق (6/ 217، 220).
(4)
دراسات في مصادر الفقه المالكي (ص 105).