الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأخر المدونة تأليفاً مع تميزها برواية ابن القاسم وأقواله، منحها درجة التفضيل والتقديم، فهي تقدم الصيغة الأخيرة لاجتهاد الإمام، وما توصل إلهي من آراء فقهية، قد تختلف عما جاء في الموطأ المتقدم تأليفاً، هذا الاختلاف نتيجة حتمية لتغير آراء المجتهد في القضايا التي تعرض عليه في ضوء إعادته النظر والتأمل، استنباطاً وأدلة، "فقد اتفق المالكية على أن روايته [ابن القاسم] في المدونة تقدم على كل ما يخالفها"(1)؛ إذ "كان عالماً بالمتقدم من قوله [مالك] والمتأخر؛ ولما وقع الاتفاق على الثقة بعلمه، وورعه، علم أن ما أجاب في المدونة إلا بما يرى أنه يسعه من الله تعالى أن يحمل الناس على العمل به، وغلب على الظن أنه إنما يجيب في المسائل بقول مالك الأخير حيث يختلف قوله
…
" (2).
ويظل الموطأ قرة عين المذهب، رائداً لا ينافس في التدليل للرأي وقوته، وما يترتب على ذلك من ترجيح، وتشهير، حسب ما يتضح من البحث إن شاء الله تعالى.
تصنيف الآراء الفقهية اعتماداً وترجيحاً:
ورث المتأخرون من علماء المالكية تراثاً ضخماً من الآراء
(1) فتح العلي المالك (1/ 106).
(2)
كشف النقاب الحاجب (ص 68)، وانظر: تبصرة الحكام (1/ 47 - 49).
والاجتهادات الفقهية التي قد تمثل اتجاهات متعارضة، مما حدا ببعضهم إلى سؤال أحد العلماء:"ما لمذهبكم كثير الخلاف؟ " قال: "لكثرة نظَّار في زمن إمامه، وقد أخذ عنه مشافهة نحو ألفين كلهم مجتهد أو قارب الاجتهاد"(1).
ومع نمو المذهب بعد الصدر الأول، اتسع أكثر فأكثر، الأمر الذي تطلب من المتأخرين تصنيف الأقوال المتعارضة، من حيث اعتمادها وتقديمها، إلى درجات يتخذها العالم ميزاناً عند تصديه للحكم على الآراء والاجتهادات المتعارضة في القضية أو المسألة الواحدة.
فالرأي الفقهي في مسألة له إحدى الدرجات الآتية:
الأولى: الراجح: وهو ما قوي دليله.
الثانية: المشهور: وتختلف الآراء في تعريف المشهور إلى:
أ- ما قوي دليله، فيكون مرادفاً للراجح.
ب- ما كثر قائلوه.
ج- رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة.
(1) نيل الابتهاج (ص 357 - 358).
والمعتمد (1) من هذه التفسيرات - عند أكثر المتأخرين (2) - هو أن المشهور ما كثر قائلوه.
الثالث: الضعيف والشاذ: والضعيف يقابل الراجح، والشاذ يقابل المشهور.
فإذا صح في المسألة قول راجح، أو قول مشهور، فالمعتمد أحدهما، ولا يجوز العدول عن الراجح أو المشهور، إلى الشاذ أو الضعيف إلا إذا كان العمل عليه كما سيبين لاحقاً، وصيغة أفعل التفضيل (الأرجح أو الأشهر) تعطي التقديم للقول الموصوف به، فالأرجح مقدم على الراجح، والأشهر مقدم على المشهور (3).
(1) انظر: الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 20)، العدوي، حجازي، حاشية حجازي على شرح المجموع (1/ 17)، نور البصر (ص 120)، الصاوي، أحمد بن محمد، بلغة السالك غلى مذهب الإمام مالك (1/ 9)، العذب السلسبيل (ص 459)، الفاسي، محمد بن قاسم القادري، رفع العتاب والملام (ص 17)، المالكين محمد عابدين حسين، هداية الناسك (ص 7).
(2)
الخلاف في المعتمد في تفسير المشهور لم يستقر، إذ يميل فريق من العلماء إلى اعتماد تفسير المشهور (بما قوي دليله) فيكون مرادفاً للراجح. انظر: تبصرة الحكام (1/ 63)، البهجة شرح التحفة (1/ 21)، المعيار (12/ 37)، الجواهر الثمينة (ص 288).
(3)
عن كل ما تقدم من تصنيف، وتعريف، وخلاف، انظر: كشف النقاب الحاجب (ص 62 وما بعدها)، تبصرة الحكام (1/ 49 - 50)، البهجة شرح التحفة (1/ 21 - 22)، مواهب الجليل (1/ 32)، الخرشي على مختصر خليل وحاشية العدوي (1/ 36)، نور البصر (ص 120 - 122)، رفع العتاب رفع العتاب والملام (ص 17 - 19).