الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يقف التأثير الفقهي للموطأ على مذهب المالكية، بل يتعداه إلى المذاهب الأخرى، فـ "أصل مذهب الشافعي، ومادة اجتهاده هو الموطأ، إنما تعقبه في بعض المواضع، وخالفه في ترجيح الروايات. ورأس المال لفقه الإمام محمد في المبسوط وغيره هو الموطأ"(1)؛ فهو "عمدة مذهب الشافعي، وأحمد، ورأسه، ومصباح مذهب أبي حنيفة، ونبراسه. وهذه المذاهب بالنسبة للموطأ كالشروح للمتون، وهو منها بمنزلة الدوحة من الغصون، وإن الناس وإن كانوا من فتاوى مالك في رد وتسليم، وتنكيت وتقويم، فما صفا لهم المشرب، ولا تأتَّى لهم المذهب إلا بما سعى في تيتبه، واجتهد في تهذيبه
…
" (2).
2 - المدونة:
" أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ مالك رحمه الله، ويروى أنه ما بعد كتاب الله كتاب أصح من موطأ مالك رحمه الله، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة، والمدونة هي عند أهل الفقه ككتاب سيبويه عند أهل النحو، وككتاب إقليدس عند أهل الحساب، وموضعها من الفقه موضع أم القرآن من الصلاة، تجزئ من غيرها، ولا يجزئ غيرها منها"(3).
(1) تسهيل دراية الموطأ (ص 23).
(2)
المسوى (ص 5).
(3)
المقدمات الممهدات (1/ 44 - 45).
يصور هذا النص موقع المدونة عند المالكية اعتماداً لها، فابن رشد رحمه الله يقدم لنا المدونة كتاباً معتمداً عند المالكية باختلاف مدارسهم، "أفرغ الرجال فيها عقولهم، وشرحوها وبينوها"(1).
ظهرت المدونة مصرية المولد، ووجدت في إفريقية وتونس المكانة العظمى في الاعتماد؛ فـ "هي أصل المذهب، المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة، وإياهم اختصر مختصروها، وشرح شارحوها، وبها مناظراتهم، ومذاكرتهم"(2)؛ و"لأن المدونة أجل كتب المذهب من إملاء ابن القاسم أجل تلامذة مالك"(3) كان عليها معتمد أهل القيروان (4)، وعلى قول سحنون المعول في المغرب (5).
وكما نالت المدونة اعتماد القيراونيين، نالت اعتماد الأندلسيين؛ فـ "أهل قرطبة أشد الناس محافظة على العمل بأصح الأقوال المالكية، حتى إنهم كانوا لا يولون حاكماً إلا بشرط أن لا يعدل في الحكم عن مذهب ابن القاسم"(6)، بل انتقل تأثير المدونة إلى المدرسة
(1) ترتيب المدارك (3/ 300).
(2)
المرجع السابق (3/ 299).
(3)
نيل الابتهاج بتطريز الديباج (ص 43).
(4)
طبقات الفقهاء (ص 160)، ابن خلدون، المقدمة (ص 245).
(5)
المرجع السابق.
(6)
نفح الطيب (4/ 202)، وانظر: المعيار (11/ 378).
العراقية المالكية، وإن كان هذا التأثير لم يظهر بشكل واضح إلا متأخراً على يد القاضي عبد الوهاب ابن نصر (1).
"ولعل أي كتاب من كتب المذهب لم يحظ بمثل ما حظيت به المدونة، فلقد افتتن بها الناس افتتاناً، وحفظوها استظهاراً على كبر حجمها، وأكثروا من شروحها، والتعليق عليها واختصارها، فكثرت نسخها، وتطايرت شرقاً وغرباً، واهتبل الناس بها عامة وخاصة، وشرحوا غريبها، ونبهوا على مشكلاتها"(2).
وباختصار أصبحت المدونة دستور المالكية الذي يحتكمون إليه أياً كانت مدارسهم وعصورهم، حتى قال قائلهم:"ما من حكم نزل من السماء إلى وهو في المدونة"(3)، "فهي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين"(4)، "وهي أصل المذهب، وعمدته"(5)، "فإذا أطلق الكتاب فإنما يريدونها لصيرورته عندهم علماً بالغلبة عليها"(6)،
(1) ترتيب المدارك (3/ 246).
(2)
محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 177).
(3)
المكناسي، أحمد بن القاضي، جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس (1/ 127)، نيل الابتهاج (ص 81).
(4)
البراذعي، خلف بن القاسم، التهذيب (مخطوطة مصورة)، ورقة رقم (1/أ)، مواهب الجليل (1/ 34).
(5)
مواهب الجليل (1/ 34).
(6)
حاشية عدوي على خرشي (1/ 38).