الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما عند تعارض الراجح والمشهور في قضية واحدة فالعلماء مختلفون في تقديم أيهما! ولعل الأمر قد استقر عند المتأخرين من علماء هذا الدور على أن المعتمد عند تعارض الراجح والمشهور تقديم الراجح أياً كان قائله، متى ثبت قوة دليله على دليل الرأي المقابل (1).
المعتمد تشهيره من المدارس والعلماء:
يتميز القول المشهور بكثرة قائليه من علماء المذهب المعتمدين، ومن ذلك يستمد اعتماده وتقديمه على غيره، ومن ثم يبرز سؤال: من الذي يعتمد تشهيره ويقبل حكمه على قولٍ ما بذلك؟
(1) نور البصر (ص 120)، العذب السلسبيل (ص 59)، رفع العتاب والملام (ص 21 - 23)، على أن من العلماء من يرى تقديم المشهور على الراجح عند تعارضهما. انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 101 - 102)، حاشية حجازي على شرح المجموع (1/ 17)، المعيار (6/ 327 - 328)(11/ 100 - 101)، حاشية العدوي على الخرشي (بهامش الخرشي على خليل 1/ 36)، البهجة (1/ 21)، وانظر مناقشة هذا الرأي في رفع العتاب والملام (ص 21 - 23).
تتضح أهمية الجواب على هذا السؤال، حين تختلف المدارس في تشهير قول دون آخر، أو يختلف علماء المذهب المعتمدون فيما بينهم اختلافاً فردياً في الحكم بتشهير قول دون آخر.
نص علماء المالكية على أنه: "إذا اختلف المصريون والمدنيون قدم المصريون غالباً، والمغالبة والعراقيون قدمت المغاربة"(1)، و"تقديم المصريين على من سواهم ظاهر؛ لأنهم أعلام المذهب، لأن منهم ابن وهب، وقد علمت جلالته، وابن القاسم، وأشهب، وكذا تقديم المدنيين على المغاربة؛ إذ منهم الأخوان (2). ويظهر تقديم المغاربة على العراقيين؛ إذ منهم الشيخان"(3).
ولعل تقديم المغاربة على العراقيين يتأكد في ضوء ما قدمناه من أن أكثر اعتماد العراقيين على رواية ابن عبد الحكم في حين اعتمد
(1) حاشية العدوي على الخرشي على خليل (بهامش الخرشي على خليل 1/ 49)، والقاعدة المذكورة تنسب إلى القاضي سند بن عنان.
انظر: المالكي، محمد عابد، القول الفصل في تأييد سنة السدل (ص 27).
(2)
(*) الأخوان: مطرف، وابن الماجشون.
(3)
حاشية العدوي على الخرشي على خليل (بهامش الخرشي على خليل)(1/ 49)، الشيخان: ابن أبي زيد، وأبو الحسن القابسي، انظر: الدردير، أحمد، الشرح الكبير (بهامش حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 482)، وتقدم أن الشيخين يراد بهما أيضاً ابن أبي زيد، وأبو بكر الأبهري، وهذا غير مناسب هنا لأن الثاني (عراقي).
المغاربة مثلهم مثل المصريين، على رواية ابن القاسم؛ ولذا "الذي جرى به عمل المتأخرين اعتبار تشهير ما شهره المصريون والمغاربة"(1)؛ "لأن المشهور عندهم [المغاربة] والمصريون هو مذهب المدونة"(2).
فإذا اختلف المصريون والمغاربة في التشهير، فالذي يستفاد من نص المتقدم:"تقديم المصريين على من سواهم"؛ غذ بظاهر يشمل المغاربة، فيقدم المصريون عليهم (3).
أما عند اختلاف شيوخ المذهب أفراداً في التشهير، والترجيح، فيرى المتأخرون:
1 -
أن ابن رشد، والمازري، وعبد الوهاب متساوون في التشهير (4).
2 -
أن ابن رشد يقدم تشهيره على كل من: ابن بزيزة (5)(6)، وابن
(1) تبصرة الحكام (1/ 50)، المعيار المعرب (12/ 23).
(2)
كشف النقاب الحاجب (ص 67).
(3)
انظر: المامي، محمد المختار محمد، المذهب المالكي مدارسه ومؤلفاته، خصائصه وسماته، (رسالة لنيل درجة الماجستير، لم تطبع، ص 83).
(4)
انظر: مواهب الجليل (1/ 36).
(5)
المرجع السابق.
(6)
(*) ابن بزيزة: عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي، التونسي، عرف بابن بزيزة، العلامة المؤلف، الإمام المشهور، كان في درجة الاجتهاد (توفي سنة 662 هـ، وقيل 663 هـ، وقيل 673 هـ والتاريخ الثالث رجحه صاحب النيل).
انظر: نيل الابتهاج (ص 187)، الحلل السندسية (1/ 645)، شجرة النور الزكية (ص 190)، الفكر السامي (2/ 232)، تراجم المؤلفين التونسيين (1/ 127 - 129).
يونس، واللخمي (1). فـ "لا يحل لمسلم تقديم قول اللخمي على قول ابن رشد"(2). وتقديم ابن رشد مقيد بأنه "فيما عدا ما نبه الشيوخ على ضعف كلام ابن رشد فيه"(3).
3 -
أن ابن يونس مقدم على اللخمي (4).
واضح من هذا الترتيب تسنم ابن رشد، والمازري، وعبد الوهاب قمة الاعتماد في تشهير الأقوال، وهذا يصور مدى ما بلغ إليه امتزاج المدارس المالكية.
لابد هنا من التنبيه إلى أمرين:
أولهما: أن الترتيب المتقدم بين العلماء ليس موضع اتفاق كامل، فهناك من العلماء من يخالف في بعضها، كما أن لها استثناءات منصوصاً عليها في الفروع، "فقد مشى خليل في مختصره في مواضع عديدة على كلام اللخمي دون ابن رشد، مع وقوفه على كلامهما في ذلك الموضع"(5)، ولعل هذا يعود إلى ما
(1) انظر: البهجة (1/ 21)، العدوي، حجازي، حاشية حجازي على شرح المجموع (1/ 17).
(2)
حاشية حجازي على شرح المجموع (1/ 17)، وانظر: نيل الابتهاج (ص 171).
(3)
البهجة (1/ 21).
(4)
المرجع السابق.
(5)
نيل الابتهاج (ص 172).