الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"ولا تمضي من الزمن إلا قليلاً، ونصل إلى القرن الخامس الهجري، حتى نرى هذا (العمل) صار من الذيوع والانتشار، ما غطى مجموع تآليف الفقهاء. بل إن بعضهم خصّ بالتأليف كتاباً كل ما ذكر فهي من مسائل نص على أن العمل جرى بها، كما هو الشأن بالنسبة لأبي الوليد الباجي"(1) في كتابه فصول الأحكام؛ إذ هو "موضوع أساساً لبيان ما جرى عليه الحكام، وما درج عليه الفقهاء في إفتائهم كما يدل على ذلك عنوانه"(2).
3 - الفتاوى والنوازل:
" علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الوقائع الجزئية، ليسهل الأمر على القاصرين بعدهم"(3).
"وقد أقبل كثير من العلماء في مختلف المذاهب على التصنيف في هذا العلم، وجمع شتات ما صدر عن الفقهاء من فتاوى، سموها أحياناً بالأجوبة، ووسمت مؤلفاتهم تارة بالفتاوى، وتارة بالنوازل، وتارة أخرى بالأحكام، أو مسائل الأحكام"(4).
(1) العرف والعمل في المذهب المالكي (ص 346).
(2)
الباجي، أبو الوليد سليمان بن خلف، فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام (مقدمة للمحقق د. أبي الأجفان، ص 105).
(3)
مفتاح السعادة ومصباح السيادة (3/ 601)، وانظر: الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم، الفتاوى (مقدمة المحقق د. أبي الأجفان).
(4)
فتاوى الشاطبي (مقدمة المحقق، ص 84).
"
…
ولما كانت إجابات المفتين مبنية على أسئلة المستفتين المتعلقة بالأحداث النازلة، والأمور الطارئة، فإنها تبتعد في الغالب عن الجانب النظري المحض في الفقه" (1)، فهي في جلها تطبيق للفقه على وقائع الحياة، "وتصور ألوانها من حياة المستفتين، ومعاملاتهم، وعاداتهم، وظروف عيشهم
…
" (2).
والمتتبع لكتب النوازل والفتاوى المالكية يجد أنها يمكن أن تصنف في قسمين رئيسين:
1 -
كتب تحتوي على أحكام قضائية، في قضايا عرضت على المؤلف بصفته قاضياً، فأصدر حكمه فيها.
ومن الأمثلة على هذا النوع من التأليف كتاب: المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام للقاضي أبي الوليد هشام بن عبد الله (3)؛ إذ يقول في مقدمة كتابه: "أما بعد فإنني منذ ابتليت بالنظر بين الناس في الأحكام، والفصل بينهم في النوازل التي تدور
(1) فتاوى الشاطبي (مقدمة المحقق، ص 84).
(2)
المرجع السابق.
(3)
"القاضي أبو الوليد هشام بن عبد الله بن هشام الأزدي المالكي المتوفى سنة (606 هـ) ".
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 1778)، وانظر: البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين (2/ 509)، وذكر أن اسمه أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن بن هشام، والاسم الذي ذكره صاحب كشف الظنون هو ما ورد في مقدمة المؤلف من كتابه المخطوط.
في مجال الحكام، لم أزل عند وقوعها أجعل هجيراي العكوف على استخراجها من أمهات الكتب، والوقوف على مواضعها في الدواوين المتضمنة لها، وأقيد عند كل نازلة تطرأ، أو حادثة من الأحكام تنشأ، حتى اجتماع لي جملة صالحة من المسائل التي لا غنى عنها، ولابد للحكام منها، وقيدتها مفترقة حسب وقوعها في أوقات مختلفة، فرأيت بعد استخارة الله تعالى أن أضم نشرها، وأنتظم ردها، وأقيم مائلة صورها، وأضيف إليها مسائل تليق بمعناها، تبعث النفس على البحث والتنقير عن سواها، وأنسب كل قول إلى قائله، وأسمى الكتب الذي [هكذا] نقلتها منها
…
" (1).
والقاضي عياض "لما طال في خطه القضاء دوامه، وساعدته لياليه وأيامه، نزلت إليه من الأقضية نوازل تحار فيها الأذهان والأفهام، ويبعد مأخذها من طرق القضايا والأحكام فيحكم فيها بما يتجه عنده، ويبذل في ذلك استطاعته وجهده"(2)، تصدى لجمع هذه القضايا ابنه محمد (3) بن عياض فيقول: "وألفيت بعد موته
(1) المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام، (محفوظ مصور، ص 1).
(2)
القاضي عياض وولده، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام (ص 29 - 30).
(3)
"محمد بن عياض بن موسى
…
اليحصبي، من أهل سبتة، ولد الإمام أبي الفضل، يكنى أبا عبد الله، كان جليلاً، أديباً كاملاً"، (توفي سنة 575 هـ). الديباج المذهب (2/ 266).
- رحمة الله عليه - سؤالاته على تلك النوازل، والأجوبة عليها في بطائق، فنقلت تلك الأسولة من خطة رضي الله عنه إلا ما نبهت عليه
…
" (1).
2 -
كتب جمعت فتاوى هي إجابات لأسئلة وجهت إلى مؤلفها وقام هو بنفسه بجمعها، أو جمعها أحد تلاميذه، أو المهتمين بهذه القضايا (2).
وهذا النوع من كتب الفتاوى والنوازل هو الغالب، فابن رشد جمع فتاويه تلميذه ابن الوزان (3)، ثم قام بعرضها عليه (4)، في حين أن الوزاني (5) جمع بنفسه فتاويه في نوازله حيث يقول: "هذه
(1) القاضي عياض وولده، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام _ص 26 - 30).
(2)
انظر: فتاوى الشاطبي (مقدمة المحقق، ص 84 - 85)، حيث ذكر تصنيفاً للفتاوى من حيث مؤلفوها، وجامعوها، وانظر أيضاً: الباجي، فصول الأحكام (مقدمة المحقق، ص 98).
(3)
ابن الوزان: "محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم
…
أبو الحسن، المعروف بابن الوزان
…
، صاحب الصلاة بجامع قرطبة الأعظم،
…
، كان معنياً بتقييد الآُثار، حسن الحظ والوراقة" (توفي سنة 543 هـ). المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي (ص 160 - 162).
(4)
ابن رشد، محمد بن أحمد، فتاوى ابن رشد (مقدمة المحقق المختار بن الطاهر التليلي 1/ 23).
(5)
"أبو عبد الله محمد المهدي بن محمد بن خضر الحسني الوزاني الفاسي، مفتيها
…
، خاتمة العلماء المحققين الجهابذة، صاحب التآليف المفيدة، والرسائل العديدة
…
، منها
…
نوازل في مجلدات .. ، (تفي سنة 1342 هـ) ".
شجرة النور الزكية (ص 435 - 436)، وانظر: معلمة الفقه المالكي (ص 21).
مسائل مفيدة، وأجوبة في الفقه دقيقة، كنت زمن تعاطي الفتوى إذا أجبت عن مسألة قيدتها، فلما اجتمع عندي ما يسر الناظر فيها، بادرت إليها فجمعتها، وهنا اثبتها
…
" (1).
(1) نوازر الوزاني (1/ 2).