الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(55) مؤلفات ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد، (ت سنة 520 ه
ـ).
ابن رشد الجد "زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم، المعترف له بصحة النظر، وجودة التأليف، ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات"(1)، فقد "كان الناس يلجأون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه"(2).
نالت مؤلفات ابن رشد وآراؤه وترجيحاته شهرة واسعة، واعتماداً عالياً ممن جاء بعده من علماء المالكية. فابن رشد تتميز مؤلفاته بسلاسة الأسلوب، وجمال العرض، وعمق الاستنباط، والتفريع، مع العلم الواسع بخبايا الآراء المالكية من مختلف مدارسها، وقدرة على الجمع بين أطراف الموضوع، ولم يكن ابن رشد عالماً فقط، بل كان عالماً جمع إلى العلم ملكة أصيلة، وموهبة قديرة في التدريس، وطريقة مشوقة في عرض الفقه المالكي عرضاً يجذب قلوب الطلاب قبل أفهامهم، فلا غرو أن كانت مؤلفاته قرة عين من جاء بعده، وآراؤه مركز اعتبار المالكية، ألف ابن رشد في فروع الشريعة بمعناها العام، وأهم تآليفه الفقهية:
1 -
المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من
(1) الغنية (ص 54).
(2)
الصلة (2/ 577).
الأحكام الشرعية، والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات.
"وليست المقدمات من كتب فروع الفقه العادية، ولا من كتب الأصول، وإنما هي بدع من التأليف يحتوي على دراسات وتأملات فقيه مالكي ضليع، بلغ درجة الاجتهاد المذهبي، بل الاجتهاد المطلق، ينظر في ميدان الخلاف العالي، وينافح عن مذهبه المالكي - عند الاقتضاء - بالحجة والبرهان"(1). فـ"الكتاب يمثل حلقة جديدة في التآليف المالكية، ونظرة جديدة إلى المدونة أساساً، وإلى التصانيف الفقهية لشيوخ المذهب وعلمائه"(2).
وكتاب المقدمات هو نتيجة الاجتماع "للمذاكرة، والمناظرة في مسائل كتب المدونة"(3)؛ إذ هي مقدمات كان المؤلف يوردها "عند استفتاح كتبها [المدونة]، في أثناء بعضها؛ مما يحسن المدخل به إلى الكتاب، وإلى ما استفتحت عليه من فصول الكلام، وتعظم الفائدة ببسطه وتقديمه وتمهيده من معنى اسمه، واشتقاق لفظه، وتبيين أصله من الكتاب والسنة. وما اتفق عليه أهل العلم من ذلك، واختلفوا فيه بوجه بناء مسائله عليه، وردها إليه، وربطها بالتقسيم لها، والتحصيل
(1) ابن رشد، المقدمات الممهدات (1/ 6).
(2)
ابن رشد وكتابه المقدمات (ص 563).
(3)
المقدمات الممهدات (1/ 9 - 10).
لمعانيها،
…
، ووصلت ذلك ببعض ما استطرد القول فيه من أعيان مسائل وقعت في المدونة ناقصة مفرقة، فذكرتها مجموعة ملخصة، مشروحة بعللها مبينة، فاجتمع من ذلك تأليف مفيد
…
" (1) إذا "جمعه الطالب إلى هذا الكتاب [البيان والتحصيل] حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات، وأصول الفقه، وعرف العلم من طريقه، وأخذه من بابه سيبله، وأحكم رد الفرع إلى أصله، واستغنى بمعرفة ذلك كله عن الشيوخ في المشكلات، وحصل في درجة من يجب تقليده في النوازل والمعضلات، ودخل في زمرة العلماء
…
" (2).
وهذا صريح في أن الكتابين يؤهلان دارسهما للوصول إلى درجة الاجتهاد بحيث يجب تقليده! وكفى بذلك تقويماً لهما! . "إن الكتاب جدير بأن يتبوأ مكانة ممتازة في عصره وبعد عصره. وأن يوضع في موضع المرآة التي تعكس المذهب المالكي بوضوح، والتي تحقق المدونة أجل تحقيق؛ إذا تظهر المذهب، وعقيدة مؤسسه وأصحابه، وتبين منشأة، وتطوره، وأصولهن وتفريعاته، وتعرض مواقف ابن رشد منها موافقة، واعتراضاً، وتأييداً، واستبعاداً؛ إذ تدقق معاني المدونة، وتضبط تأويلاتها، وتحل مشكلاتها، وتغربل ما قيل فيها سابقاً إلى
(1) المقدمات الممهدات (1/ 9 - 10).
(2)
البيان والتحصيل (1/ 32).
عصره، كما تغربل آراء المالكيين في أفهامهم لها، وأقوالهم في كتبهم، أو أنقالهم في تآليفهم
…
، كل ذلك بحذق وأمانة، وبموضوعية وفطانة، وبحفظ نادر، ودراية قوية على الاستيعاب والفهم، وحسن الجمع والتركيب، وجمال العرض والتبويب، وقدرة على الإفهام وإيصال المعلومات إلى الأفهام" (1).
وينبغي التنويه هنا على أن منهج المؤلف وإن كان مركزاً على آراء المذهب وأدلته، فإنه كثيراً ما يعرض آراء المذاهب الأخرى، ملتزماً في ذلك الإيجاز غير المخل، مما يجعل الكتاب أقرب إلى فقه مقارن بين مذاهب العلماء، ومدارس الفقهاء.
2 -
البيان والتحصيل، والشرح والتوجيه، والتعليل في مسائل المستخرجة.
والمستخرجة، أو العتبية للعتبي هي أصل البيان والتحصيل، وإحدى أمهات كتب المذهب المعتمدة. "والواقع أن العتبي حفظ في المستخرجة - فضلاً عن الروايات المشهورة - سماعات كثيرة من مالك وتلاميذه لولاه لضاعت، إلا أنه لم يتمكن من تمحيصها وعرضها على أصول المذهب، ومقارنتها بالروايات الأخرى، حتى جاء محمد بن رشد فقام بهذه العملية النقدية في البيان والتحصيل،
(1) ابن رشد وكتابه المقدمات (ص 563).
وأصبحت المستخرجة - بعد أن تميز فيها الصحيح من السقيم - خيراً، وبركة، وزيادة في فروع المذهب المالكي، وجزءاً لا يتجزأ من البيان والتحصيل أحد الكتب المعتمدة في الفتوى بالأندلس، وسائر بلاد الغرب الإسلامي" (1).
يشير ابن رشد إلى منهجه في البيان فيقول: "أذكر المسألة على نصها، ثم أشرح من ألفاظها ما يفتقر إلى شرحه، وأبين من معانيها، بالبسط لها ما يحتاج إلى بيانه وبسطه، واحصل من أقاويل العلماء فيها ما يحتاج إلى تحصيله، إذ قد تتشعب كثير من المسائل، وتفترق شعبها في مواضع، وتختلف الأجوبة في بعضها لافتراق معانيها، وفي بعضها باختلاف القول فيها، فأبين موضع الوفاق منها من موضع الخلاف، وأحصّل الخلاف في المواضع الذي فيه منها الخلاف، وأذكر المعاني الموجبة لاختلاف الأجوبة فيما ليس باختلاف، وأوجّه منها ما يحتاج إلى توجيه بالنظر الصحيح، والرد إلى الأصول، والقياس عليها"(2).
بهذا المنهج التحليلي المقارن قدم لنا ابن رشد كتاباً "احتوى مع استيعاب شرح مسائله على شرح عامة مسائل المدونة، وتحصيل كثير
(1) البيان والتحصيل (مقدمة المحقق، د. محمد حجي، 1/ 21).
(2)
البيان والتحصيل (1/ 29).
من أمهاتها لتعلقها بها بما لا مزيد عليه، ولا غاية وراءه" (1)، وبذلك لا يحتاج "الطالب النبيه فيه إلى شيخ يفتح عليه معنى من معانيه؛ لأني اعتمدت في كل ما تكلمت عليه بيان ما تفتقر المسألة إليه، بكلام مبسوط، واضح موجز يسبق إلى الفهم بأيسر تأمل، وأدنى تدبر" (2).
اعتمد ابن رشد في كتابه هذا "منهجاً جذاباً، وطريقاً مشوقاً، كشف به غموض الكتاب [المستخرجة]، ودقق فيه بين مختلف الروايات فيه، ونبه إلى ما فيه من صحة وضعف، وصواب وخطأ
…
، وأخرج الكتاب من طريق الضياع، والتخلي عنه، فقربه إلى الطلاب، وبصرهم بكيفية الإفادة منه، وسهل صعوباته
…
" (3).
3 -
فتاوى ابن رشد:
"واحدة من تآليف ابن رشد الثلاثة المعتمدة"(4)، "وتختلف عن كتابيه الآخرين: المقدمات، والبيان، وعن الكتب الفقهية النظرية بصفة عامة، تختلف عنها في الافتراضات النظرية، والمسائل الجزئية
(1) البيان والتحصيل (1/ 30).
(2)
المرجع السابق.
(3)
ابن رشد، محمد، الجامع من المقدمات (مقدمة المحقق، د. المختار بن الطاهر، ص 29).
(4)
فتاوى ابن رشد (مقدمة المحقق الدكتور المختار بن الطاهر 1/ 7 - 8).
بقيودها وشروطها، والتي شعبت الفقه، وضخمته وعقدته" (1)؛ إذ النوازل "في الغالب كانت إجابات عن أسئلة في أحداث تتصل بحياة الناس" (2).
"وابن الوزان (543 هـ/1488 م)، تلميذ ابن رشد، هو جامع الفتاوى، وناسبها إلى مؤلفها، وراويها، وناشرها"(3).
"وكتاب الفتاوى لم يرتب ترتيباً تاريخياً حسب صدورها، ولا ترتيباً موضوعياً حسب الأبواب الفقهية المتعارفة"(4).
"والكتاب يحتوي على 559 فتوى صدرت عن ابن رشد ما عدا ثلاثاً
…
، وجميع فتاوى ابن رشد (556) في الفقه، سوى إحدى عشرة فتوى بعضها أجوبة عن مسائل في الكلام، وبعضها في اللغة، وبعضها في معاني جملة من الأحاديث النبوية" (5) (6)، وفتاوى ابن رشد "كانت وما تزال من أيام وجودها إلى الآن صحيحة المأخذ، سليمة المنهج، تلقاها الفقهاء بالدراسة والقبول، فأثنوا عليها رغم ما
(1) فتاوى ابن رشد (مقدمة المحقق الدكتور المختار بن الطاهر 7 - 8).
(2)
المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق (1/ 22).
(4)
ابن رشد وكتابه المقدمات (ص 343).
(5)
المرجع السابق (ص 344 - 345).
(6)
(*) لمزيد من التفصيل في عدد الفتاوى - بتحديد أكثر - وموضوعاتها، ونسبتها إلى علمائها، انظر: فتاوى ابن رشد (مقدمة المحقق 1/ 55 - 56).
تعقبوا بعضها، واعترضوا عليه ببعض الاعتراضات
…
" (1)، فالكتاب "مدونة فقهية تبين منهج ابن رشد التطبيقي في تقرير الأحكام الشرعية في القضايا التي عرضت عليه، واستفتى فيها، وسجل ناطق بآراء صاحبها ومذهبه في فهم الفقه المالكي بصفة خاصة، والفقه الإسلامي بصفة عامة، وتصنيف عملي يظهر حفظ صاحبه، وتبحره، ويبرز إحاطته بالروايات، واطلاعه على المؤلفات، ووقوفه على الخلافيات، ويبين مدى وثوق السائلين بمختلف أصنافهم، ومتنوع فئاتهم الاجتماعية بما حرره ابن رشد
…
، وهو وثيقة قيمة تكشف عما كان بين ابن رشد، وبعض أهل عصره من اختلاف في الأنظار، وما كان بينه وبينهم في بعض تلك الوقائع من حوار علمي هادئ رصين
…
" (2).
4 -
اختصار المبسوطة: هكذا تشير مصادر ترجمة ابن رشد إلى اسم الكتاب، والكتاب في حقيقته: اختصار لاختصار المبوطة، إذ المبسوطة: ليحيى بن إسحاق، وقد انتدب الحكم الخليفة الأندلسي، عالمين جليلين هما: محمد عبد الله ابنا أبان إلى اختصارها "فاختصراها وقرباها، واختصر اختصارهما بعد هذا شيخنا قاضي الجماعة أبو الوليد بن رشد"(3).
(1) فتاوى ابن رشد (مقدمة المحقق 1/ 12).
(2)
المرجع السابق (مقدمة المحقق 1/ 69 - 70).
(3)
ترتيب المدارك (6/ 301)، الديباج المذهب (2/ 257)، وانظر:(ص 219 - 220) من هذا البحث.