الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهر مؤلفات هذه المرحلة
باستثناء الموطأ، ونتيجة منطقية لطبيعة هذه المرحلة - مرحلة التأسيس والنشوء - فإن عامة الكتب المشهورة في هذه الفترة هي تلك التي جمعت الآراء الفقهية للإمام في سماعات ومرويات تختلف باختلاف طلابه، وقد يضاف إليها الآراء الشخصية، والترجيحات، والاستنباطات التي توصل إليها كل طالب في القضايا المروية، أو المستجدة بناءً على ما استوعبه من قواعد المذهب وأصوله.
وسيعرض الباحث فيما يأتي، أهم هذه المؤلفات، وأكثرها شهرة وتداولاً بين طلاب العلم، وتأثيراً في تطور المذهب، مرتبة على سنة وفاة مؤلف الكتاب، أو من اشتهر نسبة الكتاب إليه.
(1) الموطأ: للإمام مالك بن أنس (ت 179 ه
ـ):
" أول كتاب في شرائع الإسلام،
…
، لم يؤلف مثله" إذ بناه مالك رضي الله عنه على تمهيد الأصول للفروع (1).
يقول مالك في سبب تأليفه: "لقيني أبو جعفر (2) المنصور - يعني
(1) محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 159). انظر: العابد الفاسي، محمد، فهرس مخطوطات خزانة القرويين (2/ 486 - 487)(نقلاً عن القبس لابن العربي).
(2)
الخليفة العباسي توفي سنة (158 هـ) بمكة، ودفن بها. انظر: ابن كثير، أبو الفداء الحافظ، البداية والنهاية (10/ 124).
قال الذهبي: كان فحل بني العباس؛ هيبة وشجاعة ورأياً وحزماً ودهاء وجبروتاً، كامل العقل، حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم. سير أعلام النبلاء (7/ 83).
في الحج - فقال: إنه لم يبق للناس عالم غيري وغيرك. فأما أنا فقد شغلت بالسياسة، وأما أنت فضع للناس كتاباً في السنة، والفقه، تجنب فيه رخص ابن عباس (1)، وتشديدات ابن عمر (2)، وشواذ ابن مسعود (3)، ووطئه توطئاً (4).
(1) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقهاء، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، مات بالطائف (سنة 68 هـ).
انظر: ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، الإصابة (2/ 322 - 326).
(2)
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ابن الخليفة الثاني، صحابي جليل، قرشي عدوي، ومن المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم (توفي سنة 72/ 73 هـ). انظر: الإصابة (2/ 338 - 341).
(3)
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صحابي جليل، كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم من فقهاء الصحابة وعلمائهم، لازم النبي صلى الله عليه وسلم:"تمسكوا بعهد ابن أم عبد"(توفي سنة 32/ 33 هـ). انظر: الإصابة (2/ 360 - 262).
(4)
لعل من أسباب اختيار مالك هذا الاسم لكتابه:
1 -
أنه شيء صنفه ووطأه للناس.
2 -
أنه واطأه عليه فقهاء المدينة بعد عرضه عليهم.
انظر: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، تنوير الحوالك (1/ 6 - 7)؛ الفكر السامي (1/ 335)؛ أوجز المسالك (1/ 33)؛ فضل الموطأ وعناية الأمة الإسلامية به (ص 19)؛ محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 152 - 153).
قال مالك: فعلمني كيفية التأليف" (1).
والقصة تشير إشارة واضحة إلى سبب تسمية الكتاب موطأ، كما أنها تدل بنصها على الطريق الذي اختاره الإمام، واتبعه في هذا الكتاب:"طريق الاعتدال التي هي أقوام طريقة في التأليف والفتوى"(2).
"توخى [الإمام مالك في كتابه] القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، ومن بعدهم"(3).
"وبوبه على أبواب الفقه، فأحسن ترتيبه وتبويبه، فكان كتاباً، حديثياً، فقهياً، جمع بين الأصل والفرع، فهو أول تدوين يعتبر في الحديث، والفقه"(4)، إذ "لم يختلف أهل النظر إلى معاني الامور وغاياتها في أن الموطأ أول كتاب قصد منه إثبات الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(5).
(1) الفكر السامي (1/ 336)؛ وانظر: ترتيب المدارك (2/ 73).
(2)
المرجع السابق.
(3)
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك (1/ 5).
(4)
الفكر السامي (1/ 335).
(5)
كشف المغطى (ص 27).
و"فضل كتاب الموطأ على كتب الأحاديث هو أنه الكتاب الذي ربطت به حلقات العلم النبوي ممتَّنة، متوالية منذ أن تلقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن اجتمعت عند مالك رضي الله عنه (1).
أما منهج الكتاب فقد نظم مالك الموطأ "على أبواب بحسب ما يحتاجه المسلمون في عباداتهم، ومعاملاتهم، وآدابهم من معرفة العمل فيها، الذي يكون جارياً بهم على السَنَن المرضي شرعاً، فإن الأمة ما قصدت من حفظ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلا للاقتداء به في أعمالهم، وقد تبعه على هذا التبويب البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ومسلم في خصوص العنوان بالكتب من صحيحه.
وجعل مالك فيه باباً جامعاً في آخره، ذكر فيه ما لا يدخل في باب خاص من الأبواب المخصصة بفقه بعض الأعمال. قالوا: ومالك رحمه الله أول من عنون كتاباً من كتب مصنفه بكتاب الجامع (2)، وأضاف إلى ذلك ما استنبطه من الأحكام في مواقع
(1) موطأ مالك برواية ابن زياد (مقدمة المحقق، ص 53).
(2)
"وهذا الأسلوب في تبويب المسائل الذي يدرج جانباً منها تحت عنوان (الجامع) يختص بالتأليف في مذهب مالك، كما يلاحظ شهاب الدين القرافي الذي يقول في هذا الصدد: "لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف، لأنه يقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه، أعني العبادات، والمعاملات، والاقضية، والجنايات، فجمعها المالكية في أواخر مصنفاتهم وسموها بـ (الجامع)، أي جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب كتاباً من الكتب، وهي ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال .. ".
القيرواني، ابن أبي زيد، كتاب الجامع (مقدمة المحقق أبي الأجفان، وزميله، ص 86)؛ انظر: الذخيرة (مقدمة المحقق 1/ 13).
الاجتهاد، مما يرجع إلى جمع بين متعارضين، أو ترجيح أحد الخبرين، أو تقديم إجماع، أو قياس، أو عرض على قواعد الشريعة، فكان بحق كتاب شريعة الإسلام" (1).
ويمكن حصر عناصر المادة العلمية في الموطأ في الأقسام الآتية:
"القسم الأول: أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد متصلة من مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: أحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد مرسلة.
القسم الثالث: أحاديث مروية بسند سقط فيه راو، ويسمى المنقطع.
القسم الرابع: أحاديث يبلغ في سندها إلى ذكر الصحابي، ولا يذكر فيها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يكون
(1) كشف المغطى (ص 16 - 17).
الخبر مما يقال بالرأي، وهذا الصنف يسمى الموقوف.
الخامس: البلاغات، وهي قول مالك رحمه الله:"بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ..... ".
السادس: أقوال الصحابة، وفقهاء التابعين.
السابع: ما استنبطه الإمام مالك رحمه الله من الفقه المستند إلى العمل، أو إلى القياس، أو إلى قواعد الشريعة (1).
روي الموطأ بروايات متعددة، "ونسخة تزيد على الثلاثين"(2)، ويرجع هذا التعدد في الروايات إلى كثرة تلاميذ مالك الراوين موطأه؛ "فقد روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة، وبين رواياتهم اختلاف من تقديم، وتأخير، وزيادة، ونقص، أكبرها رواية القعنبي"(3). واختلاف روايات الموطأ عدداً، وتقديماً، وتأخيراً في
(1) كشف المغطى (ص 18 - 19).
(2)
تسهيل دراية الموطأ (ص 22). وانظر: ندوة مالك (الوافي، المهدي، الإمام مالك وكتابه الموطأ 2/ 215 - 235).
(3)
تنوير الحوالك (ص 9).
يختلف عدد أحاديث الموطأ باختلاف الروايات، ومن المصادر التي تعرضت لذكر الروايات ونسخ الموطأ وعددها، وعدد الأحاديث، والشروح، والتعليقات على الموطأ:
1 -
السيوطي، تنوير الحوالك شرح موطأ مالك.
2 -
السيوطي، تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك.
3 -
اللكنوي، محمد عبد الحي، التعليق الممجد على موطأ محمد.
4 -
الكاندهلوي، محمد زكريا، أوجز المسالك إلى موطأ مالك.
5 -
ابن عاشور، محمد الطاهر، كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ.
6 -
الدهلوي، عبد الوهاب، تسهيل دراية الموطأ بتعريف مقدمة المصفى لولي الله الدهلوي.
7 -
موطأ مالك، قطعة منه برواية ابن زياد (مقدمة المحقق فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر).
8 -
المالكي، محمد بن علوي الحسني، فضل الموطأ وعناية الأمة الإسلامية به.
9 -
الجيدي، عمر، محاضرات في تاريخ المذهب المالكي (ص 151 - 171).
10 -
سيزكين، تاريخ التراث العربي، المجلد الأول (3/ 130 - 131، 141).
…
أما الروايات المطبوعة والمتداولة فهي:
1 -
رواية يحيي بن يحيى الليثي.
2 -
رواية محمد بن الحسن الشيباني.
3 -
تلخيص القابسي لرواية ابن القاسم للموطأ.
4 -
موطأ مالك، قطعة منه برواية ابن زياد.
كما أحب أن أشير هنا إلى أن هناك نسخة محظوظة "من موطأ مالك برواية ابن تومرت" محفوظة في خزانة القرويين برقم 1449.
ومعلوم أن ابن تومرت، ادعى المهدوية
…
انظر: العابد، محمد، فهرس مخطوطات خزانة القرويين، (4/ 186).
الأبواب لابد منه، وذلك: "أن الإمام رضي الله عنه لم يزل ينقيه
في كل سنة، ويختبره، والرواة قد أخذوا عنه في السنين المختلفة" (1)، و"الأحاديث التي أسقطها من الموطأ لم يسقطها لضعف فيها، أو علة تقدح في صحتها، وإنما كان يختار، وينتقي، ويقدم شيئاً على شيء، ويراعي مصلحة الدين، وأحوال الناس، وتقبل السامعين، وفهمهم" (2).
ولا شك أن أشهر الروايات وأكثرها تداولاً بين العلماء - وخاصة في العصور المتأخرة - هما رواية يحيى بن يحيى الليثي (3)، ورواية محمد بن الحسن الشيباني (4).
أما الأولى فقد تبناها علماء المشرق والمغرب على حد سواء، "وغن أجل الروايات للموطأ وأوعبها هي رواية يحيى بن يحيى الليثي، وهي التي اعتمدها الناس بالمغرب والمشرق"(5)، فهي التي تتبادر إلى الاذهان عند الإطلاق، "وأكب عليها العلماء من هو في عصرنا، وكثير ممن سبقنا بتدريسه، ومدوا إليه الأعناق"(6).
أما الثانية، فقد اهتم بها علماء الحنفية خاصة، وَأوْلَوْهَا الكثير
(1) أوجز المسالك (1/ 36).
(2)
فضل الموطأ (ص 32).
(3)
كشف المغطى (ص 35).
(4)
انظر: الموطأ، قطعة منه برواية ابن زياد (مقدمة المحقق، ص 71).
(5)
كشف المغطى (ص 39).
(6)
التعليق الممجد (ص 35).