الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول مذهب مالك:
"
…
من تدبر أصول الإسلام، وقواعد الشريعة وجد أصول مالك، وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد" (1)؛ فـ "أنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة، وتقرير مآخذهم في الفقه والاجتهاد في الشرع، وجدت مالكاً رحمه الله ناهجاً في هذه الأصول مناهجها، مرتباً لها مراتبها ومدارجها، مقدماً كتاب الله، ومرتباً له على الآثار، ثم مقدماً لها على القياس والاعتبار، تاركاً منها لما لم يتحمله الثقات العارفون بما تحملوه، أو ما وجد الجمهور الجم الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغير وخالفوه
…
، وكان يرجح الاتباع، ويكره الابتداع والخروج عن سنن الماضين" (2).
شرح الإمام منهجه، والخطوط العريضة التي بنى عليها آراءه واستنباطاته في موطئه حين سئل فأجاب: "أما أكثر ما في الكتب [الكتاب](فرأيي)، فالعمري ما هو برأيي، ولكن سماع من غير واحد من أهل العلم والفضل، والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم، وهم الذين كانوا يتقون الله، فكثر علي فقلت:(رأيي)، وذلك رأيي إذا كان رأيهم مثل رأي الصحابة، أدركوهم عليه، وأدركتهم أنا على ذلك، فهذا وراثة توارثوها قرناً عن قرن إلى زماننا.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/ 328).
(2)
ترتيب المدارك (1/ 89).
وما كان: (أرى) فهو رأي جماعة ممن تقدم من الأئمة.
وما كان فيه: (الأمر المجمع عليه) فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم لم يختلفوا فيه.
وما قلت: (الأمر عندنا) فهو ما عمل الناس به عندنا، وجرت به الأحكام، وعرفه الجاهل والعالم.
وكذلك ما قلت فيه: (ببلدنا)، وما قلت فيه:(بعض أهل العلم) فهو شيء استحسنه من قول العلماء.
وأما ما لم أسمع منه فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيته، حتى وقع ذلك مقع الحق، أو قريباً منه، حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم، وإن لم أسمع ذلك بعينه، فنسبت الرأي إليَّ بعد الاجتهاد مع السنة، وما مضى عليه أهل العلم المقتدى بهم، والأمر المعمول به عندنا منذ لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين، مع من لقيت، فذلك رأيهم ما خرج إلى غيرهم" (1).
هذا هو منهج الإمام مالك في موطئه، واضح الدلالة على التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل أهل المدينة من الصحابة، والتابعين، مع الاجتهاد الشخصي، حيث
(1) ترتيب المدارك (2/ 74)؛ وانظر: الباجي، أبو الوليد، إحكام الفصول في أحكام الأصول (ص 485)؛ نيل الابتهاج بتطريز الديباج (ص 192 - 193)؛ المعيار (6/ 360).
لا يجد مندوحة عنه، متقيداً في اجتهاداته بمبادئه التي شرحها، فهو منهج "جامع بين النظر والأثر، ولكنه بمراعاة الأثر أعلق"(1)، "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه"(2).
هذا المنهج سواء صرح به في موطئه، أو ضمنه إياه، يكفي لتوضيح الأسس الأصلية الأصيلة للمذهب كما يراها المؤسس، ويرسم خطوطاً واضحة المعالم لتلاميذه، وعلماء المذهب بعد؛ ليضعوا بالتفصيل أصول المذهب، وقواعده الاستنباطية، وما تواصلوا إليه من استقرائهم لآراء الإمام، وفتاويه، ومفاهيم تلاميذه، وتخريجاتهم.
ومن ثم فقد قام علماء المذهب بحصر أصول المذهب وترتيبها، بل وتوسعوا في ذلك توسعاً أدى إلى اعتبار مذهب مالك أكثر المذاهب أصولاً (3)، فقد قيل: إنها تصل إلى خمسمائة وهي لا تقل عن تسع (4)، وإن كانت عند أكثر العلماء ستة عشر أصلاً (5).
(1) ومضات فكر (2)، (ص 59).
(2)
الموافقات (4/ 289).
(3)
انظر: أبو زهرة، محمد، الإمام مالك (ص 217، 218، 276)؛ الجيدي، عمر، محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي (ص 64، 65، 66).
(4)
المرجع السابق.
(5)
انظر: التسولي، علي بن عبد السلام، البهجة في شرح التحفة (2/ 133)؛ الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (1/ 384، 385، 387)؛ الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة (ص 115).
"وأدق إحصاء لأصول المذهب المالكي هو ما ذكره القرافي (1). فقد ذكر أن أصول المذهب هي:
1 -
القرآن، 2 - والسنة، 3 - والإجماع، 4 - وإجماع أهل المدينة، 5 - والقياس، 6 - وقول الصحابي، 7 - والمصلحة المرسلة، 8 - والعرف والعادات، 9 - وسد الذرائع، 10 - والاستصحاب، 11 - والاستحسان" (2).
هذه هي أمهات أصول مالك، وهي أصول بعضها مجمع على اعتمادها بين المذاهب، كالكتاب، والسنة، والإجماع، القياس. وأخرى يشاركه في اعتمادها بعض المذاهب. غير أن مالكاً انفرد عن كل المذاهب باعتماد "إجماع أهل المدينة، أو عمل أهل المدينة أصلاً من الأصول التي بنى مذهبه عليها. وقد كان اعتماد مالك لهذا الأصل مثار جدل ومناقشة بين الفقهاء، بدأت في
(1) القرافي: "شهاب الدين، أبو العباس، أحمد بن أبي العلاء، إدريس بن عبد الرحمن .. البهنسي، المصري، وحيد دهره
…
، انتهت إليه الرئاسة في الفقه على مذهب مالك .. ، كان إماماً، بارعاً في الفقه، والأصول، والعلوم العقلية. سارت مصنفاته سير الشمس، ورزق فيها الحظ السامي عن اللمس، ألف كتباً مفيدة انعقد على كمالها لسان الإجماع (ت 684 هـ) "ت. الديباج المذهب (1/ 236 - 239).
(2)
أبو زهرة، الإمام مالك (ص 218).