الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدارس المالكية في دور التطور:
تعرضت المدارس المالكية في هذه المرحلة (دوور التطور) إلى حركة مد وجذر وسعة النطاق، تباينت باختلاف المدارس، فقد بدأ النبع العراقي يضعف، ثم يجف وينضب، مع رحيل القرن الخامس الهجري، وأصيبت الفروع المالكية في المدينة، ومصر، وإفريقية بالاضطهاد العُبَيدي، وما نتج عنه من آثار سلبية على جميع المدارس الفقهية السنية، وكان من نصيب المدرستين: المدنية، والمصرية ضعف نشاطهما ضعفاً شديداً، وظل الانحسار في نشاط هاتين المدرستين حتى زوال الحكم الفاطمي وآثاره (1).
أما المدرسة القروانية/ التونسية فعلى الرغم من وقوعها تحت تأثيرات سياسية وضغوط أقوى من تلك التي تعرضت لها المدارس الأخرى، إلا أن كل ذلك لم يفل من عضد علماء المذهب، بل واصلوا جهودهم في تحدّ مبدع كان نتيجته استمرار "تألق" المذهب إلى حد كبير.
وانفردت المدرسة المالكية بالأندلس بأنها المدرسة الوحيدة التي لم يصبها ما أصاب بقية الفروع من جزر وانحسار، بل على العكس من ذلك، تميزت المدرسة الأندلسية في هذه الفترة بحركة علمية نشطة هي استمرار لجهود علماء المرحلة السابقة، وعلى عكس ما
(1) انظر (ص 65، القسم الأول من هذا البحث "1 - دور النشوء").
لحق المدارس المالكية من اضطهاد في مناطق أخرى، حظيت في الأندلس بتأييد الحكام. هذا التأييد الذي توجه بخطاب الحكم المستنصر بن عبد الرحمن (1)، والذي ينص على أن:"من خالف مذهب مالك بن أنس رحمه الله بالفتوى أو غيره، وبلغني خبره أنزلت به من النكار ما يستحق، وجعلته ثراداً (2)، وقد أخبرت فيما رأيت من الكتب أن مذهب مالك وأصحابه أفضل المذهب، ولم نر أن أصحابه، ولا فيمن تقلد مذهبه غير السنة والجماعة، فليتمسك بهذا ففيه النجاة إن شاء الله"(3). بل كان رأي الدولة أن "
…
كل من زاع عن مذهب مالك فإن ممن رين على قلبه، وزين له سوء عمله
…
" (4).
(1) الحكم المستنصر بن عبد الرحمن، أمير المؤمنين الخليفة الأموي بالأندلس "كان حسن السيرة، جامعاً للعلوم، محباً لها، مكرماً لأهلها
…
، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمع أحد من الملوك قبله هناك، وذلك بإرساله إلى الأقطار، واشترائه لها بأغلى الأثمان، بلغت عدد فهارس الكتب في مكتبته أربعاً وأربعون فهرسة، وفي كل فهرسة عشرون ورقة (توفي 366 هـ).
جذوة المقتبس (ص 13 - 16)، وانظر: تاريخ علماء الأندلس (ص 7)، نفح الطيب (1/ 362، 371).
(2)
في القاموس: ثرد الذبيحة قتلها من غير أن يفري أوداجها
…
والمثرِّد من يذبح بحجر أو عظم، أو مَنْ حديدته غير حادة، واسم ذلك المثراد والثريد. مادة (ثرد).
(3)
المعيار (2/ 332 - 333).
(4)
المرجع السابق.