الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقويم كتب هذه المرحلة
تنبع قيمة الكتب من ما حظى به مؤلفوها من تقدير لآرائهم واجتهاداتهم، وإقرار بصحة ترجيحاتها من العلماء المتصدرين للمحيط الفقهي المذهبي في أي فترة أو مرحلة من المراحل، وحياة الكتب - علمياً- تمتد بامتداد هذا التقدير، والاعتراف لما تضمنته من آراء، واجتهادات، وتخريجات.
ومن ثم فقد ظلت دواوين المذهب وأمهاته، محور اهتمام العلماء في هذه المرحلة، بل وما بعدها، هو اهتمام وتقدير واعتماد زاده نبوغ علماء أفذاذ في هذه المرحلة، جعلوا تلك الأمهات والدواوين الأساس لدراساتهم واجتهاداتهم، مع حرصهم على إعادة تقديم تلك الأمهات في ثوب جديد يتلائم مع التطور العلمي لمختلف فروع المذهب، ويتجانس مع ما توصل إليه هذا الرعيل الجديد من العلماء من اجتهادات وترجيحات، خاصة بعد أن اكتمل الحصر العلمي لآراء مالك، وسماعات تلاميذه على اختلاف فروع المذهب، ومدارسه.
فقد "
…
عكف أهل القيروان على هذه المدونة، وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية، ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابه المسمى بالمختصر، ولخصه أيضاً أبو سعيد البراذعي من فقهاء القيران في كتابه المسمى بالتهذيب، واعتمده المشيخة من أهل
إفريقية، وأخذوا به، وتركوا ما سواه، وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية، وهجروا الواضحة وما سواها، ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشروح، والإيضاح، والجمع، فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا
…
، وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا
…
، وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل، والخلاف، والأقوال في كتاب النوادر، فاشتمل على جميع أقوال المذهب، وفرّع الأمهات كلها في هذا الكتاب، ونقل ابن يونس معظمه في كتاب على المدونة" (1).
وابن خلدون في هذا النص يشير إلى مرحلة الامتزاج الفكري الفقهي الذي مرّ عليه المذهب في هذا الدور، وهو امتزاج ظهرت آثاره في تقويم علماء المذهب، كما ظهرت في تقويم الكتب الفقهية.
يصور آثار هذا الامتزاج في تقويم علماء المذهب التصريح المتداول في كتب المذهب، والذي ينص على أنه:"لولا الشيخان، والمحمدان، والقاضيان، لذهب المذهب"(2)، فالشيخان: أبو بكر الأبهري (بغدادي)، وأبو محمد بن أبي زيد (قيرواني)، المحمدان: محمد بن سحنون (قيرواني)، ومحمد ابن المواز (مصري)،
(1) ابن خلدون المقدمة (ص 245).
(2)
معالم الإيمان (3/ 110).
والقاضيان: أبو محمد عبد الوهاب بن نصر، وأبو الحسن بن القصار (1) وكلاهما (بغدادي)، والنص واضح في مدى اعتماده المذهب على هؤلاء العلماء لا فرق بين بغدادي، وقيرواني، ومصري.
ولا شك أن ما ناله هؤلاء العلماء من تقدير واحترام، انعكس على مؤلفاتهم اعتباراً، واعتماداً.
فحين يحتدم نقاش الجدل الفقهي بين الإمام الباجي وعلماء الشام، يكون الحكَم الفصل بينهم كتب الباجي "الفقهية، وهي من تأليف القاضيين أبي الحسن القصار، وأبي محمد عبد الوهاب بن نصر"(2).
بل إن "الكتب الخمسة التي عكف عليها المالكيون شرقاً وغرباً
…
هي:
المدونة، والجواهر، والتلقين، و [التفريع لابن] الجلاب، والرسالة" (3).
والتصريح الفقهي الذي يقول: "اعتمدوا: الموطأ، والمنتقى، والمدونة، وابن يونس، والمقدمات، والبيان، والنوادر .. "(4)،
(1) معالم الإيمان (3/ 110).
(2)
فصول الأحكام (مقدمة المحقق، ص 37).
(3)
الذخيرة (1/ 34).
(4)
المعيار المعرب (11/ 110).
يوضح مدى تأثير الامتزاج بين المدارس الفقهية المالكية من حيث اعتمادهم للكتب لا فرق بين كونها مصرية، أو أندلسية، أو قيروانية، وقد توج هذا الاتجاه باعتماد الإمام خليل الجندي في مختصره على ابن رشد، والمازري، واللخمي، وابن يونس.
في ضوء هذه الضوابط والثوابت يعرض الباحث فيما يلي الكتب التي نالت اعتماد علماء المالكية في هذه المرحلة؛ حيث صرحوا باعتماد آراء مؤلف بشكل عام، أو اعتماد كتب محددة من مؤلفاته، وتقديمها على غيرها.
ولتحقيق هذا الغرض يمكن تصنيف هذه الكتب من حيث موضوعها العام والخاص إلى فئتين:
الفئة الأولى: كتب الفقه النظري، أعني به الفقه العام مذهبياً كان، أو مقارناً، أو فتاوى في نوازل معينة.
وكتب الفتاوى وإن كانت تندرج أساساً تحت مسمى الفقه التطبيقي - كما أسلفت سابقاً- إلا أنها لطبيعة ما تتناوله من موضوعات تعم جميع أبواب الفقه أقرب إلى الفقه العام مادة.
الفئة الثانية: كتب الفقه التطبيقي خاصة تلك التي تركز على علم القضاء، والوثائق، والشروط.