الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رأيي أن الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في صلاحية النضح للتطهير وإزالته للنجاسة، مما سبق ذكره في مسألة الرش على بول الصبي. فقد ذكرنا هناك أن أبا حنيفة ذهب إلى أن النضح غير مزيل للنجاسة وحمل هو والإمام مالك النضح في الأحاديث على الغسل.
والمني عند أبي حنيفة نجس، لا كما يوهم كلام الكوثري من أنه طاهر. فيجب غسله إن كان رطبًا، ويجزي فيه الفرك إن كان يابسًا لحديث عائشة، وكذلك ذهب مالك إلى نجاسته. وأما الشافعي وأحمد وأهل الظاهر، فقد ذهبوا إلى طهارة المني - وحينئذٍ فالنضح شيء كمالي، إن وجد فحسن، وإن عدم فلا بأس، لأنه لا توجد نجاسة حتى يطلب زوالها (1).
أما المذي فإنه نجس بالإجماع، ولكن هل يكفي فيه النضح، أو لا بد من الغسل؟، ذهب الجمهور إلى وجوب الغسل، وقال أحمد بن حنبل:«أَرْجُو أَنْ يُجْزِيهِ النَّضْحُ بِالمَاءِ» (2).
وعلى هذا فجمع ابن أبي شيبة للمذي مع المني في مكان واحد، ملائم لمذهب أحمد والمحدثين، الذين يرون أن النضح يقوم مقام الغسل في إزالة النجاسات، إلا أنهم يقيدون مواضع النضح بما جاءت به النصوص ولا يقيسون عليها غيرها.
7 - سُؤْرُ السِّنَّوْرِ:
عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ زَوْجَةً لِبَعْضِ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّهَا صَبَّتْ لأَبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ [فَشَرِبَتْ] فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءِ،
(1)" شرح ابن العربي على الترمذي ": 1/ 178، 181؛ و" بداية المجتهد " 1/ 64؛ و" فتح القدير ": 1/ 136، [137]؛ و" معاني الآثار ": 1/ 29، 32.
(2)
" الترمذي ": 1/ 129.
فَجَعَلْتُ [أَنْظُرُ]، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةَ أَخِي أَتَعْجَبِينَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، [هِيَ] مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوْ مِنَ الطَّوَّافَاتِ» .
كما روى عن ابن عباس، والحسين بن علي أنهما قالا:«الهِرُّ مِنْ مَتَاعِ البَيْتِ» ، ثم قال ابن أبي شيبة:
- «وَذُكِرَ [أَنَّ] أَبَا حَنِيفَةَ، أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ السِّنَّوْرِ» .
- جاء في " الهداية ": «وَسُؤْرُ الهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لأَنَّ " النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصْغِي لَهَا الإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ "» (1).
ويعلل الكمال بن الهُمام لما ذهب إليه أبو حنيفة، بأن توهم النجاسة أصل صحيح، دل عليه حديث الأمر بغسل اليد قبل إدخالها الإناء عند الاستيقاظ من النوم، والقطة لا تتحامى النجاسة، وحديث إصغاء الإناء لها يعمل على زوال هذا التوهم، فتبقى الكراهية.
ولكن الطحاوي يرى أن حديث أبي قتادة في إصغاء الإناء للهرة، لا يفيد طهارة الماء الذي شربت منه، وليس قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، [هِيَ] مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» - نَصًّا في طهارة سؤرها لأنه يجوز أن يكون أريد به كونها في البيوت ومماستها الثياب: فأما ولوغها في الإناء فليس في ذلك دليل أنه يوجب النجاسة أولاً، وإنما المذي في الحديث هو فهم أبي قتادة ورأيه واجتهاده، وقد رأينا أن وجود الكلاب في المنزل للحراسة غير مكروه، في حين أن سؤرها مكروه، ثم روى الطحاوي عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا:«طَهُورُ الإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الهِرُّ أَنْ يُغْسَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» .
(1)" الهداية ": 1/ 76.