الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقدأ بدأ البخاري كلامه في الحيل بباب إبطالها، مستدلاً بحديث:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، ثم تلاه بقوله: (بَابٌ
فِي الصَّلَاةِ)
أي دخل الحيلة فيها - روى فيه حديث: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» .
فِي الصَّلَاةِ: (*)
فرأى بعض الشراح (**) «أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِهَذَا البَابِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَحْدَثَ عَمْدًا فِي أَثْنَاءِ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ حَدَثُهُ كَسَلَامِهِ، إِذْ أَنَّ هَذَا يُعَدُّ مِنَ الحِيَلِ لِتَصْحِيحِ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ.
وقال بعض آخر (
…
): «فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ، [وَوَافَقَهُ] ابْنُ أَبِي لَيْلَى» ، وهو أحد قولي الشافعي. «وَقَالَ مَالِكٌ [وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ [وَاحْتَجَّا] بِهَذَا الْحَدِيثِ» (1) السابق.
وقد استاء العَيْنِيُّ من هذه الأقوال، مؤكدًا أن هذه المسألة بعيدة عن مفهوم الحيل، فقال:«لَا مُطَابقَةَ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ أَصْلاً فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ أَصْلاً عَلَى شَيْءٍ مِنَ الحِيَلِ» . ثُمَّ بَيَّنَ أن الأحناف ما صححوا صلاة من أحدث في القعود الأخير بالحيلة، وما للحيلة دخل في هذا، بل صححوها بقوله صلى الله عليه وسلم لِابْنِ مَسْعُودٍ:" إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ ". [وَهَذَا يُنَافِي] فَرضِيَّة السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ» (2).
فِي الزَّكَاةِ:
(*)
أما في الزكاة، فقد ذكر البخاري قول بعض الناس فيها ثلاث مرات وترجم لهذا الباب بقوله:(بَابٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ)، ثم روى الحديث الذي في هذه الترجمة
(1) انظر " فتح الباري ": 12/ 292.
(2)
انظر " عمدة القاري ": 11/ 262 وما بعدها، طبعة دار الطباعة العامرة.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) عَنْوَنْتُ للصلاة والزكاة في هذه الصفحة، لأن المؤلف - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - عنون للنكاح في صفحة 628 لتناسق العناوين.
(**) هو ابْنُ المُنَيِّرِ، انظر " فتح الباري "، لابن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق الشيخ محب الدين الخطيب، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، 12/ 345، (90) كِتَابُ الْحِيَلِ، (2) بَابٌ فِي الصَّلَاةِ، حديث رقم 6945، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1986 م، نشر دار الريان - القاهرة.
(
…
) هو ابن بطال، انظر المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة. انظر أيضًا " شرح صحيح البخاري "، لابن بطال، ضبط نصه وعلق عليه أبو تميم ياسر بن إبراهيم، كِتَابُ الْحِيَلِ، بَابٌ فِي الصَّلَاةِ، 8/ 311، مكتبة الرشد - الرياض. المملكة العربية السعودية.
(****) انظر " السنن "، لأبي داود السجستاني (ت 275 هـ)، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط، محمد كامل قرة بللي، 2/ 318، حديث رقم 970، (2) كِتَابُ الصَّلَاةِ، (181) بَابُ التَّشَهُّدِ، حديث رقم 970، الطبعة الأولى: 1430 هـ - 2009 م، نشر دار الرسالة العالمية - دمشق. وانظر تخريج الحديث فيه.
وانظر " نصب الراية "، جمال الدين الزيلعي (ت 762 هـ)، تصحيح الشيخ محمد عوامة: كِتَابُ الصَّلَاةِ - بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ، 1/ 306، حديث رقم 1346، 1347، الطبعة الأولى: 1418 هـ - 1997 م، دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة. مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع. المكتبة المكية.
ثم عقب على ذلك بحديث: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ، فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ، حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَتَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا» .
ثم عقب البخاري على هذا الحديث بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا، فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ. وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسِتَّةٍ جَازَتْ عَنْهُ» .
ثم روى البخاري أَنَّ سَعْدَ بْنَ [عُبَادَةَ](*) الأَنْصَارِيُّ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْضِهِ عَنْهَا» .
ثم عاد مرة ثالثة إلى مواجهة أهل الرأي، فقال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا،
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع خطأ في الطباعة (سعد بن عمارة) والصواب أنه (سعد بن عبادة). انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (55) كِتَابُ الوَصَايَا (19) بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّيَ فُجَاءَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقَضَاءِ النُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ، 5/ 389، 390، الحديث رقم: 2761، طبعة سنة 1379 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت.
وانظر صفحة 510 من هذا الكتاب.
فِرَارًا وَاحْتِيَالًا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ، فَلَا شَيْءَ فِي مَالِهِ» (1).
وهذه المسألة السابقة تتعلق بالحيلة في إسقاط الزكاة. وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» ثلاث مرات، يفصل بين كل موضع بحديث.
وقد أراد البخاري بما رواه في حديث الباب المتقدم، أن يبين أنه لا يحل لأحد أن يتحيل على إسقاط الزكاة، لأنها فرض، ولن يفلح من أسقط شيئًا من فرائض الله، وأن هذا المتحيل في إسقاط الزكاة بعد بلوغها النصاب لا تبرأ ذمته بهذه الحيلة، بل هو مؤاخذ بها يوم القيامة.
«وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ " الخَرَاجِ " (
…
) بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ " وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ": " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَلَا إِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا
(1)" البخاري بحاشية السندي ": 4/ 202، 203.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري ": 12/ 333. (طبعة دار المعرفة).
(**) المصدر السابق: 12/ 331.
(
…
) انظر " الخراج "، لأبي يوسف (ت 182 هـ): بَابٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالضَّيَاعِ، ص 80، طبعة سنة 1399 هـ - 1979 م، دار المعرفة. بيروت - لبنان.