الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا - منهجهم في ذكر آرائهم الفقهية وآراء غيرهم:
قدمنا أن المحدثين كرهوا إفراد الآراء الفقهية بالتدوين، وأن اتجاههم إلى الآثار دفعهم إلى أن يؤلفوا كتب الحديث، ويضمونها ما أرادوا ذكره من أرائهم أو آراء غيرهم.
ولما كانت الآثار هي غايتهم الأولى من التأليف، كان طبيعيًا أن يقتصدوا في ذكر الآراء الفقهية، وأن يوجزوا القول فيها إيجازًا يصل إلى حد الرمز والإشارة في بعض الأحيان، وإن لم يمنعهم هذا من أن يعبروا في الجملة عن آرائهم، وأن يعلنوا عن اختياراتهم، ولكنهم تفاوتوا في إبراز شخصيتهم الفقهية من خلال التراجم والآراء التي يعرضونها، فعلى حين تقرأ لبعضهم فلا تكاد تحس به، إذا بآخرين منهم يؤكدون وجودهم في كل صفحة من صفحات مؤلفاتهم.
مَنْهَجُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ:
ويبدو أن المؤلفين قبل البخاري، ممن رتبوا كتبهم على الأبواب، لم يكونوا يقتصرون على رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يَرْوُونَ معه آراء الصحابة والتابعين وتابعيهم.
وهذه الظاهرة أوضح ما تكون في " المصنف " لابن أبي شيبة (أبي بكر عبد الله بن محمد)، حيث يمكن اعتباره - بحق - مستودعًا فقهيًا لآراء السلف وديوانًا جامعًا لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، يروي في الأبواب أقوالهم بأسانيدها، قبل الأحاديث المرفوعة أو بعدها لا يلتزم في ذلك ترتيبًا معينًا، بل إن بعض الأبواب خلت تمامًا من الأحاديث، مقتصرًا فيها على ذكر فتاوى الصحابة ومن بعدهم. وهذه الأبواب مسائل أفتى فيها الصحابة والتابعون، وهي من الكثرة في " مصنف ابن أبي شيبة " بحيث
تدل على كثرة المسائل المأثورة عنهم، ويجعلها ابن أبي شيبة عناوين بدلاً من الأبواب.
وهذه هي بعض المسائل المتعاقبة التي ليس فيها حديث واحد، ونورد هنا عناوينه لها (في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم - الرجل يمس الدراهم وهو على غير وضوء - الرجل يمس الدرهم وهو جنب - الرجل يذكر الله على الخلاء أو يجامع - الرجل يعطي وهو على الخلاء - في بول البعير والشاة يصيب الثوب - في بول البغل والحمار - القيح يتوضأ منه أَوْ لَا - الذي يصلي وفي ثوبه خرء الطير - في خرء الدجاج - من كان يقول تم على طهارة - الرجل يمس اللحم النيء - البول يصيب الثوب فلا يدري أين هو - المرأة تختضب وهي على غير وضوء)(1) وأمثال هذه المسائل تكثر في " المصنف " وهي منثورة فيه، وبخاصة في (كتاب الأيمان والنذور والكفارات)(2).
ولا يكاد القارئ لـ " مصنف ابن أبي شيبة " يحس بشخصية المؤلف، إذ ليس له أية تعقيبات على ما يرويه، لا من حيث الإسناد، ولا من حيث الفقه، ويرى ذلك بوضوح في المسائل التي تعترك فيها الآراء، حيث يكتفي برواية كل رأي دون أن يعقب عليها بما يبين رأيه أو يبين الراجح والمرجوح منها:
وذلك مثل قوله: (مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وَضُوءٌ)، وبعد أن يذكر الرواية في ذلك يقول:(مَنْ قَالَ فِيهَا الوُضُوءُ)، وكقوله:(فِي الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ)، ثم يعنون بعد ذلك بقوله:(مَنْ كَانَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ)، وكقوله:(مَنْ كَانَ لَا يَتَوَضَّأُ مِمَا مَسَّتِ النَّارُ)، ثم (مَنْ كَانَ يَرَى الوُضُوءَ
(1)" المصنف ": 1/ 79، 81 وانظر أيضًا: 1/ 53، 54، 69، 72، 73، 76، 77، وغيرها.
(2)
" المصنف ": 4/ 171 وبعدها.