الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] و [المائدة: 6]، ولذا اتفق على انتقاض الوضوء من البول والغائط والريح والمذي والودي، واختلف فيما عداها، على أن أكثر المختلف فيه يمكن اعتباره ذريعة مفضية إلى إحداث ما اتفق على نقض الوضوء منه: مثل ما يخرج من الجسم كالدم وغيره من السبيلين أو من غيرهما، ومثل النوم ولمس المرأة ومس الذكر وغير ذلك، أما حمل الميت أو أكل ما مست النار فَلَيْسَا دَاخِلَيْنِ في الأصل المتفق عليه، ولا فيما يفضي إليه، ولذا كان الوضوء منهما محل استنكار.
[ج] قَطْعُ الصَّلَاةِ إِذَا مَرَّ أَمَامَ المُصَلِّي امْرَأَةٌ أَوْ كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ:
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ، أَوْ كَوَاسِطَةِ الرَّحْلِ: قَطَعَ صَلَاتَهُ الكَلْبُ الأَسْوَدُ وَالمَرْأَةُ وَالحِمَارُ» .
وقد أثار هذا الحديث كثيرًا من النقاش والتساؤلات في عصر الصحابة واتجهوا في فهمه اتجاهات مختلفة، تَبَعًا لاستعداداتهم، إذ أسرع بعضهم إلى التسليم به والعمل بظاهره، ومنهم ابن عمر، وعرضه آخرون منهم على الأصول العامة وعلى موازين النقد، فلم يسلموا بصحته، أو لم يذهبوا إلى ظاهره.
وجدير بالذكر أن البخاري لم يذكر قطع الصلاة بهؤلاء الثلاثة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر أن هذا الكلام كان محل مناظرة بين الصحابة فكأنه كان رأيًا لبعضهم، أما الذي رواه البخاري مرفوعًا فهو:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْشَدَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ المُصَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَرِيقِ النَّاسِ سُتْرَةً أَيَّ سُتْرَةٍ» ، قد يكون جدارًا أو سارية، أو حربة يغرسها أو خشبة كذلك، وحذر من المرور بين يدي المصلي لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، تجنبًا من شغل المصلي حتى إن عثمان رضي الله عنه كره أن يصلي الرجل تجاه الرجل، وحمله البخاري على ما إذا اشتغل به
المصلي فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: «مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ» .
ولذلك أنكرت السيدة عائشة رضي الله عنها ما قيل في قطع الصلاة بهؤلاء الثلاثة، بل غضبت، فالمرأة في الإسلام ليست من الهوان بحيث تُسَوَّى بِالحِمَارِ وَالكَلْبِ، ولو كانت تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قرر هذا الكلام ما كان لها ولا لغيرها سبيل إلى الإنكار، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
وقد أورد البخاري إنكارها مترجمًا له بقوله: (بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ) رَوَى فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالأَسْوَدَ عَنْ عَائِشَةَ، ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلَابِ، وَاللَّهِ «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ، فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ» ، وفي رواية عنها:«بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالكَلْبِ وَالحِمَارِ» .
وذهب ابن عباس أيضًا إلى ما ذهبت إليه عائشة، وترجم الترمذي لحديثه بقوله:(بَابُ مَا جَاءَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ) روى فيه عن ابن عباس قَالَ: «كُنْتُ رَدِيفَ الفَضْلِ عَلَى أَتَانٍ، فَجِئْنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى، قَالَ: فَنَزَلْنَا عَنْهَا فَوَصَلْنَا الصَّفَّ، فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ» ، وإن حمل البخاري حديث ابن عباس على أن سترة الإمام سترة للمأموم فلا يضر المأموم ما يمر أمامه (1).
(1) هذه الروايات مذكورة في " صحيح البخاري بحاشية السندي ": 1/ 63، 66؛ و" الترمذي بشرح ابن العربي ": 2/ 130، 134؛ وانظر " المحلى ": 4/ 8، 15 ففيه تفصيل للآراء في هذا الموضوع ورجح الشيخ أحمد شاكر أن حديث قطع الصلاة بهذه الأشياء منسوخ.